المسافة بين أداء شخصية تيمور تاج الدين كما كتبت على الورق، والشخصية كما يجسدها الفنان تيم حسن أمام الكاميرا في مسلسل "تشيللو"، هي المسافة بين تقمص الشخصية وإعادة بنائها، والفارق بينهما هو معرفة الممثل وسلوكه ووعيه للشخصية وامتلاكه مفاتيحَها وقدرته على إدارتها، والارتقاء بها...وتلك هي أدوات تيم حسن في بناء غالبية شخصياته التمثيلية انطلاقاً من الورق المكتوب.
مع تيمور تاج الدين، نحن أمام شخصية عنيفة وطيبة، قاسية وحنونة، مكروهة ومحبوبة، مادية وروحانية.. في الوقت ذاته، هذه الشخصية المركبة التي تجتمع فيها الأضداد على نحو صارخ من الصعوبة أن يتم تصنيفها في شكل تقليدي من الأداء، وإنما هي تحتاج إلى شكل فني جديد في تجسيد الشخصية، يستطيع أن يلملم تناقضاتها في جسد واحد، ويبث فيه الروح ويقنعنا بتناقضاتها، وهي تنتقل من مشهد عنيف قاس إلى آخر يقطر حناناً، ومن مشهد جاف بماديته وسلطوية صاحبه إلى آخر يقفز فيه فرحاً وعشقاً أو ربما يخر ضعفاً.
كيف يمكن أن يحدث ذلك كله في تتابع مونتاجي دون أن يحدث شرخاً في التمثيل، وانفصاماً عند المشاهد لو لم يقبض تيم حسن على روح الشخصية..؟
بروحه كممثل لا بجسده فقط يدير الفنان تيم حسن شخصية تيمور تاج الدين أمام الكاميرا، روحه كممثل هي الناظم لكل أدواته التمثيلية وتقنياته كممثل، أما الجسد فهو أداته التي تسبق التعبير وتحدده أيضاً.. وتحمله إلى درجة الصدق الفني، فلا نشعر أنه يردد جملاً يحفظها لشخصيته، وإنما يخاطبنا بشيء أشبه بالبوح الداخلي، فيقطع كلامه ويسبقه بصمت بمقدار الكلام ويبث بينه فاصلة من الحزم أو من الرقة أو من الغضب.. وهو بذلك كله يبدع الشخصية لا ينقلها.
في المسرح يتحدث أهل الاختصاص عن واحد من المصطلحات المرتبطة باللعب التمثيلي على الخشبة، هو "اللعب المشهدي" (Jeu de scene)، وهذا المصطلح كما يعرفونه هو "عبارة عن فعل صامت للممثل لا يستعمل فيه سوى حضوره وحركاته من أجل التعبير عن إحساس أو وضعية ما، قبل أخذه الكلمة أو بعدها". هل كان تيم حسن يفعل غير ذلك مع تيمور تاج الدين في تشيللو، ألا تبدو شخصية "تيمور" كما جسدها تيم حسن في المسلسل التعبير المثالي لمفهوم "اللعب المشهدي"..؟
التناقضات في سلوك تيمور تاج الدين ليست كلها أصيلة في شخصيته بالغالب، فبالإضافة إلى تكوينه النفسي الطبيعي، تلعب الظروف المحيطة بـ"تيمور" في إعادة تكوين شخصيته، يضاف إليها ما تمنحه إياه قوانين السوق بوصفه رجل أعمال من قدرة على المراوغة والتلون في أحواله اليومية، فضلاً عن شعوره بالسلطة والإحساس بالقوة الذي يأتيه من امتلاكه الثروة الضخمة وانعكاس إحساسه هذا على شخصيته وتصرفاته وسلوكه حد تقديمه عرضاً غير لائق بقضاء ليلة مع ياسمين مقابل مليون دولار.. كل ذلك كان يتطلب من الفنان تيم حسن اللعب التمثيلي على الدور، واللعب ضمن الدور أيضاً..أي تجسيد الأصيل من الشخصية، والنيابة عن الشخصية في تجسيد تصنعها، فالشخصية لا تمثل، وإنما يقوم بذلك عنها الممثل الذي يؤديها، شريطة ألا يتساوى تمثيل الشخصية مع تمثيل من يؤديها.. والفارق بين التمثيلين هو من يحدد الفاصل بين تمثيل الدور والتمثيل ضمن الدور نفسه.
هذه الحالة يقابلها على خشبة المسرح ما يعرف بـ "المسرح ضمن المسرح"، إلا أنها في الدراما التلفزيونية لا تعلن عن نفسها صراحة لطبيعة علاقتها غير المباشرة مع المشاهد، وهنا تبرز إمكانيات تيم حسن التمثيلية ووعيه لطبيعة شخصيته والتعبير عنها على مستويات عدة، وفي كل مرة سيظل الفنان حسن يقبض على شخصية تيمور تاج الدين، وعلى عين المشاهد وإحساسه في آن معاً، عبر أداء رفيع يتجاوز معه المشاهد الموقف الشخصي من عرض تيمور غير اللائق لياسمين في بداية المسلسل، نحو إدراك جمالي عميق لطبيعة الشخصية.. ومهارة تيم حسن في تجسيدها.