تونس والوصفة السحرية

21 اغسطس 2016
الشاهد بعد إعلان حكومته الجديدة مساء السبت(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
جرّبت تونس بعد الثورة كل أشكال الحكومات، ائتلاف أحزاب ثورية، مزيج أحزاب ثورية وأخرى قديمة مرتبطة بالنظام السابق، حكومة كفاءات محايدة، حكومة سياسية، ولعلها ستكون مضطرة إلى البحث عن صيغة أخرى بغرض تفادي الهاوية.

ولا يشكل الحديث عن الهاوية أي محل مبالغة. فكل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، على لسان المسؤولين أنفسهم، تؤكد أن البلاد على فوهة بركان، على الرغم من نجاحها بأعجوبة في كل مرة، بتلافي الانحدار في اللحظة الأخيرة. ولكن كل هذه الحكومات فشلت في تحقيق تقدم يذكر في الملفات التي قامت من أجلها الثورة. بقي الشباب عاطلاً عن العمل، كما كان، والجهات محرومة كما كانت.

ولم يتغير إلا أسلوب الإدارة، وهو أمر ليس بالهيّن، ولعله يشكل مصدر قوة التونسيين في تحمل كل هذه الأعباء، لأنه وعلى الرغم من مخاطر انزلاق تجربة الممارسة الديمقراطية، إلا أنها تبقى ديمقراطية. يتحاور فيها التونسيون بكل حرية، ويكشفون المستور ويتحدّون كل مظاهر الخوف من السلطة. كلها إنجازات تجعلهم يطيلون أمد الصبر على الفشل الإداري، وعجز النخب السياسية عن إيجاد حلول مستعجلة - غير ممكنة في الغالب - للمشكلة الاقتصادية والاجتماعية.

وتطرح هذه القراءة أسئلة حول الحلول الممكنة إذن، وحول المطروح الممكن. وربما يقود إلى الاستنتاج المتسرع بأن المشكلة تكمن بالتالي خارج الحكومات وأشكال تأليفها. وربما تكون في نوعية الخطاب السياسي نفسه، الذي أثبت فشلاً ذريعاً في تجميع التونسيين من جديد حول خدمة البلاد، والعودة إلى العمل. لكن هذه الرهانات مرتبطة أساساً بالإحساس بالانتماء إلى البلد، فما ضاعت بلدان إلا لأن أهلها فقدوا الإحساس بالانتماء إليها. لذلك، فإن تونس والتونسيين يحتاجون إلى إعادة صياغة الخطاب السياسي، بما يقنعهم بأن الحل ممكن، وبأنهم أصحاب القرار بالفعل، إذا ما تم إشراكهم فيه، ولم يجر استغباؤهم مرة أخرى.

تعرف كل دوائر الإحصاء التونسية وبعض الساسة أيضاً، أن قوى الشعب التونسي، خصوصاً الشباب، قادرون على تغيير كل المعطيات، وبسرعة، لكنهم يبحثون عمن يحركهم ويقنعهم بصدق مسعاهم السياسي، ليس نحو السلطة، وإنما باتجاه البلد.