في هذا السياق، باشرت بعض الأحزاب استعداداتها للإعلان قريباً عن جبهة برلمانية مؤلفة من كتلة الحرة لحركة مشروع تونس، وآفاق تونس، ومجموعة من نواب كتلة نداء تونس وعدد من النواب المستقلين. وذكر مسؤولون من هذه الكتل أن "المشاورات بينها انطلقت منذ مدة بهدف خلق جبهة برلمانية جديدة لم تتضح أهدافها بعد، ولكنها في ما يبدو موجهة بالأساس ضد حركة النهضة".
وأوضحت رئيسة كتلة آفاق تونس، ريم محجوب، في حديث صحافي، أن "الجبهة البرلمانية لن تضم كتلة النهضة، بل تأتي في إطار مسار انطلق فيه آفاق تونس منذ مدة"، في إشارة إلى مبادرة تشكيل جبهة جمهورية مؤلفة من كل كتل الائتلاف الحاكم باستثناء كتلة حركة النهضة، مشدّدة على أن "الهدف من وراء تأسيس هذه الجبهة هو تنسيق المواقف تحت قبة البرلمان".
من جهته، أفاد النائب عن كتلة الحرة لحركة مشروع تونس، الصحبي بن فرج، بأن "مشاورات تجري منذ حوالى شهر بين الكتلتين النيابيتين لحركة مشروع تونس وآفاق تونس وبعض النواب من نداء تونس ومستقلين لتشكيل جبهة برلمانية تقدمية لتوحيد المواقف والرؤى داخل قبة البرلمان"، مضيفاً أن "مشروع الجبهة الذي بلغ مراحل متقدمة يطمح إلى إعادة التوازن للمشهد البرلماني".
ومن اللافت أن تسميات الجبهة الجديدة، كـ"جمهورية تقدمية"، استهدفت أساساً حركة النهضة، ولكن إقحام عدد من نواب النداء كشف أن "الهدف الحقيقي هو إضعاف التحالف القائم بينها وبين النداء، خصوصاً أنهما قاما منذ مدة بالإعلان عن تنسيقية برلمانية بينهما لتنسيق تحركهما داخل البرلمان". لذلك، وصف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي هذا المبادرة بـ"العدمية والاستئصالية المستهدِفة للنهضة". وأضاف الغنوشي، في تصريح إذاعي، أن هذا المشروع لن ينفع التونسيين في شيء، متسائلاً: "ماذا ستقدم هذه الجبهة لتونس غير أنّها ضدّ النهضة وضد فُلان… الضد لا يصنع مشروعاً بل يصنع عدماً".
وسريعاً، أوضحت حركة نداء تونس مسألة مشاركة نواب منها في المشاورات، مؤكدة في بيان لها، أنه "لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بمشروع ما سمي بجبهة برلمانية في مجلس نواب الشعب". وشدّدت على أنه "تبعاً لما تم تداوله حول تأسيس ما سمي بجبهة برلمانية في مجلس النواب، إلا أن مواقفنا الرسمية هي فقط ما يصدر في بلاغاتنا الموقّعة من المدير التنفيذي"، مؤكدة أن "كل من يوقّع من نوابها مع مشروع المبادرة المذكورة يعتبر في حل من أي ارتباط، سواء بكتلة نداء تونس أو بالحزب، عملاً بمقتضيات الانضباط التنظيمي والمحافظة على وحدة الحزب وكتلته البرلمانية".
وظهر كأن التنسيق الكبير الذي جرى بين الحزبين في انتخابات دائرة ألمانيا في تونس قد زاد من وتيرة الانزعاج، مع إعلان النهضة أنها غير معنية بهذه الانتخابات وأن مقعد ألمانيا مخصص لنداء تونس، وأنها ستعمل على فوز هذا المرشح، وهو ما أثار حفيظة الأحزاب الأخرى.
في هذا الإطار، اتضح أن حزبي آفاق ومشروع تونس عملا على تشكيل هذه الجبهة، بينما أعلن حزب الاتحاد الوطني الحر، أنه "غير معني بهذه المشاورات". ولآفاق تونس أهدافه الخاصة، كونه مرّ في مراحل صعود وهبوط في موقعه الحكومي، من دون الخروج منها ولا العثور على موقع مريح في التموضع السياسي، مع مواصلته البحث منذ أشهر عن صيغ وتحالفات. لكن يبدو أن هناك أهدافاً أخرى لهذه المبادرة ربما تكون أكثر عمقاً سياسياً، لعل أهمها أنها تُعِد لمرحلة 2019 وتمهد الطريق لما فشلت فيه في 2014، أي توحيد القوى الحزبية ضد "النهضة"، وتهيئة أرضية جديدة لـ"النداء" يمكن الاستناد عليها برلمانياً وسياسياً.
هدف تأسس عليه حزب "مشروع تونس" الذي أنشأته مكونات من "النداء" رافضة في معظمها للتحالف مع "النهضة". حزب لا يزال يعتمد خطاباً سياسياً يقوم على مصطلحات "النداء" ما قبل 2014 ويقترب من خطاب حزب "آفاق تونس"، لذلك فمن الطبيعي جداً أن يلتقيا حول نفس القراءة للمشهد السياسي التونسي.
غير أن نسيج التحالف الحكومي في حكومة الوحدة الوطنية، بات غير متجانس، في ظلّ تآكله يومياً مع كل اختبار. ولعلّ الأزمة القائمة حالياً بين مكونين أساسيين من وثيقة قرطاج، أي رجال الأعمال والنقابات، خير دليل على هشاشة هذه العلاقات وعلى قرب سقوط هذه الوثيقة نهائياً.
كما برز من جديد خلاف كبير بين مكونين آخرين من هذا التحالف، هما نداء تونس والحزب الجمهوري، مع توجيه المدير التنفيذي لحركة نداء تونس، حافظ قائد السبسي، انتقادات كبيرة للحزب الجمهوري، معتبراً أنه "يُمثّل نموذجاً لمعنى الفشل السياسي الممزوج بالنفاق المركّز"، وذلك على خلفية ما وصفه بـ"استفزازات هذا الحزب وتصريحات ممثّله"، وفقاً لما ورد في الصفحة الرسمية لحركة نداء تونس على موقع "فايسبوك".
واعتبر حافظ قائد السبسي أن "تحليل الحزب الجمهوري لقرار نداء تونس بخصوص الانتخابات الجزئية بألمانيا ورد في شكل شتائم بالجملة في حق النداء وقيادته"، مضيفاً أنه "للأسف تصل درجة النفاق السياسي للقائمين على أمر هذا الحزب إلى مستوى غير مسبوق بوقوفهم على أعتاب السلطة وفي نفس الوقت ادعاء أداء دور المعارض".
وأضاف السبسي الابن "صبرنا طويلاً على استفزازات هذا الحزب وتصريحات ممثله، ولم نكن لنلتفت إلى ذلك لولا أن الحزب المذكور إلى جانبنا في نفس الحكومة"، مؤكداً أن "حركة نداء تونس لن تقبل مستقبلاً بالتواجد مع الحزب الجمهوري في نفس الأطر السياسية". واعتبر أن "هذا الحزب يعاني من انفصام مرضي في الشخصية ويلهث وراء التواجد في الحكومة والصراخ بلسان المعارضة ورفض قانون المصالحة". وفُسّر تأكيد السبسي عدم الاستعداد للتواجد في نفس الأطر السياسية مستقبلاً مع الجمهوري، بالدعوة إلى استبعاد ممثله في الحكومة وربما استبعاده أيضاً من وثيقة قرطاج.