تونس... هل تتأجل انتخابات 2019؟

07 يوليو 2018
الشاهد مصرّ على استمراره في الحكومة (رياض دريدي/فرانس برس)
+ الخط -


جاءت استقالة رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، محمد التليلي المنصري، لتؤجج الأزمة السياسية الخانقة في تونس التي وصلت إلى مأزق حقيقي، بعدما فقدت كل الجهات السياسية غالبيتها البرلمانية التي تُمكّنها من حلحلة أي خلاف بشأن أي ملف. فلا قدرة لأي طرف إلى حدّ الآن على تغيير الحكومة أو إبقائها، ولا قدرة على تمرير أي قانون وخصوصاً إذا تعلّق الأمر بهيئة دستورية. كله في وقتٍ يصرّ فيه كل طرف على موقفه، وسط خلاف يفرمل كل تحرك ممكن، ما ينذر بوضع معرقل لكل المؤسسات وتعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.

وجاءت استقالة التليلي مفاجئة يوم الخميس، بعد فترة من إصراره في كل تصريحاته على أنه "سيدافع عن نفسه في البرلمان أمام دعوة إعفائه التي تقدم بها زملاؤه في الهيئة نفسها، وأن الهدف منها هو رغبة بعضهم في تقلد منصبه بدلاً منه، وليس بسبب أخطاء ارتكبها كما يدّعون". كما تقدم بتقرير للبرلمان ردّ فيه على كل الاتهامات التي وُجّهت إليه. فما الذي حصل حتى تغير موقفه بشكل غريب، وأكد أنه استقال لعدم تعطيل الهيئة؟
مراقبون أكدوا أن تغير موقف التليلي قد يكون بسبب ضغوطات مورست عليه، في حين ذهب آخرون إلى أن إقناعه بالاستقالة قد يكون حدث أثناء لقائه الرئيس الباجي قائد السبسي، يوم الأربعاء الماضي، قبل الاستقالة بيوم واحد. ما دفع نواباً في البرلمان إلى المطالبة بإجراء جلسة عامة للتوضيح وفهم الأسباب.

في كل الحالات، إن الاستقالة ستشكل عقدة إضافية أمام البرلمان لحل عقدة الهيئة، وسيكون اختيار رئيس جديد مهمة صعبة للغاية أمام هذه الخلافات السياسية وعدم توفر غالبية لذلك. ويتذكر الجميع أن انتخاب التليلي بعد استقالة الرئيس السابق شفيق صرصار، تم بشق النفس رغم أن الخلاف بين "حركة النهضة" و"نداء تونس" لم يكن على أشده كما هو الحال اليوم.

وإذا ما أخفق البرلمان في انتخاب رئيس جديد في آجال معقولة، فإن تأجيل انتخابات 2019 سيكون نتيجة طبيعية ومنطقية لذلك، وهو إمكانية طُرحت أكثر من مرة في الكواليس التونسية حتى قبل استقالة التليلي، خصوصاً بعد الانتخابات البلدية ونتائجها التي آلت لحركة النهضة، وفي ظل انقسام بقية مكونات المشهد المعارض لها.

وما أكد صعوبة حل معضلة هيئة الانتخابات، هو حجم الخلافات بين أعضائها، فقد كشف نواب عن تقرير التليلي في رده على زملائه المطالبين بإعفائه، فوجّه لهم بدوره جملة من الاتهامات الخطيرة المنذرة بتأجيج الخلافات بينهم في الأيام المقبلة وبالتالي عدم توفر مناخ ملائم لاستمرار العمل.



وورد في وثيقة رد التليلي، التي نشرها النائب طارق الفتيتي، أنّ "زملاءه في الهيئة قرّروا إفراغ الإدارة من كوادرها في شهر إبريل/نيسان 2017، واعتمدوا بصفة كليّة خلال فترة ترؤس أنور بن حسين للهيئة (مؤقتاً قبل انتخاب التليلي) على المنظمات الأجنبية في إدارة المسار الانتخابي، فيما يشبه المناولة في الجوانب القانونية والتكوين وتركيز منظومة مندمجة للتصرف والتغييب شبه الكلي للإدارة، رغم تحكمها وإتقانها لها إلى حد الاستغناء عن المنظمات المذكورة، وأنه كان من الأجدر طرح مسألة استقلالية الهيئة في علاقتها بالمنظمات الأجنبية بدلاً من إثارة مسألة التنسيق مع هياكل الدولة".

وكشف التليلي أيضاً أن "هناك عدم احترام للقانون بشأن بعض التصرفات المالية"، في تلميحات لا تخلو من تهم بسوء التصرف. ما يمكن أن يتحول إلى فتح تحقيقات يمكن أن تتواصل لأشهر طويلة، ما يعني أيضاً تعطل أعمال الهيئة وتعزز مخاوف تأجيل الانتخابات المقبلة.

أمام هذا الوضع المعقد، وتلاشي القرار بين الأطياف السياسية والمؤسسات المنتخبة، الرئاسة والحكومة والبرلمان، دعا الحزب الجمهوري وحركة تونس إلى الأمام، الاتحاد العام التونسي للشغل إلى تنظيم حوار وطني عاجل بين الأطراف السياسية والمدنية لـ''إنقاذ البلاد من الأزمة الخانقة وتهيئة المناخ الملائم لإنجاز الإصلاحات التنموية الكبرى التي تنتظرها البلاد".

وجاء في بيان صادر عن اجتماع الحزبين أنهما "يقران بفشل حكومة يوسف الشاهد، مما يدعو بإلحاح إلى عرض هذه الحكومة على تجديد الثقة أو نزعها من قبل مجلس نواب الشعب". غير أن هذا الأمر يبدو صعباً جداً وغير قابل للتنفيذ واقعياً، لأن الاتحاد لم يعد طرفاً محايداً بين الجميع، وقادراً على التجميع بنفس ظروف 2013، إذ يعلن صراحة عن موقفه بشأن حل الأزمة المتمثل في تغيير الحكومة، وهو ما تعارضه أحزاب. وذهب الاتحاد أخيراً إلى أكثر من ذلك، ملوحاً بانطلاق موجة الإضرابات أمام إصرار الشاهد، فأكد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري أن "تاريخ 10 يوليو/تموز سيكون أول يوم من التحركات الاحتجاجية".



وأضاف الطاهري في تصريح لإذاعة "شمس أف أم" أن "البداية ستكون بأعوان الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه التي تشكو مشاكل كبيرة"، مشدّداً على "ضرورة تغيير حكومة يوسف الشاهد بأكملها، ورحيل هذه الحكومة ساري التحميل".

وفي سياق متصل، أكد قيادي الجبهة الشعبية، رئيس لجنة المالية والموازنة بالبرلمان، منجي الرحوي، أن "الائتلاف الحاكم يعبث بالبلاد وبمستقبل الشعب ورئيس الحكومة أدخل السلطة التشريعية ومؤسسات الدولة في خلافاته الشخصية والحزبية". وبيّن الرحوي في حديث لـ"العربي الجديد" أن "مجموعة من النواب من مختلف الكتل البرلمانية شرعت في توقيع عريضة لدعوة الشاهد لطرح ثقة حكومته من جديد أمام البرلمان، وفي حال رفضه ستتم دعوة رئيس الجمهورية إلى تحمل مسؤولياته بتفعيل البند 99 من الدستور القاضي بطلب تصويت البرلمان على تجديد الثقة في الحكومة من عدمه".
وفي وقت بدأ البرلمانيون في الحشد لإسقاط حكومة الشاهد، امتنع نواب حزب "النهضة" عن المشاركة في العريضة ومساندتها، معبّرين عن تمسكهم بالقرار الرسمي الصادر عن هياكل الحزب، وما أقره المكتب التنفيذي ومجلس الشورى.

ولا تحمل هذه العريضة البرلمانية أي ثقل دستوري أو قانوني، إنما هي مجرد ورقة ضغط سياسي على السبسي والشاهد، لأنه كان بإمكان النواب، إذا كانت لديهم القدرة الفعلية والغالبية اللازمة (109 أصوات) التوقيع على عريضة لسحب الثقة من حكومة الشاهد لانتهى السجال نهائياً، ولكن انتخابات بلدية العاصمة وفوز مرشحة "النهضة" سعاد عبد الرحيم، أظهرت عمق الخلافات بين مختلف الأحزاب المعارضة لحركة "النهضة" وعدم توافقها على أي شيء.

وأمام هذا التشظي السياسي للمطالبين برحيل الشاهد، ومعارضي "النهضة" بالذات، انطلقت بعض التحركات بين مكونات "نداء تونس" الأصلية التي تفتتت إلى أحزاب صغيرة، لمحاولة رأب الصدع. والتقى السبسي مديرَي ديوانه السابقيْن، محسن مرزوق ورضا بلحاج، اللذين كوّنا حزبين بعد ذلك بسبب خلافاتهما مع حافظ قائد السبسي وخروجهما من النداء. وقال بلحاج في تصريحات صحافية إن "الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية تقتضي تدخل رئيس الدولة باعتباره ضامناً للدستور، وتقتضي إعادة رسم خارطة سياسية جديدة تجمع مختلف القوى الديمقراطية، ويكون النداء نواتها الأولى لمواجهة نزعة هيمنة النهضة على الشأن العام". وسبق أن أكد الأمين العام لحركة مشروع تونس، محسن مرزوق، أنه "يتم حالياً العمل على تكوين جبهة سياسية تضم جميع الأطراف السياسية بما فيها نداء تونس بمختلف مكوناته".