يخشى سياسيون وحقوقيون تونسيون من تفرد رئاسة الجمهورية بالسلطة في البلاد، إذ لا تنظر المعارضة بارتياح إلى محاولة توسيع صلاحيات الرئيس، فيما يرى آخرون أن هذه الهواجس لا أساس لها، خصوصاً أن الدستور التونسي واضح لجهة تقسيم السلطة بين الرئاسة والحكومة والبرلمان.
وفي هذا السياق، يعتبر الأمين العام لحزب "التحالف الديمقراطي"، محمد الحامدي، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ هذه المخاوف مشروعة، خاصة أنّ النظام السياسي الديمقراطي في تونس لايزال هشاً، بسبب انعدام التوازن بين رباعي حاكم يريد الانقضاض على السلطة، ومعارضة ضعيفة ومشتتة نوعاً ما، فضلاً عن رغبات الرئيس في توسيع صلاحياته وتغطية الفشل الذريع الذي عرفته الطبقة الحاكمة في عهده".
ويعرب الحامدي عن استغرابه من "تعويل بعض التونسيين على إرساء الديمقراطية من قبل شخصيات من النظام السابق، سواء أكان رئيس الجمهورية أم المحيطين به"، مشيراً إلى أنهم "يحلمون بالرجوع الى الوراء".
وكان الرئيس الباجي قائد السبسي قد أبدى، في وقت سابق، قلقه من طبيعة النظام البرلماني، وقال "لا أرى مانعاً من تعديل الدستور بهدف اعتماد شكل جديد لنظام الحكم في البلاد. لن أكون ضد أية مبادرة في هذا الاتجاه". واعتبر السبسي أنّ "النظام السياسي القائم غير مثالي. أغلبية الشعب التونسي مع النظام الرئاسي".
من جهته، يقول المحلل السياسي محمد بوعود لـ"العربي الجديد"، إن "رئاسة جمهورية لا تتمتع بصلاحيات واسعة، إلا فيما يتعلق بمهام الخارجية والدفاع"، مشيراً إلى أن "ذلك على ما يبدو لم يرض نهم السلطة عند الرئيس الباجي قائد السبسي والطاقم المحيط به"، بحسب تعبيره.
ويلفت إلى أن "السبسي عبّر عن ذلك صراحة، عندما أصر على التأكيد في كل المقابلات الصحفية هذا العام، أنه منزوع الصلاحيات، ما يؤكد أن الرجل حريص جداً على أن يكون رئيس جمهورية بالمعنى الذي حكم به بورقيبة وبن علي، وليس بنموذج منصف المرزوقي وفؤاد المبزع، اللذين كانا موظّفين في القصر".
وعن تصريح نجل الرئيس حافظ السبسي، الذي أشار فيه إلى أحقية الرئاسة بتعيين الوزراء السياديين، يعتبر بوعود أن هذا الكلام "مخالفة واضحة وصريحة للدستور، وخصوصا للفصلين 89 و98 اللذين ينصّان على أن كل رئيس الحكومة هو الذي يعين كل الوزراء، ويمكن إذا أراد، أن ينسّق مع رئيس الجمهورية، فقط مجرد تنسيق، بخصوص وزارتي الدفاع والشؤون الخارجية".
وبحسب المتحدث، فإن الرغبة في العودة إلى نظام حكم رئاسي "تجد نوعاً من التساهل في تمريرها من الطبقة السياسية المشغولة باقتسام غنائم المحاصصة، لكنها تثير قلقاً بالغاً لدى النخبة الثقافية والقانونية والحقوقية، التي ترى بأم عينيها انزلاق النظام السياسي من تقاسم للسلطات بين الرئاسات الثلاث، إلى هيمنة شبه تامة لرئاسة الجمهورية، خصوصاً في تشكيل الحكومة التي يعرف الجميع أن السبسي هو الذي يشرف على تشكيلها فرداً فرداً".
بدوره، يرى أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد، أن النظام السياسي المعتمد في تونس "نظام مزدوج، شبه رئاسي وشبه برلماني فهو يأخذ من الاثنين".
ويبين في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "السلطة التنفيذية في تونس مكونة من رأسين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. الأول منتخب مباشرة من الشعب ويمكّنه هذا الانتخاب من مشروعية شعبية، ولكن أغلب القرارات التنفيذية موكولة إلى الثاني المنتخب من الأغلبية داخل برلمان الشعب".
ووفقاً لسعيد، فإن "ممارسة السلطة خلال الفترة الأخيرة في تونس، أظهرت أن مركز القرار السياسي ليس في قصر الحكومة بل بقصر الجمهورية"، داعياً إلى "ضرورة الاحتياط حتى لا نرجع خطوات إلى الوراء".
في المقابل، يعتبر بعض السياسيين أن مخاوف الرجوع إلى تفرد الحكم من طرف واحد مبالغ فيها، خصوصاً أن "تونس شهدت ثورة ضد نظام من أهم سماته تركيز السلطة بيد شخص واحد، وهو رئيس الجمهورية"، وفق ما يؤكد النائب عن كتلة النهضة، الحبيب خضر، لـ"العربي الجديد".
ويقول "من إنجازات المجلس التأسيسي سابقاً، اعتماد نظام سياسي يعمل على توزيع السلطة. كلما كانت الممارسات منضبطة لمقتضيات الدستور، انعدمت مخاوف الانزلاق مجدداً نحو الاستبداد".
ويربط خضر بين عدم احترم مبادئ الدستور الأساسية ووجود انحرافات وتجاوزات، مبيناً في الوقت نفسه أن "التجاوزات، إن وجدت، فهي لا ترقى إلى درجة تهديد المناخ الديمقراطي في تونس".