02 نوفمبر 2024
تونس .. مؤشرات مؤرقة
صدر أخيراً (30 سبتمبر/أيلول 2015) تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، والمعروف بمنتدى دافوس حول القدرة التنافسية في 140 دولة في سنة (2015-2016)، ويعنى أساساً برصد واقع المؤسسات والسياسات الاقتصادية ومستوى الإنتاجية والبيئة الخاصة بحركة المال والأعمال في الأقطار مدار النظر. وينتهي الخبراء المشرفون على التقرير، بعد جمع البيانات المتعلقة بكل دولة، إلى بلورة ترتيب تفاضلي لاقتصادات العالم، يأخذ في الاعتبار اثني عشر معياراً تعدّ الركائز الأساسية في تقويم الأداء الاقتصادي لكل دولة، وأهم الركائز: المؤسسات، والبنية التحتية، وبيئة الاقتصاد الكلي، وواقع الصحة والتعليم الأساسي، ومسار التكوين والتعليم العالي، ومردودية الأسواق، وفاعلية سوق العمل، وتطوير سوق المال، والجاهزية التقنية، وحجم السوق، وتطور الأعمال، والابتكار.
وحلت تونس في المرتبة 92 في تصنيف التنافسية المذكور، متراجعة بخمس مراتب مقارنة بتصنيف العام الماضي 2014 (المرتبة 87). وبـ 52 مرتبة مقارنة بتصنيف عام 2011 عندما حلت في المرتبة 40. وتحتل تونس، بموجب التقرير الجديد، المرتبة العاشرة عربياً، والثامنة إفريقياً.
وكشف التقرير أن تونس لم تحتل مراتب متقدمة عالمياً، إلا في مجالين، انخفاض نسبة المصابين بالسيدا (الأولى) وارتفاع نسبة التمدرس (العاشرة). أما ما تبقى من مجالات حيوية عليها قوام التنافسية الاقتصادية فترتيب البلاد فيها مثير للقلق، ومخبر بتعثر الانتقال الاقتصادي في البلاد. فقد حلت تونس في المرتبة 79 في مستوى الجاهزية المؤسساتية، وفي المرتبة 80 في مستوى البنية التحتية، وفي المرتبة 97 في مستوى توفير المحيط الملائم للاقتصاد الكلي. وفي المرتبة 76 من ناحية جودة التكوين ونجاعة التعليم العالي. وفي المرتبة 117 في مستوى مردودية الأسواق، وفي المرتبة 133 في مستوى حيوية سوق الشغل وقدرة البنوك على مواجهة الأزمات الطارئة.
ويمكن موضوعياً تفسير التراجع المضطرد لتونس في المجال الاقتصادي بعدة عوامل، لعل أهمها عدم قدرة الحكومات المتعافية بعد الثورة على الإمساك بزمام المبادرة في مستوى إدارة البلاد أمنياً واجتماعياً وتنموياً، حتى بدت الحسابات السياسية والخلافات الأيديولوجية والمحاصصة الحزبية غالبة على المشهد العام في البلاد على مدى سنوات. وفي المقابل، غابت الرؤى الإستراتيجية والمقاربات البرامجية الواقعية لحل مشكلات الناس.
من الناحية الأمنية، ظل خطر الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة يهدد السلم الاجتماعي
والتجربة الديمقراطية الوليدة، وعجزت الأجهزة الاستخباراتية عن استشعار الخطر الإرهابي، والحؤول دون حدوثه (هجوما باردو وسوسة مثلان)، ما أثر سلباً على الاقتصاد التونسي عموماً، وعلى القطاع السياحي والخدماتي خصوصاً، ودفع المستثمرين ورجال الأعمال إلى مغادرة البلاد، ذلك أن رأس المال جبان، واستتباب الأمن ضرورة لا مندوحة عنها، لضمان الازدهار الاقتصادي المنشود.
ولم تنجح الحكومة الحالية، مثل سابقاتها، في الحد من نسبة البطالة (15.2%)، والتي تفوق معدل 30% بين خريجي الجامعات وبين شباب المناطق الداخلية، كما لم توفق في حماية الطبقة الوسطى، وفي تحسين المقدرة الشرائية للمواطن التونسي الذي أرهقته الضرائب، والزيادة المضطردة في أسعار المواد الأساسية، وهو ما أحدث حالة من عدم الثقة بين المواطن والدولة، وأدى إلى تأجيج الحراك الاحتجاجي والنقابي، وإلى تعطيل النشاط في مؤسسات اقتصادية حيوية (شركة فسفاط قفصة مثلاً).
ولم يتمكن صناع القرار في تونس بعد من تحويل وعودهم الانتخابية إلى مشاريع اقتصادية ناجعة، ولم يبدعوا منوالاً تنموياً جديداً يحد من التفاوت بين الجهات، ويضع حداً لنزيف المديونية وتدهور قيمة الدينار التونسي، ولم يتم بعد تطوير المنظومة القانونية لتتلاءم ومقتضيات الظرف الاقتصادي الدقيق الذي تعيشه البلاد، فمشروع الإصلاح الضريبي مازال معلقاً، وتجديد مجلة الاستثمار وتنقيح قوانين الاستيراد والتصدير، وتطوير التجارة الالكترونية وتعميم الإدارة الرقمية السريعة، مطالب لم تجد بعد طريقها إلى التنفيذ، ومن ثمّة، لا عجب أن ينعكس ذلك سلباً على الحضور الاقتصادي لتونس في المشهد العالمي.
بدا واضحاً من مؤشر دافوس للتنافسية الاقتصادية أن ربيع تونس الديمقراطي يختنق، بسبب الأداء الاقتصادي المتعثر للحكومات الانتقالية المتعاقبة بعد الثورة. وبدا جلياً أن صعود حزب نداء تونس إلى الحكم لم يغير المشهد الاقتصادي المتدهور، بل زاد الطين بلة، فلم يتحقق الرفاه المأمول، ولا الازدهار الموعود، ولم يتخذ المستثمرون تونس وجهة مفضلة لهم. وإحصائيات منتدى دافوس مؤرقة وواقعية، وتستند إلى معاينة موضوعية لواقع المسار الانتقالي الصعب في تونس. وأحرى بالخبراء وصناع القرار مراجعة السياسات التنموية التقليدية، وتجاوز البيروقراطية الإدارية، ومعالجة المطالب النقابية والاجتماعية التي ما فتئت تعطل حركة الاقتصاد، والتوجه نحو تعزيز الإنتاج والإنتاجية وتوفير الظروف المناسبة لتحقيق الإصلاح الاقتصادي. ومن المهم، في هذا الخصوص، تحويل الحوكمة الاقتصادية من شعار إلى واقع، والانتقال بمشروع مكافحة الفساد المالي والإداري من حيز المأسسة إلى حيز الفاعلية، والعمل على تشجيع روح المبادرة وثقافة الابتكار وتطوير المؤسسات البحثية والجامعية، لتضطلع بدورها في صناعة جيل جديد من المبدعين والأكفاء القادرين على كسب معركة التنافسية، وعلى الانخراط في دورة اقتصاد المعرفة في منعطف الألفية الثالثة. ومن المهم أيضاً توفير السلم الاجتماعي والاستقرار الأمني وتطوير الاقتصاد الخدماتي، وتحديث البنى التحتية وإحياء ثقافة العمل، لكسب رهان النهضة الاقتصادية المنشودة.
وحلت تونس في المرتبة 92 في تصنيف التنافسية المذكور، متراجعة بخمس مراتب مقارنة بتصنيف العام الماضي 2014 (المرتبة 87). وبـ 52 مرتبة مقارنة بتصنيف عام 2011 عندما حلت في المرتبة 40. وتحتل تونس، بموجب التقرير الجديد، المرتبة العاشرة عربياً، والثامنة إفريقياً.
وكشف التقرير أن تونس لم تحتل مراتب متقدمة عالمياً، إلا في مجالين، انخفاض نسبة المصابين بالسيدا (الأولى) وارتفاع نسبة التمدرس (العاشرة). أما ما تبقى من مجالات حيوية عليها قوام التنافسية الاقتصادية فترتيب البلاد فيها مثير للقلق، ومخبر بتعثر الانتقال الاقتصادي في البلاد. فقد حلت تونس في المرتبة 79 في مستوى الجاهزية المؤسساتية، وفي المرتبة 80 في مستوى البنية التحتية، وفي المرتبة 97 في مستوى توفير المحيط الملائم للاقتصاد الكلي. وفي المرتبة 76 من ناحية جودة التكوين ونجاعة التعليم العالي. وفي المرتبة 117 في مستوى مردودية الأسواق، وفي المرتبة 133 في مستوى حيوية سوق الشغل وقدرة البنوك على مواجهة الأزمات الطارئة.
ويمكن موضوعياً تفسير التراجع المضطرد لتونس في المجال الاقتصادي بعدة عوامل، لعل أهمها عدم قدرة الحكومات المتعافية بعد الثورة على الإمساك بزمام المبادرة في مستوى إدارة البلاد أمنياً واجتماعياً وتنموياً، حتى بدت الحسابات السياسية والخلافات الأيديولوجية والمحاصصة الحزبية غالبة على المشهد العام في البلاد على مدى سنوات. وفي المقابل، غابت الرؤى الإستراتيجية والمقاربات البرامجية الواقعية لحل مشكلات الناس.
من الناحية الأمنية، ظل خطر الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة يهدد السلم الاجتماعي
ولم تنجح الحكومة الحالية، مثل سابقاتها، في الحد من نسبة البطالة (15.2%)، والتي تفوق معدل 30% بين خريجي الجامعات وبين شباب المناطق الداخلية، كما لم توفق في حماية الطبقة الوسطى، وفي تحسين المقدرة الشرائية للمواطن التونسي الذي أرهقته الضرائب، والزيادة المضطردة في أسعار المواد الأساسية، وهو ما أحدث حالة من عدم الثقة بين المواطن والدولة، وأدى إلى تأجيج الحراك الاحتجاجي والنقابي، وإلى تعطيل النشاط في مؤسسات اقتصادية حيوية (شركة فسفاط قفصة مثلاً).
ولم يتمكن صناع القرار في تونس بعد من تحويل وعودهم الانتخابية إلى مشاريع اقتصادية ناجعة، ولم يبدعوا منوالاً تنموياً جديداً يحد من التفاوت بين الجهات، ويضع حداً لنزيف المديونية وتدهور قيمة الدينار التونسي، ولم يتم بعد تطوير المنظومة القانونية لتتلاءم ومقتضيات الظرف الاقتصادي الدقيق الذي تعيشه البلاد، فمشروع الإصلاح الضريبي مازال معلقاً، وتجديد مجلة الاستثمار وتنقيح قوانين الاستيراد والتصدير، وتطوير التجارة الالكترونية وتعميم الإدارة الرقمية السريعة، مطالب لم تجد بعد طريقها إلى التنفيذ، ومن ثمّة، لا عجب أن ينعكس ذلك سلباً على الحضور الاقتصادي لتونس في المشهد العالمي.
بدا واضحاً من مؤشر دافوس للتنافسية الاقتصادية أن ربيع تونس الديمقراطي يختنق، بسبب الأداء الاقتصادي المتعثر للحكومات الانتقالية المتعاقبة بعد الثورة. وبدا جلياً أن صعود حزب نداء تونس إلى الحكم لم يغير المشهد الاقتصادي المتدهور، بل زاد الطين بلة، فلم يتحقق الرفاه المأمول، ولا الازدهار الموعود، ولم يتخذ المستثمرون تونس وجهة مفضلة لهم. وإحصائيات منتدى دافوس مؤرقة وواقعية، وتستند إلى معاينة موضوعية لواقع المسار الانتقالي الصعب في تونس. وأحرى بالخبراء وصناع القرار مراجعة السياسات التنموية التقليدية، وتجاوز البيروقراطية الإدارية، ومعالجة المطالب النقابية والاجتماعية التي ما فتئت تعطل حركة الاقتصاد، والتوجه نحو تعزيز الإنتاج والإنتاجية وتوفير الظروف المناسبة لتحقيق الإصلاح الاقتصادي. ومن المهم، في هذا الخصوص، تحويل الحوكمة الاقتصادية من شعار إلى واقع، والانتقال بمشروع مكافحة الفساد المالي والإداري من حيز المأسسة إلى حيز الفاعلية، والعمل على تشجيع روح المبادرة وثقافة الابتكار وتطوير المؤسسات البحثية والجامعية، لتضطلع بدورها في صناعة جيل جديد من المبدعين والأكفاء القادرين على كسب معركة التنافسية، وعلى الانخراط في دورة اقتصاد المعرفة في منعطف الألفية الثالثة. ومن المهم أيضاً توفير السلم الاجتماعي والاستقرار الأمني وتطوير الاقتصاد الخدماتي، وتحديث البنى التحتية وإحياء ثقافة العمل، لكسب رهان النهضة الاقتصادية المنشودة.