03 نوفمبر 2024
تونس ستبني ديمقراطيتها الناشئة
لا تفصل التونسيين عن يوم الاقتراع سوى أيام قليلة. ويلاحظ أن الأحزاب والمرشحين المستقلين قد استنفدوا كل ما يقدرون عليه من تنظيم اجتماعات متفاوتة في حجمها، واتصالات وشعارات ووعود. ولم يبق سوى أن يقول المواطنون كلمتهم الأخيرة. أما الأجواء الأمنية، فكانت، منذ انطلاقة الحملة الانتخابية، جيدة ومخيفة. لأن اعتقال جزء من المشتبه بهم الذين كانوا بصدد الإعداد لتنفيذ عمليات خطيرة ضد مؤسسات أو أشخاص، حسبما ذكرت وزارة الداخلية، يؤكد، إن صحت التفاصيل، أن تقويض العملية الانتخابية، وإجهاض الانتقال السياسي، كان، ولا يزال، من بين أهداف هذه الجماعات التي لم تثنها الخسائر التي تكبدتها، عن الإصرار على مواصلة رفع السلاح في وجه الدولة.
ولضمان نجاح الانتخابات التشريعية، يبقى شرطان: أن يتوجه التونسيون بكثافة إلى مكاتب الاقتراع يوم الأحد. هذا طموح السياسيين، لكنه سيبقى، إلى آخر لحظة، مسألة غير مضمونة. إذ يخشى أن يبقى ذلك الاندفاع الذي عرفته البلاد يوم 23 أكتوبر/ تشرين أول 2011 حدثاً استثنائياً غير قابل للتكرار. لم يستوعب جزء كبير من الرأي العام أن الانتقال إلى الديمقراطية ليس أمراً هيّناً، ولا من صنف الأكلة السريعة التي يتم إنجازها في فترات وجيزة. كما أن التونسيين لم يفيقوا بعد من الصدمات المتتالية وهم يتابعون بدهشة أداء نخبهم السياسية "الجديدة" التي ملأت الشاشات طوال السنوات الأربع الماضية، والتي انقسمت بين من حكم فتعثر ومن عارض فبالغ وأخطأ. وبالتالي، لم يستوعب الرأي العام، حتى الآن، أن هذه النخب لم تتوافر لها الفرص، خلال الخمسين سنة الماضية، لتنضج وتكتسب الخبرات الكافية التي تسمح لها بإدارة شؤون الدولة.
ثانياً القبول بنتائج الانتخابات مهما كانت صادمة لبعضهم، ومهما كان المنتصرون، أو المنهزمون. هذه لحظة حاسمة تعكس مدى مسؤولية الأحزاب، وشعور قادتها وأنصارها بالواجب، ومدى التزامهم جميعاً بحماية مصلحة البلاد. فالتشكيك في النتائج من دون أدلة قاطعة، هو مجازفة خطيرة يمكن أن تفتح أبواب جهنم على التونسيين الذين يلهثون للبحث عن لحظة الاستقرار، وقد تدخل البلاد في المجهول.
الانتخابات لعبة، ولكل لعبة قواعد، وفي مقدمة هذه القواعد القبول بالنتيجة، لصالحك أو لمنافسك. وهو ما حصل في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي السابقة، حيث اعترف الجميع بالنتائج، ولم تسجل ردود فعل سلبية، من شأنها أن ترتق إلى مستوى الطعن في شرعيتها، وهو ما ساعد كثيراً على استمرار العملية السياسية، وسوّق صورة إيجابية وحضارية لتونس في العالم.
اليوم، يستبعد أن يقع خلاف ذلك، لكن، هناك مخاوف برزت، أخيراً، عندما لوح زعماء الجبهة الشعبية باحتمال التشكيك في النتائج، إذا لم تعكس حجم الجبهة، كما عبرت عنه استطلاعات الرأي، وهو موقف لم يحظ بتأييد أغلب القوى السياسية، بما في ذلك أطراف من اليسار التونسي. كما يخشى، أيضاً، أن يتخذ التزوير الذي اكتشف في تزكيات مرشحين للانتخابات الرئاسية، علةً للطعن في نتائج الانتخابات البرلمانية. وهذا يعتبر لعباً بالنار. لكن، يجب ألا نضخم من هذا الاحتمال، فالحسابات الحزبية تبقى مفهومة في سياقها، والمهم ألا تقود أصحابها إلى ارتكاب المحرمات، ومن بين هذه المحرمات الطعن في شرعية النتائج، والمجازفة بنسف المسار برمته.
على الرغم من كل شيء، تونس تتقدم في بناء ديمقراطيتها الناشئة. نعم، قد تتعثر. نعم، السنوات الثلاث المقبلة ستكون صعبة على الصعيدين، الاقتصادي والاجتماعي. نعم، قد تتجه البلاد نحو حكومات هشة وغير مستقرة. نعم النخب السياسية التونسية لا تزال في حاجة إلى مزيد من التدريب. نعم الإرهاب لا يزال فعالاً، ويخطط لإسقاط الدولة، وتحويل الجمهورية إلى إمارة تابعة. لكن، مع ذلك كله، ستتمكن تونس من بناء ديمقراطيتها.
ولضمان نجاح الانتخابات التشريعية، يبقى شرطان: أن يتوجه التونسيون بكثافة إلى مكاتب الاقتراع يوم الأحد. هذا طموح السياسيين، لكنه سيبقى، إلى آخر لحظة، مسألة غير مضمونة. إذ يخشى أن يبقى ذلك الاندفاع الذي عرفته البلاد يوم 23 أكتوبر/ تشرين أول 2011 حدثاً استثنائياً غير قابل للتكرار. لم يستوعب جزء كبير من الرأي العام أن الانتقال إلى الديمقراطية ليس أمراً هيّناً، ولا من صنف الأكلة السريعة التي يتم إنجازها في فترات وجيزة. كما أن التونسيين لم يفيقوا بعد من الصدمات المتتالية وهم يتابعون بدهشة أداء نخبهم السياسية "الجديدة" التي ملأت الشاشات طوال السنوات الأربع الماضية، والتي انقسمت بين من حكم فتعثر ومن عارض فبالغ وأخطأ. وبالتالي، لم يستوعب الرأي العام، حتى الآن، أن هذه النخب لم تتوافر لها الفرص، خلال الخمسين سنة الماضية، لتنضج وتكتسب الخبرات الكافية التي تسمح لها بإدارة شؤون الدولة.
ثانياً القبول بنتائج الانتخابات مهما كانت صادمة لبعضهم، ومهما كان المنتصرون، أو المنهزمون. هذه لحظة حاسمة تعكس مدى مسؤولية الأحزاب، وشعور قادتها وأنصارها بالواجب، ومدى التزامهم جميعاً بحماية مصلحة البلاد. فالتشكيك في النتائج من دون أدلة قاطعة، هو مجازفة خطيرة يمكن أن تفتح أبواب جهنم على التونسيين الذين يلهثون للبحث عن لحظة الاستقرار، وقد تدخل البلاد في المجهول.
الانتخابات لعبة، ولكل لعبة قواعد، وفي مقدمة هذه القواعد القبول بالنتيجة، لصالحك أو لمنافسك. وهو ما حصل في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي السابقة، حيث اعترف الجميع بالنتائج، ولم تسجل ردود فعل سلبية، من شأنها أن ترتق إلى مستوى الطعن في شرعيتها، وهو ما ساعد كثيراً على استمرار العملية السياسية، وسوّق صورة إيجابية وحضارية لتونس في العالم.
اليوم، يستبعد أن يقع خلاف ذلك، لكن، هناك مخاوف برزت، أخيراً، عندما لوح زعماء الجبهة الشعبية باحتمال التشكيك في النتائج، إذا لم تعكس حجم الجبهة، كما عبرت عنه استطلاعات الرأي، وهو موقف لم يحظ بتأييد أغلب القوى السياسية، بما في ذلك أطراف من اليسار التونسي. كما يخشى، أيضاً، أن يتخذ التزوير الذي اكتشف في تزكيات مرشحين للانتخابات الرئاسية، علةً للطعن في نتائج الانتخابات البرلمانية. وهذا يعتبر لعباً بالنار. لكن، يجب ألا نضخم من هذا الاحتمال، فالحسابات الحزبية تبقى مفهومة في سياقها، والمهم ألا تقود أصحابها إلى ارتكاب المحرمات، ومن بين هذه المحرمات الطعن في شرعية النتائج، والمجازفة بنسف المسار برمته.
على الرغم من كل شيء، تونس تتقدم في بناء ديمقراطيتها الناشئة. نعم، قد تتعثر. نعم، السنوات الثلاث المقبلة ستكون صعبة على الصعيدين، الاقتصادي والاجتماعي. نعم، قد تتجه البلاد نحو حكومات هشة وغير مستقرة. نعم النخب السياسية التونسية لا تزال في حاجة إلى مزيد من التدريب. نعم الإرهاب لا يزال فعالاً، ويخطط لإسقاط الدولة، وتحويل الجمهورية إلى إمارة تابعة. لكن، مع ذلك كله، ستتمكن تونس من بناء ديمقراطيتها.