بعد أربع سنوات من الثورة بات المشهد الإعلامي في تونس يعرف تعددية وحرية غير مسبوقة. تأسست صحف وإذاعات ومحطات تلفزية عدة، إلا أن الانتقادات والاتهامات الموجهة للإعلام التونسي بسبب عدم مهنيته لا تزال متواصلة، بل إن بعض التونسيين يرون أن الإعلام كان إحدى أبرز أدوات "الثورة المضادة" في بلدهم.
"لا يمكن تقديم تقييم دقيق للإعلام التونسي في السنوات الأربع الماضية من دون العودة الي فترة ما قبل 14 يناير/كانون الثاني 2011"، يؤكد حسان العيادي لـ"جيل العربي الجديد"، وهو صحافي شاب عمل كمحرر مع صحيفة "المغرب" ويشغل حاليّاً منصب رئيس تحرير موقع "آخر خبر أونلاين".
قبل ذلك التاريخ، كان الولاء للسلطة وتلميع صورة النظام أبرز ما "يُميّز" الصحافة التونسية. وحتى أولئك الذين كانوا يدافعون عن حرية الصحافة ولم يخضعوا للتدجين "وجدناهم بعد سقوط نظام بن علي في حالة ارتباك" حسب العيادي.
يتفق خليل الكلاعي، وهو مقدم برامج حوارية شاب في قناة "المتوسط" التلفزيونية التي تأسست عقب الثورة، مع زميله حسان. يرى الكلاعي أن "الجسم الإعلامي لم يتهيأ للتعامل مع المناخ الجديد للحريات بشكل مهني ومسؤول ولم يتعاف من الأمراض التي لازمته طيلة العقود الماضية".
بعد الثورة، لكلّ إعلامه. يُجمع المراقبون على أن الإعلام التونسي كان جزءاً من التجاذبات السياسية وحالة الاستقطاب السياسي الحاد التي شهدتها تونس خلال المرحلة الانتقالية. لكن تُهيمن القنوات التلفزيونية والإذاعات التي يمتلكها مقربون من النظام القديم ورجالاته على أعلى نسب الاستماع والمشاهدة.
ويقول الكلاعي لـ"جيل العربي الجديد" إن "أكبر الأسماء الصحافية وأعرق الصحف والتلفزيونات انخرطت بشكل مفضوح في الدعاية السوداء لأطراف سياسية بعينها وفي ترويج الإشاعات والأكاذيب". تسبب ذلك، حسب رأيه، في تسميم الأجواء السياسية وخلق حالة من "الوعي المزيف" طيلة ثلاث سنوات أو أكثر.
ويفسّر حسان العيادي ذلك بـ"سيطرة الذهنية القديمة الموروثة من سنوات القمع والتدجين" مما دفع البعض إلى "لعب دور المقاوم للترويكا الحاكمة سابقاً وأساساً حركة النهضة". لكن العيادي يعتبر أن حركة النهضة الإسلامية ارتكبت خطأ بدورها في تعاملها مع الملف الإعلاميّ إذ عادته في البداية ووضعت الجميع في سلة "إعلام بن علي" في حين تعاملت في الآن ذاته مع رموز إعلامية للمنظومة السابقة وسعت إلى توظيف الإعلام. ورغم ذلك، يرى العيادي أن سياسة حركة النهضة مع الملف الإعلامي "لا تبرر الأخطاء التي وقعت فيها بعض المؤسسات الإعلامية، دون تعميم، من الاصطفاف خلف مشاريع سياسية".
في المقابل فإن وسائل الإعلام التي تم إطلاقها عقب رحيل بن علي لا تحظى باهتمام بالغ من الشارع التونسي. يفسّر خليل الكلاعي في حديثه لـ"جيل العربي الجديد" ذلك بـ"ضعف الإمكانيات المادية والفنية". ويقول: "رغم جدية المادة الصحافية التي نقدمها وعدم قابلية الجيل الجديد من الإعلاميين الذين يؤسسون البرامج على الاحتواء داخل ماكينة المنظومة القديمة بقيت هذه القنوات أو الإذاعات قاصرة على إحداث اختراق في نسب المشاهدة وبقي تأثيرها في الرأي العام محدوداً".
وتوجه اتهامات لبعض هذه القنوات "الجديدة" بأنها موالية للإسلاميين وحلفائهم، لكن مسؤوليها ينفون ذلك على الدوام.
بعد وصول حزب نداء تونس وزعيمه الباجي قائد السبسي، الذي يحسبه البعض على النظام السابق باعتباره كان مسؤولاً بارزاً في كل من نظامي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، إلى دفة الحكم، تصاعدت تحذيرات مختلفة من عودة سياسة لجم الأفواه. لكن، ينفي قياديو حزب نداء تونس ذلك ويؤكدون أن حرية الصحافة في تونس باتت مكسباً لا رجعة فيه.
وحذرت نقابة الصحافيين التونسيين في بلاغ لها "الحكام الجدد وخصوصاً أولئك الذين تربوا على ثقافة الاستبداد"، مؤكدة أن "التونسيين وفي مقدمتهم الصحافيين مستعدون لخوض كل المعارك من أجل عدم الرجوع إلى مربع قمع الصحافة".
يعلق حسان العيادي على ذلك بالقول، إن الإعلام التونسي "في اختبار فعلي تجاه تعاطيه مع الحكام الجدد بذات المسافة التي اتخذها مع السابقين بالرغم من بروز بعض المؤشرات التي لا تسرّ من قبيل عودة اشتغال آلة الدعاية بشيء من الاحتشام".
*تونس