21 أكتوبر 2024
تونس .. ديمقراطية تحت الطوارئ
بعد نحو أربع سنوات من سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي في تونس، الحلقة الثانية في جمهورية دولة الاستقلال التي انبعثت على أيدي سلفه الرئيس الحبيب بورقيبة سنة 1957، بإنهاء العمل بنصوصها المؤسسة والأساسية، مثل دستور جوان (يونيو/حزيران) 1959 وقانوني الأحزاب والجمعيات، وحل مؤسساتها الرئيسية من مجلسي نواب ومستشارين وهياكل تعديلية ودستورية، والتخلص من حزبها التاريخي "العتيد" الحزب الدستوري في مارس/آذار 2011، ليحلّ محلّه دستور جانفي (يناير) 2014، وما انبثق عنه من مؤسسات جديدة وتقاليد سياسية تداولية، يبدو أن النموذج الديمقراطي التونسي الغض الطري الذي لطالما شكّل حلما لدى النخب الوطنية الفكرية والسياسية والنقابية والحقوقية والمدنية، في أزمنة غابرة تعود إلى أيام المصلح خير الدين وجماعة الشباب التونسي ورائد الفكر الإصلاحي الوطني ومؤسس الحزب الدستوري القديم عبد العزيز الثعالبي والزعماء النقابيين محمد علي الحامي وفرحات حشاد وأحمد التليلي، وكذلك في الزمن الراهن، زمن النضال المرّ المدفوع الضريبة، سجوناً ومعتقلات ومنافي ومحاكمات متزامنة مع الحقبة البورقيبية - البنعلية، وشكل مثالا يُعتمد من المثقفين العرب وحركاتهم الإصلاحية والثورية، الذين لم يتركوا مناسبة لم يشيدوا فيها بهذا المثال الجديد ويتباهوا به، يبدو أن هذا النموذج بات على شفا جرف هاو، قد ينهار في أي لحظة، ويسقط من جديد في نار الاستبداد والاضطهاد التي تلظى بها التونسيون والعرب، واحترقوا عقوداً طويلة بلهيبها.
هذا المثال الذي ناضلت النخب الوطنية من أجل الوصول إلى لحظته التاريخية التي تجلّت مساء 14 جانفي (يناير) 2011، اليوم المشهود الخاتم أياماً طويلة، سالت فيها دماء طاهرة وزكية، المنتهي بهروب بن علي، الرجل القوي، أو تهريبه تاركا شعبا يحتفل بالحرّية في الشوارع، وفي الساحات العامة والمنتديات، بات، بعد فترة وجيزة، مثالاً متفرّداً ومغرّداً خارج سربه الذي كان ينتمي إليه في الخضوع للاستبداد والانفراد بالحكم.
تدل مؤشّرات كثيرة دلالة لا لبس فيها على أن روّاد الاستبداد وأنصاره تجاوزوا مرحلة النوستالجيا إلى الهمز واللمز فالتهكم والاستهزاء بما أفرزته الطبقة السياسية الجديدة، المابعد-بنعلية، من نصوص قانونية وتوافقات سياسية ومؤسسات دستورية وتعددية حزبية وحرية إعلامية وحقوق نقابية وإنسانية. وقد بلغت الجرأة بأحد أركان التنظير للحكم النوفمبري، ممن زيّنوا لبن علي استبداده وغطرسته بالوسائل الأكاديمية والحيل الدستورية والقانونية، ونال في مقابل ذلك مناصب وزارية ومنافع عينية ومزايا رمزية طوال عقدين، بأن فتح فمه واصفا دستور 2014 بأنه "لا صنيعة ولا خليقة".
وما كان لهذا الرجل، ومن يشترك معه في الانتماء إلى المنظومة الكليانية ومكينتها الأيديولوجية الخطيرة الصاهرة للعقول النخبوية النقية، أن يدلي بموقف مستفز كهذا ممجداً الحكم الاستبدادي الذي استمرّ ربع قرن، مستندا إلى شرعية عائلية مزيّفة، تحميها الأجهزة البوليسية، وتروّج لها الأبواق الدعائية المأجورة، لولا عودة رجال النظام القديم إلى مراكز القرار الإداري والسياسي، واستحواذهم على السلطات الثلاث التي أقرّها الدستور الجديد.
عودة أمنتها، هذه المرّة، صناديق الاقتراع، فحملت معها الشرعية الديمقراطية القوية التي لا تقبل الشكّ والمزايدة، فالشعب فصل القول، واختار في انتخابات 2014، بشقيها التشريعي والرئاسي، من يريد اختياره من بين الجمهرة الكبيرة للأحزاب والائتلافات المتنافسة. لكن الذين اختارهم الشعب، وشكلوا الحكومة السابعة بعد انهيار نظام بن علي التي حملت صفة الدوام، وتخلصت من النعت المؤقت الذي وصم نظيراتها من الحكومات السابقة، استفاقوا بعد خمسة أشهر على ميلاد حكومتهم، والشروع في بناء المجد السياسي الذي بشّروا به على يوتوبيا ما وعدوا به الناس.
فكل المؤشرات سالبة تلخصها نسب النمو التي انحدرت إلى ما بين الصفر والواحد بالمائة، وهي وضعية لم تعرفها تونس، إلا في سنة 2011، لحظة انهيار النظام، وما رافقه من حركة اجتماعية احتجاجية جارفة. لكن، الأخطر من ذلك كله هو التكالب الإرهابي على الديمقراطية الناشئة، وضرب الدولة في مقتل في أكثر من مناسبة، حتى أن التنظيمات الجهادية التكفيرية استطاعت تنفيذ إحدى أهم عملياتها التي أودت بحياة 22 من الأبرياء في 18 مارس/آذار المنقضي في مجمع مركز السلطة التشريعية وقلبها النابض ومرجع السلطات جميعاً الذي يحتوي متحف باردو مسرح العملية.
وكانت حادثة سوسة الإرهابية التي سقط فيها 38 سائحاً عنوان عجز حكام تونس الجدد على الوفاء بعهودهم ومواثيقهم في حماية الدولة، واسترجاع هيبتها التي بها تعيش وتحيا، والتي كانت عنوان الحملة الانتخابية للرئيس الحالي، بمجابهة الآفة القاتلة للدول والمجتمعات، وتفكيك تنظيماتها الأخطبوطية، وكشف الرهانات والمصالح الدولية الكبرى التي تنتجها وتستخدمها في تنفيذ استراتيجياتها، ناهيك أن اختيار القتلة ضحاياهم من الجنسية البريطانية وفي منطقة القنطاوي، القلعة السياحية المحصنة لم يكن محض مصادفة.
وبدلا من التعبئة الوطنية المفترشة للمصارحة الشعبية التي تتطلب الاستجابة لشروط الحكم الرشيد، القائمة على تفكيك عصابات الفساد والإفساد ونهب المال العام والجعال والمحسوبية الساكنة في مفاصل الدولة، وفي سلالمها الإدارية، والقضاء على بؤر الفقر والهامشية الاجتماعية المنتشرة في ضواحي المدن الكبرى، وخط البؤس التنموي، الممتد من أقصى الشمال الغربي التونسي إلى عمق الجنوب بصحاريه التي تمسح التخوم الجزائرية والليبية، التي تعشش فيها التنظيمات التكفيرية التي تتخذها الدوائر الاستخباراتية، الإقليمية والدولية، أدوات سهلة الاختراق، لتنفيذ مخططاتها وبرامجها، بدلاً من ذلك كله، اختار القائمون على الدولة، لاسيما هرمها المجسّد في رئيس الجمهورية، إعلان حالة الطوارئ شهراً، في خطابه الموجه إلى الرأي العام الوطني يوم 4 يوليو/تموز الجاري.
ولا بد من الإشارة، في هذا المضمار، إلى أن قرار إعلان الطوارئ، بعد مرور أسبوع على واقعة سوسة الإرهابية، حمل معه ريبة وتوجساً وخيفة من شرائح واسعة من الأحزاب السياسية والحركة النقابية والحقوقية المدنية. وإن أعلنت أحزاب الائتلاف الرباعي الحكومي تأييدها إعلان حالة الطوارئ، أو عدم معارضتها له في أقل الأحيان، فإن جل ّ قوى المعارضة والمجتمع المدني نشطت ذاكرتها بسرعة، مسترجعة الظروف التاريخية التي سنّ فيها الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 يناير/كانون الثاني 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ. والمتأمل في يوم إصدار ذلك الأمر، يقف ضرورةً على أنه كان متزامنا مع يوم الخميس الأسود في 26 يناير 1978 الذي قضى فيه مئات من الشهداء النقابيين الذين سقطوا برصاص قوات البوليس والجيش التي استمدت مشروعية فعلها من قرار سياسي، صادر عن أعلى هرم السلطة التنفيذية آنذاك، مجسدة في الرئيس بورقيبة.
الأمر الذي أحياه الرئيس الباجي السبسي، اليوم، ويفتقر إلى صفة الدستورية لعدم انسجامه مع الدستور التونسي الجديد، وفق خبراء في القانون الدستوري، يحيل على فترة حالكة من تاريخ تونس السياسي المعاصر، فقد شكل الأرضية القانونية التي أدت إلى حصد أرواح تونسيين أبرياء كثيرين، شاركوا في انتفاضة الخبز سنة 1984. فهو نص لا يفرق بين المخاطر الخارجية التي تهدد الدولة والاحتجاجات الشعبية المطالبة بإقامة العدل الاجتماعي وتوفير فرص الحياة الكريمة. والتشابه يبرز كذلك في إطناب رئيس الدولة في خطابه الممهد لإعلان حالة الطوارئ على خلفية الإضرابات والاعتصام والاحتجاجات الاجتماعية المعطلة لحركة الإنتاج، وهذا زيادة على إشارته إلى المخاطر المتأتية من التنظيمات الإرهابية.
ويحق للنخب السياسية الوطنية، بعد استعراض هذا الجزء اليسير من إرث الاستبداد والقمع ومنع الحريات وحق التنظيم المستند إلى الأمر المنظم إعلان حالة الطوارئ الذي اعتمده رئيس الدولة، في تبرير قراره، يحق لهم جميعاً أن يخشوا على مستقبل هذه الديمقراطية الطرية، وعلى مستقبل الحياة الحزبية برمتها، خصوصاً وقد لاحت في الأفق تهديدات جدية بحل أحزاب معينة، بسبب مواقف اتخذتها، أو رايات رفعتها، من دون أن تثبت السلطات ممارستها العنف، بشكل أو بآخر، أللهم إذا اعتبرنا مواقفها من بعض القضايا السياسية المحلية أو الإقليمية عنفاً رمزياً. فهل تستفيق الأحزاب التونسية يوما على أنها أُكلت يوم أكل الثور الأبيض، وانتهت القصة الجميلة التي اسمها الديمقراطية؟
هذا المثال الذي ناضلت النخب الوطنية من أجل الوصول إلى لحظته التاريخية التي تجلّت مساء 14 جانفي (يناير) 2011، اليوم المشهود الخاتم أياماً طويلة، سالت فيها دماء طاهرة وزكية، المنتهي بهروب بن علي، الرجل القوي، أو تهريبه تاركا شعبا يحتفل بالحرّية في الشوارع، وفي الساحات العامة والمنتديات، بات، بعد فترة وجيزة، مثالاً متفرّداً ومغرّداً خارج سربه الذي كان ينتمي إليه في الخضوع للاستبداد والانفراد بالحكم.
تدل مؤشّرات كثيرة دلالة لا لبس فيها على أن روّاد الاستبداد وأنصاره تجاوزوا مرحلة النوستالجيا إلى الهمز واللمز فالتهكم والاستهزاء بما أفرزته الطبقة السياسية الجديدة، المابعد-بنعلية، من نصوص قانونية وتوافقات سياسية ومؤسسات دستورية وتعددية حزبية وحرية إعلامية وحقوق نقابية وإنسانية. وقد بلغت الجرأة بأحد أركان التنظير للحكم النوفمبري، ممن زيّنوا لبن علي استبداده وغطرسته بالوسائل الأكاديمية والحيل الدستورية والقانونية، ونال في مقابل ذلك مناصب وزارية ومنافع عينية ومزايا رمزية طوال عقدين، بأن فتح فمه واصفا دستور 2014 بأنه "لا صنيعة ولا خليقة".
وما كان لهذا الرجل، ومن يشترك معه في الانتماء إلى المنظومة الكليانية ومكينتها الأيديولوجية الخطيرة الصاهرة للعقول النخبوية النقية، أن يدلي بموقف مستفز كهذا ممجداً الحكم الاستبدادي الذي استمرّ ربع قرن، مستندا إلى شرعية عائلية مزيّفة، تحميها الأجهزة البوليسية، وتروّج لها الأبواق الدعائية المأجورة، لولا عودة رجال النظام القديم إلى مراكز القرار الإداري والسياسي، واستحواذهم على السلطات الثلاث التي أقرّها الدستور الجديد.
عودة أمنتها، هذه المرّة، صناديق الاقتراع، فحملت معها الشرعية الديمقراطية القوية التي لا تقبل الشكّ والمزايدة، فالشعب فصل القول، واختار في انتخابات 2014، بشقيها التشريعي والرئاسي، من يريد اختياره من بين الجمهرة الكبيرة للأحزاب والائتلافات المتنافسة. لكن الذين اختارهم الشعب، وشكلوا الحكومة السابعة بعد انهيار نظام بن علي التي حملت صفة الدوام، وتخلصت من النعت المؤقت الذي وصم نظيراتها من الحكومات السابقة، استفاقوا بعد خمسة أشهر على ميلاد حكومتهم، والشروع في بناء المجد السياسي الذي بشّروا به على يوتوبيا ما وعدوا به الناس.
فكل المؤشرات سالبة تلخصها نسب النمو التي انحدرت إلى ما بين الصفر والواحد بالمائة، وهي وضعية لم تعرفها تونس، إلا في سنة 2011، لحظة انهيار النظام، وما رافقه من حركة اجتماعية احتجاجية جارفة. لكن، الأخطر من ذلك كله هو التكالب الإرهابي على الديمقراطية الناشئة، وضرب الدولة في مقتل في أكثر من مناسبة، حتى أن التنظيمات الجهادية التكفيرية استطاعت تنفيذ إحدى أهم عملياتها التي أودت بحياة 22 من الأبرياء في 18 مارس/آذار المنقضي في مجمع مركز السلطة التشريعية وقلبها النابض ومرجع السلطات جميعاً الذي يحتوي متحف باردو مسرح العملية.
وكانت حادثة سوسة الإرهابية التي سقط فيها 38 سائحاً عنوان عجز حكام تونس الجدد على الوفاء بعهودهم ومواثيقهم في حماية الدولة، واسترجاع هيبتها التي بها تعيش وتحيا، والتي كانت عنوان الحملة الانتخابية للرئيس الحالي، بمجابهة الآفة القاتلة للدول والمجتمعات، وتفكيك تنظيماتها الأخطبوطية، وكشف الرهانات والمصالح الدولية الكبرى التي تنتجها وتستخدمها في تنفيذ استراتيجياتها، ناهيك أن اختيار القتلة ضحاياهم من الجنسية البريطانية وفي منطقة القنطاوي، القلعة السياحية المحصنة لم يكن محض مصادفة.
وبدلا من التعبئة الوطنية المفترشة للمصارحة الشعبية التي تتطلب الاستجابة لشروط الحكم الرشيد، القائمة على تفكيك عصابات الفساد والإفساد ونهب المال العام والجعال والمحسوبية الساكنة في مفاصل الدولة، وفي سلالمها الإدارية، والقضاء على بؤر الفقر والهامشية الاجتماعية المنتشرة في ضواحي المدن الكبرى، وخط البؤس التنموي، الممتد من أقصى الشمال الغربي التونسي إلى عمق الجنوب بصحاريه التي تمسح التخوم الجزائرية والليبية، التي تعشش فيها التنظيمات التكفيرية التي تتخذها الدوائر الاستخباراتية، الإقليمية والدولية، أدوات سهلة الاختراق، لتنفيذ مخططاتها وبرامجها، بدلاً من ذلك كله، اختار القائمون على الدولة، لاسيما هرمها المجسّد في رئيس الجمهورية، إعلان حالة الطوارئ شهراً، في خطابه الموجه إلى الرأي العام الوطني يوم 4 يوليو/تموز الجاري.
ولا بد من الإشارة، في هذا المضمار، إلى أن قرار إعلان الطوارئ، بعد مرور أسبوع على واقعة سوسة الإرهابية، حمل معه ريبة وتوجساً وخيفة من شرائح واسعة من الأحزاب السياسية والحركة النقابية والحقوقية المدنية. وإن أعلنت أحزاب الائتلاف الرباعي الحكومي تأييدها إعلان حالة الطوارئ، أو عدم معارضتها له في أقل الأحيان، فإن جل ّ قوى المعارضة والمجتمع المدني نشطت ذاكرتها بسرعة، مسترجعة الظروف التاريخية التي سنّ فيها الأمر عدد 50 لسنة 1978 المؤرخ في 26 يناير/كانون الثاني 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ. والمتأمل في يوم إصدار ذلك الأمر، يقف ضرورةً على أنه كان متزامنا مع يوم الخميس الأسود في 26 يناير 1978 الذي قضى فيه مئات من الشهداء النقابيين الذين سقطوا برصاص قوات البوليس والجيش التي استمدت مشروعية فعلها من قرار سياسي، صادر عن أعلى هرم السلطة التنفيذية آنذاك، مجسدة في الرئيس بورقيبة.
الأمر الذي أحياه الرئيس الباجي السبسي، اليوم، ويفتقر إلى صفة الدستورية لعدم انسجامه مع الدستور التونسي الجديد، وفق خبراء في القانون الدستوري، يحيل على فترة حالكة من تاريخ تونس السياسي المعاصر، فقد شكل الأرضية القانونية التي أدت إلى حصد أرواح تونسيين أبرياء كثيرين، شاركوا في انتفاضة الخبز سنة 1984. فهو نص لا يفرق بين المخاطر الخارجية التي تهدد الدولة والاحتجاجات الشعبية المطالبة بإقامة العدل الاجتماعي وتوفير فرص الحياة الكريمة. والتشابه يبرز كذلك في إطناب رئيس الدولة في خطابه الممهد لإعلان حالة الطوارئ على خلفية الإضرابات والاعتصام والاحتجاجات الاجتماعية المعطلة لحركة الإنتاج، وهذا زيادة على إشارته إلى المخاطر المتأتية من التنظيمات الإرهابية.
ويحق للنخب السياسية الوطنية، بعد استعراض هذا الجزء اليسير من إرث الاستبداد والقمع ومنع الحريات وحق التنظيم المستند إلى الأمر المنظم إعلان حالة الطوارئ الذي اعتمده رئيس الدولة، في تبرير قراره، يحق لهم جميعاً أن يخشوا على مستقبل هذه الديمقراطية الطرية، وعلى مستقبل الحياة الحزبية برمتها، خصوصاً وقد لاحت في الأفق تهديدات جدية بحل أحزاب معينة، بسبب مواقف اتخذتها، أو رايات رفعتها، من دون أن تثبت السلطات ممارستها العنف، بشكل أو بآخر، أللهم إذا اعتبرنا مواقفها من بعض القضايا السياسية المحلية أو الإقليمية عنفاً رمزياً. فهل تستفيق الأحزاب التونسية يوما على أنها أُكلت يوم أكل الثور الأبيض، وانتهت القصة الجميلة التي اسمها الديمقراطية؟