02 نوفمبر 2024
تونس.. حكومة الصيد في عين العاصفة
الظاهر أن الحكومة التونسية، برئاسة الحبيب الصيد، لم تجد الطريق سالكاً لتخرج بالبلاد من مرحلة الحكم الانتقالي المؤقت إلى مرحلة الحكم المستقر في السنوات الخمس المقبلة، فما أن تولّت مقاليد الدولة، حتّى وجدت نفسها في مواجهة حركة احتجاجية في المناطق الطرفية في الجنوب التونسي، وهي مناطق عانت طويلاً من التهميش، ولم تلق بعد حظّها من التنمية الشاملة، كما زاد نسق الحركات المطلبية، مع صعود الحكومة الجديدة إلى دفّة الحكم، فتعالت أصوات النقابيين والمهنيين المطالبين بالزيادة في الأجور، وانتظمت إضرابات متتالية، شلّت قطاعات البريد والنقل والتربية. وبالتوازي مع ذلك ظلّت العمليات الإرهابية خطراً على السلم الاجتماعي وعلى المسار الديمقراطي، وهو ما يُخبر أنّ ملفّات عدّة تنتظر الحكومة الائتلافية الوليدة، منها ما هو أمني، وما هو اجتماعي، وما هو اقتصادي، وما هو حقوقي. فعلى الصعيد الأمني، يُفترض أن تنتهج السّلطات سياسة استباقيّة، تكشف بمقتضاها جيوب الجماعات المتطرّفة، قبل أن تنجح في إيذاء المواطنين والإساءة لهيبة الدّولة. لكنّ المعالجة الأمنيّة وحدها لمعضلة الإرهاب تبقى غير مجدية، ما لم تعضدها جهود بحثيّة تفهمّية معمّقة، تسعى إلى تحليل الظاهرة، وإدراك كيفيّات إنتاجها، وسبل مواجهتها بطريقة علميّة، تعيد تكوين العقول، وإصلاح الأفكار، وترشيد مناهج التّربية، بدل الاحتكام إلى سلطة الزّناد.
وتواجه الحكومة الجديدة على الصّعيد الاجتماعيّ عدّة تحدّيات، لعلّ أهمّها معضلة انتشار البطالة بين أصحاب الشّهادات العليا (15.2%)، ومشكلة تزايد نسبة الفقر (24 %) واتّساع البون بين الطّبقات الاجتماعيّة (الأغنياء والفقراء)، وانحسار الطّبقة الوسطى، والتّفاوت الجهويّ والتنمويّ بين المحافظات، خصوصاً ما تعانيه المناطق الداخليّة من تهميشٍ، استمرّ عقوداً طوال دولة الاستقلال. وهذا ما يجعل الحكومة الجديدة معنيّة برسم خطط واضحة، لدعم سياسة التّشغيل وتكريس اللاّمركزيّة التنمويّة والعدالة الاجتماعيّة، والعمل على تحسين المقدرة الشرائيّة للمواطن، والحدّ من ارتفاع الأسعار. أمّا على الصّعيد الاقتصاديّ، فإنّ عجز الميزان التجاري بلغ مستوى قياسياً سنة 2014 وقدر بـ 13.6 مليار دينار مقابل 11.4 مليار دينار سنة 2013، وعلى الرغم من تراجع معدل التضخم ليستقر على 5.5% مقابل 6.6% سنة 2013، فإنه يبقى أعلى من الانخفاض المأمول. وعلى صعيد المديونية، من المتوقع أن تصل خلال السنة الحالية 52.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 51.6% خلال سنة
2014. ويُفسّر نسق النموّ البطيء في تونس بعد الثّورة، بعدّة أسباب، منها انعدام الرّؤية السياسيّة، والأحداث الأمنيّة التي أضرّت بالسّياحة التونسية، وانعكست سلباً على الاستثمار الأجنبيّ، فضلاً عن استمرار النموّ ضعيفاً في بلدان الاتّحاد الأوروبي الذي يُعدّ شريكاً رئيسيّاً لتونس على الضفّة الأخرى من المتوسّط. هذا إلى جانب تدهور الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة في ليبيا، وتصاعد عمليّات العنف فيها، وهو ما أثّر على العلاقات التجارية بينها وبين تونس.
وتقتضي هذه التحدّيات من الفريق الحاكم اتّخاذ إجراءات عاجلة، لتحريك عجلة الاقتصاد وتشجيع الباعثين الشبّان، واستقطاب المستثمرين من الدّاخل والخارج، وإعادة الثّقة إلى المتدخّلين والشّركاء التجاريّين التقليديّين لتونس، والعمل على تقليص الضّغوط على ميزانيّة الدّولة، بسبب تنامي النّفقات، وذلك باعتماد حوكمة اقتصاديّة رشيدة، ومكافحة كلّ أسباب الفساد الإداريّ وظواهر التّهريب والتّجارة الموازية، مع السّعي إلى رفع مستوى الإنتاج والإنتاجيّة، وكسب معركة التنافسيّة في الأسواق العربيّة والأوروبيّة. كما أنّ حكومة الصيد مطالبة بإعادة جدولة الدّيون، وخفض نسبة التضخّم المالي، ومراجعة ميزانيّة 2015 وفق ما يقتضيه مشروع التّوازن بين الجهات، وبعث مشاريع تنمويّة واستثماريّة في مناطق الظلّ تساهم في توطين السكّان ضمن تلك المناطق، وفتح المجال لخطط تشغيليّة جديدة. ومن المهمّ، في السّياق نفسه، توسيع الشّراكات الاقتصاديّة وتنويعها، وتخفيف العبء الجبائيّ على الفئات المتوسّطة والصّغيرة من ذوي الدّخل المتدنّي. وعلى الرغم مما أحدثته بادرة تشكيل حكومة ائتلافية من مؤشّرات إيجابيّة، من قبيل تعبير الجهات المانحة عن استعدادها لدعم مسيرة الانتقال الدّيمقراطي السّلس في البلاد، فذلك لا يمنع تأكيد أنّ مراجعة السّياسات الاقتصاديّة وتطويرها يبقى من أهمّ أولويّات المرحلة المقبلة، ومن أبرز تحدّياتها.
وفي ما يخصّ المسألة الحقوقيّة، فإنّ الالتزام بمحامل المدوّنة الدّستوريّة الجديدة، والمحافظة على مكاسب الثّورة، وفي مقدّمتها حماية الحرّيات الفرديّة والعامّة، وضمان حقّ النّفاذ إلى المعلومة، وتطبيق قانون العدالة الانتقاليّة، وإعادة الاعتبار إلى المساجين السياسيّين وضحايا الاستبداد، واتّخاذ خطوات عمليّة جريئة على درب المحاسبة والمصالحة، يبقى من أوكد الاستحقاقات التي يتعيّن القيام بها في المرحلة المقبلة، حتّى يتمّ طيّ صفحة الماضي الاستبدادي، والتوجّه نحو إقامة دولة الحقّ والواجب وجمهوريّة القانون والمؤسّسات.
تلك تحدّيات، على صعوبتها، يبقى تجاوزها ممكناً إذا توفّرت الإرادة السياسيّة، وتكاتفت جهود مكوّنات المجتمع المدني والمنظّمات النقابيّة، وغلب تقديم الصّالح العامّ على الصّالح الحزبيّ أو الفرديّ أو الفئوي.
وتواجه الحكومة الجديدة على الصّعيد الاجتماعيّ عدّة تحدّيات، لعلّ أهمّها معضلة انتشار البطالة بين أصحاب الشّهادات العليا (15.2%)، ومشكلة تزايد نسبة الفقر (24 %) واتّساع البون بين الطّبقات الاجتماعيّة (الأغنياء والفقراء)، وانحسار الطّبقة الوسطى، والتّفاوت الجهويّ والتنمويّ بين المحافظات، خصوصاً ما تعانيه المناطق الداخليّة من تهميشٍ، استمرّ عقوداً طوال دولة الاستقلال. وهذا ما يجعل الحكومة الجديدة معنيّة برسم خطط واضحة، لدعم سياسة التّشغيل وتكريس اللاّمركزيّة التنمويّة والعدالة الاجتماعيّة، والعمل على تحسين المقدرة الشرائيّة للمواطن، والحدّ من ارتفاع الأسعار. أمّا على الصّعيد الاقتصاديّ، فإنّ عجز الميزان التجاري بلغ مستوى قياسياً سنة 2014 وقدر بـ 13.6 مليار دينار مقابل 11.4 مليار دينار سنة 2013، وعلى الرغم من تراجع معدل التضخم ليستقر على 5.5% مقابل 6.6% سنة 2013، فإنه يبقى أعلى من الانخفاض المأمول. وعلى صعيد المديونية، من المتوقع أن تصل خلال السنة الحالية 52.9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 51.6% خلال سنة
وتقتضي هذه التحدّيات من الفريق الحاكم اتّخاذ إجراءات عاجلة، لتحريك عجلة الاقتصاد وتشجيع الباعثين الشبّان، واستقطاب المستثمرين من الدّاخل والخارج، وإعادة الثّقة إلى المتدخّلين والشّركاء التجاريّين التقليديّين لتونس، والعمل على تقليص الضّغوط على ميزانيّة الدّولة، بسبب تنامي النّفقات، وذلك باعتماد حوكمة اقتصاديّة رشيدة، ومكافحة كلّ أسباب الفساد الإداريّ وظواهر التّهريب والتّجارة الموازية، مع السّعي إلى رفع مستوى الإنتاج والإنتاجيّة، وكسب معركة التنافسيّة في الأسواق العربيّة والأوروبيّة. كما أنّ حكومة الصيد مطالبة بإعادة جدولة الدّيون، وخفض نسبة التضخّم المالي، ومراجعة ميزانيّة 2015 وفق ما يقتضيه مشروع التّوازن بين الجهات، وبعث مشاريع تنمويّة واستثماريّة في مناطق الظلّ تساهم في توطين السكّان ضمن تلك المناطق، وفتح المجال لخطط تشغيليّة جديدة. ومن المهمّ، في السّياق نفسه، توسيع الشّراكات الاقتصاديّة وتنويعها، وتخفيف العبء الجبائيّ على الفئات المتوسّطة والصّغيرة من ذوي الدّخل المتدنّي. وعلى الرغم مما أحدثته بادرة تشكيل حكومة ائتلافية من مؤشّرات إيجابيّة، من قبيل تعبير الجهات المانحة عن استعدادها لدعم مسيرة الانتقال الدّيمقراطي السّلس في البلاد، فذلك لا يمنع تأكيد أنّ مراجعة السّياسات الاقتصاديّة وتطويرها يبقى من أهمّ أولويّات المرحلة المقبلة، ومن أبرز تحدّياتها.
وفي ما يخصّ المسألة الحقوقيّة، فإنّ الالتزام بمحامل المدوّنة الدّستوريّة الجديدة، والمحافظة على مكاسب الثّورة، وفي مقدّمتها حماية الحرّيات الفرديّة والعامّة، وضمان حقّ النّفاذ إلى المعلومة، وتطبيق قانون العدالة الانتقاليّة، وإعادة الاعتبار إلى المساجين السياسيّين وضحايا الاستبداد، واتّخاذ خطوات عمليّة جريئة على درب المحاسبة والمصالحة، يبقى من أوكد الاستحقاقات التي يتعيّن القيام بها في المرحلة المقبلة، حتّى يتمّ طيّ صفحة الماضي الاستبدادي، والتوجّه نحو إقامة دولة الحقّ والواجب وجمهوريّة القانون والمؤسّسات.
تلك تحدّيات، على صعوبتها، يبقى تجاوزها ممكناً إذا توفّرت الإرادة السياسيّة، وتكاتفت جهود مكوّنات المجتمع المدني والمنظّمات النقابيّة، وغلب تقديم الصّالح العامّ على الصّالح الحزبيّ أو الفرديّ أو الفئوي.