تونس: تفاهمات حزبية لم ترتقِ إلى تحالفات

07 ديسمبر 2014
يسعى السبسي إلى التحالف مع "النهضة" (ياسين جعايدي/الأناضول)
+ الخط -
شكّلت التقاطعات السياسية الأخيرة في تونس، محطة مفصلية في تاريخها. ولم يكن انتخاب أحد أنصار حزب "نداء تونس" رئيساً لمكتب مجلس نواب الشعب وأحد أعضاء حركة "النهضة" نائباً أول، وأحد أعضاء "الاتحاد الوطني الحرّ" نائباً ثانياً، سوى ترجمة عملية، بنظر البعض، لتحالفات أو تفاهمات، قد يكون لها انعكاسات كبرى على الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية.

فحزب "نداء تونس" الذي يسعى رئيسه الباجي قائد السبسي، إلى الفوز بالانتخابات الرئاسية، دخل في لعبة المناورات والحوارات، مع الأصدقاء كما مع الأعداء المفترضين. فبعد ضمانه المساندة الصريحة من قبل "الاتحاد الوطني الحر"، الذي أعلن رئيسه سليم الرياحي، دعم حزبه للسبسي في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، ضمن المساندة الصريحة لحزب "آفاق تونس" وحزب "المبادرة" برئاسة المرشح الرئاسي السابق كمال مرجان.

كما يسعى السبسي إلى عقد تحالف مع حركة "النهضة"، الحزب الثاني في مجلس نواب الشعب، والحليف "المفترض" للمرشح الرئاسي المنصف المرزوقي. وبدأت ملامح التحالف تتضح من خلال التفاهمات التي عُقدت تحت قبة البرلمان والتي مكّنت "النهضة" من الفوز بمركز النائب الأول لرئيس البرلمان، وهو استنتاج اعتبره البعض، ضرباً من المغالاة.

ويشير عضو المكتب السياسي لـ"نداء تونس"، عماد عبد الجواد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "ما حصل في البرلمان، عبارة عن تفاهمات فرضها الشعب التونسي، من خلال اختياره حزب نداء تونس في المرتبة الأولى، وحركة النهضة ثانياً، وهو ما تمّت ترجمته عملياً في تقاسم المهام داخل مكتب مجلس نواب الشعب أو داخل اللجان البرلمانية". ويوافق رئيس كتلة "الاتحاد الوطني الحر" داخل البرلمان، محسن حسن، كلام عبد الجواد، مؤكداً أن "ما حصل داخل البرلمان، عبارة عن تفاهمات لم ترتقِ إلى مرتبة التحالفات الحزبية، مثلما يسوّق له البعض".

أما التغيير الأوضح فبدأ يحصل في خطاب قيادة حركة "النهضة"، التي أصبحت تتعامل بحذر مع كل ما يتعلق بالسبسي و"نداء تونس". وتجلّى ذلك بوضوح في تدخلات القيادي "النهضوي" عماد الحمامي، الذي جزم أن "نداء تونس وحركة النهضة ليسا بالعدوين، ولم ينفيا صراحة أي شكل من أشكال التعامل الثنائي بين الطرفين، خدمة للمصلحة الوطنية العليا".

وفي إطار هذا الحراك من التفاهمات أو التحالفات المتوقعة، بدا غياب المرزوقي واضحاً، إذ لم تصدر مواقف صريحة منه، تحدّد موقفه من التحالفات أو التفاهمات المنتظرة بين "النهضة" و"نداء تونس". وظلّ الأمر رهن بعض التلميحات الصادرة من ناشطين في حملته، ومنهم محمد القوماني، الذي اعتبر أن "النهضة ونداء تونس لم يتحالفا، بل تفاهما لتقاسم الأدوار داخل مجلس نواب الشعب، وهو ما قد لا يؤثر عملياً على خريطة التحالفات في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية".

واعتبر البعض الآخر أن الخاسر الأكبر من لعبة التحالفات والتفاهمات هو "الجبهة الشعبية"، التي لم تنجح مرشحتها مباركة الابراهمي، في الفوز بمقعد النائب الأول لرئيس مجلس نواب الشعب، وهو ما يؤشر عملياً على تخلّي "نداء تونس" عن حليفه السابق في "جبهة الإنقاذ الوطني".

وأرجع أحد الفاعلين في "نداء تونس" -رفض الكشف عن اسمه- لـ"العربي الجديد"، الأمر إلى "سقف المطالب العالي الذي اشترطته الجبهة، للتحالف مع النداء. ولعلّ أهم شروطها تكمن في ألا تكون حركة النهضة طرفاً في أي تحالفات مقبلة، وهو مطلب رفضه نداء تونس، لإيمانه بالثقل الجماهيري والبرلماني للنهضة، في فترة يحاول فيها النداء توفير كل عناصر النجاح الممكنة، لفترة إدارته للدولة طيلة السنوات الخمس المقبلة".

وباتت "الجبهة الشعبية" الآن، بمرجعياتها المختلفة اليسارية والقومية الناصرية والبعثية والديمقراطية الاجتماعية، مهددة بالتفكك نتيجة الصراع الدائر بين مكوناتها الأساسية الثلاثة، وهي "حزب العمال" و"التيار الشعبي" وحزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد".

ففي حين يرى ممثلو "العمال" و"التيار الشعبي" داخل مجلس أمناء الجبهة، ضرورة التروي قبل إعلان مساندة السبسي، يذهب ممثلو "الوطنيين الديمقراطيين الموحّد"، إلى ضرورة اعتماد مساندة سياسية واضحة للسبسي، لقطع الطريق أمام ما يسمونه بـ"المشروع الاخواني" الذي يمثله المرزوقي حسب قولهم.

وقد يؤدي هذا الأمر إلى تفكك الجبهة، وهو ما أكده الناشط السياسي فيها، عادل الحفصي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أن "الجبهة في الأساس هي جبهة انتخابية، تنتهي بانتفاء مسببات وجودها، وهو الانتهاء من الانتخابات التشريعية والرئاسية".

خارطة التحالفات السياسية فى تونس مرشحة إلى تغيرات كبرى قد تُعبّد الطريق بين النداء والنهضة، وتحوّل باقي المسارات إلى مجرد طرق فرعية. مشهد جديد ستكشف عنه الأيام المقبلة.