تونس تخشى زيادة التسرّب المدرسي

12 سبتمبر 2020
عودة إلى الدراسة في تونس (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

أثار تراجع دخل الأسر في تونس وارتفاع نسبة الفقر، خصوصاً بعد تفشي جائحة كورونا، مخاوف المعنيين في القطاع التربوي من ارتفاع في نسبة التسرب المدرسي، في ظل عدم قدرة الحكومة على تلبية احتياجات العائلات وتأمين المساعدات الاجتماعية لنحو مليون أسرة. ويعد الفقر أحد الأسباب الرئيسية للتسرب المدرسي الذي يقدّر سنوياً بنحو 100 ألف تلميذ لا يملكون أية مؤهلات تسمح لهم بالانخراط في سوق العمل.
وخلال السنوات الماضية، تزايدت أعداد المتسربين لأسباب مختلفة. وتفيد المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو" بأن محدودية دخل الأسر وضعف السلطة السياسية يقودان إلى التسرب المدرسي. ويقول الخبير السابق في المنظمة، كمال بن يونس: "هذا العام تزداد أعداد المتسربين من المدارس"، لافتاً إلى أن هذا الخطر "يهدد كل المنطقة العربية التي ارتفعت فيها نسبة الأمية نتيجة الحروب واللااستقرار السياسي". ويقول لـ "العربي الجديد": "الانقطاع عن التعليم في تونس زاد بنسبة 20 في المائة خلال السنوات العشر الماضية بحسب ألكسو، مشيراً إلى أن الإضرابات في قطاع التعليم وانخفاض عدد أيام التدريس دفعت 120 ألف تلميذ إلى التخلي عن مقاعد الدراسة في مقابل 100 ألف قبل عام 2011. يضيف أن المجتمع في تونس مهدّد، كسائر المجتمعات العربية، بتفشي الأمية والجهل. ويؤكد أهمية الالتزام الرسمي والمجتمعي بمقاومة الظاهرة المرجحة للتفاقم في ظل تداعيات كورونا الصحية والاجتماعية. 

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وأدى كورونا إلى تعليق التعليم خلال العام الدراسي السابق قبل نحو شهرين من الموعد المحدد مسبقاً، خشية تفشي الفيروس في المؤسسات التعليمية. وهذا العام، تتزامن العودة إلى المدرسة مع ارتفاع نسبة العدوى بالفيروس، عدا عن المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الأسر التي تضررت من قرار الإغلاق وتوقف العمل. وخسر نحو 270 ألف تونسي وظائفهم، وارتفعت نسبة البطالة من 15,2 في المائة خلال الربع الأول من العام الجاري إلى 18 في المائة خلال الربع الثاني.
وتقول الحكومة إنها أحصت نحو مليون عائلة فقيرة تحتاج إلى مساعدات اجتماعية لتوفير المتطلبات الحياتية الأساسية، ما يجعل أطفال هذه العائلات أكثر عرضة للتسرّب المدرسي، بحسب عاملين في القطاع التربوي. ويقدّر معدل إنفاق الأسر التونسية على تعليم أبنائها نحو 3.2 في المائة من مجموع مؤشر الاستهلاك، بحسب المعهد الوطني للإحصاء. 
كما يقدّر المعهد الوطني للاستهلاك الكلفة الإجمالية للمستلزمات المدرسية للتلاميذ بين سنة أولى- ابتدائي والثانوية عامة ما بين 112 ديناراً (نحو 41 دولاراً) و165 ديناراً (نحو 61 دولاراً). في المقابل، تمنح الحكومة مساعدات مالية لأبناء العائلات المنتفعة من الإعانة القارة (الثابتة) والعلاج المجاني ومحدودي الدخل لا تتجاوز الـ 50 ديناراً (18 دولاراً). 
من جهته، يقول علي السياري، وهو معلّم في المرحلة الابتدائية، إن أبناء العائلات ذات الدخل المحدود يدفعون ثمناً باهظاً في ظل ظروفهم الاجتماعية الصعبة، مؤكداً أن التسرب المدرسي سيسجل هذا العام مستويات قياسية. يضيف لـ "العربي الجديد" أن عشرات التلاميذ الذين كان على تواصل معهم انقطعوا عن التعليم نتيجة لأوضاع عائلاتهم الاقتصادية المتردية، ما أجبرهم على العمل في سن مبكرة. يضيف أن التدخل الحكومي للحدّ من التسرب محدود نتيجة تراجع السياسات العامة المكافحة للأمية. ويلفت إلى أن التسرب لم يعد حكراً على تلاميذ الريف، بل بات يشمل أولئك القاطنين في المدن. 

إلا أن وزارة التربية أعلنت تفعيلها آليات التقصي حول التسرب المدرسي هذا العام، بالتعاون مع وزارتي الشؤون الاجتماعية، والمرأة والأسرة وكبار السن، مؤكدة إصرارها على مكافحة هذه الظاهرة أكثر من أي وقت مضى في ظل زيادة عوامل الخطر التي تهدد التلاميذ. ويقول مدير عام الدراسات والتخطيط ونظم المعلومات في وزارة التربية بوزيد النصيري، إن 5.2 في المائة من مجموع التلاميذ في مختلف المراحل الدراسية يغادرون المؤسسات التعليمية سنوياً، مشيراً إلى أن الوزارة تبذل جهوداً من أجل مكافحة الظاهرة التي يتوقع ارتفاع نسبتها هذا العام.
ويقول النصيري لـ "العربي الجديد" إنّ وزارة التربية ستحصي عدد المتسربين الجدد هذا العام، بعد الانتهاء من عملية التسجيل، على أن يتم تفعيل أجهزة التقصي من أجل العمل على إعادة المتسربين إلى مقاعد الدراسة خلال الأسابيع الأولى من العام الدراسي. ويقول إن 60 في المائة من التسرب المدرسي يتم بشكل طوعي نتيجة عدم قدرة الأهالي على تحمل مصاريف الدراسة، أو لأسباب نفسية تتعلق بالتلاميذ. ويلفت إلى أن الإناث أكثر تمسكاً بالتعليم في تونس، علماً أن نسبة التسرب لدى الذكور تتجاوز الـ 56 في المائة. كما يؤكد أن وزارة التربية ستبدأ هذا العام تفعيل تجربة مدرسة الفرصة الثانية (أول مكونات البرنامج التنفيذي لمشروع مكافحة الفشل والانقطاع المدرسي)، والتي ستفتح أبوابها أمام المتسربين في 15 سبتمبر/ أيلول الجاري، مرجحاً انتفاع أكثر من 1000 تلميذ منها كتجربة أولى، في انتظار تعميمها على مختلف محافظات البلاد.

المساهمون