بعدما تحوّل ملف عودة المقاتلين في التنظيمات الإرهابية في بؤر التوتر إلى هستيريا حقيقية في تونس، بسبب المخاوف الكبيرة التي أحدثها لدى الأحزاب والشخصيات التونسية، وكذلك لدى الرأي العام، تحركت الحكومة التونسية متخذة مجموعة من القرارات لإثبات وعيها لخطورة هذا الملف ومحاولة تطمين الداخل التونسي.
وأكدت الحكومة أنها لم تبرم اتفاقيات مع أي جهة حول عودة هؤلاء المقاتلين، وهي ستطبّق قانون الإرهاب عليهم والذي ستدعمه بإجراءات خاصة من بينها إنشاء وحدة سجنية مخصصة لاستيعابهم. وصادقت يوم الجمعة الماضي على مجموعة من الأوامر تتعلق بإنشاء أجهزة استخباراتية في إطار تدعيم هذه الوحدة السجنية وتوفير إطار قانوني لعملها. كما صادقت على مشروع حكومي يتعلق بتنظيم مجلس الأمن القومي ويحدد طريقة عمله وتركيبته، ومشروع يتعلق باستحداث المجلس الوطني للاستخبارات، وآخر يتعلق بتسمية أعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب.
ولم ينف المتحدث الرسمي باسم الحكومة التونسية، إياد الدهماني، أن مسألة العائدين من بؤر التوتر تشكل هاجساً للحكومة في الوقت الحالي، مشدداً على أن مجلس الوزراء يتبنى موقف رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، المتمثل في رفض "عودة الإرهابيين" من بؤر التوتر. وأشار إلى أن الحكومة لا تسعى إلى إعادتهم ولم تعقد أي اتفاقيات حول هذا الموضوع، وإنما تتعامل مع معطى عودتهم وفق التشريعات، وفي مقدمتها قانون الإرهاب، مضيفاً: ''من يعد يتم إيقافه فور دخوله للتراب الوطني عبر المطارات والمعابر أو عبر المسالك غير الشرعية وتجرِ محاكمته وتطبيق القانون عليه".
وعرج الدهماني على عدد التونسيين الموجودين حالياً في بؤر التوتر، ويتوافدون منذ 2007 حتى اليوم على تونس، مبرزاً أن عددهم معروف لدى المصالح الأمنية. واكتفى بالإشارة إلى أنهم أقل من 3 آلاف مقاتل تمتلك وزارة الداخلية قائمة بأسمائهم وهوياتهم والأماكن التي يوجدون فيها خارج البلاد وداخلها.
وبخصوص المنتمين للتنظيمات المتطرفة الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، في ظل ما يروج حول إمكانية أن يشملهم قانون التوبة أو تجربة مشابهة لتجربة الوئام الاجتماعي في الجزائر، أكد الدهماني لـ"العربي الجديد" أن تونس لا تفكر مطلقاً في تبني هذه المقاربة أو تمرير تشريع حول التوبة.
وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد التقى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وعرض عليه تفاصيل الخطة التي وضعتها الحكومة. وأكد الشاهد في تصريح للتلفزيون الرسمي، أن تونس لديها قائمات بأسماء كل الإرهابيين المتواجدين في بؤر التوتر والذين شاركوا في تنظيمات إرهابية، ولديها كافة المعطيات.
وجاء تحرك الحكومة في ظل انقسام كبير في الداخل التونسي حول الملف، بعد مطالبة عدد من الأحزاب بمنع هذه العودة والتصدي لها بكل الوسائل الأمنية والقانونية، مقابل رأي يعتبر هذه المواقف متناقضة مع جوهر الدستور التونسي، ومخالفة للقوانين الدولية، وساذجة أمنياً.
وبالإضافة إلى المواقف السابقة التي عبّرت عنها أحزاب "الجبهة الشعبية" و"آفاق تونس" وشق من "نداء تونس"، أصدرت أحزاب "الوطني الحر" و"نداء تونس" (شق منه) وحزب "الثوابت" و"الحزب الاشتراكي" وحزب "العمل الوطني الديمقراطي" و"مشروع تونس"، بياناً مشتركاً طالبت فيه السلطات بمصارحة الرأي العام حول الإجراءات الأمنية والقانونية المتخذة في شأن هؤلاء المقاتلين، خصوصاً بعد تأكيد وزير الداخلية الهادي مجدوب عودة 800 إرهابي إلى تونس. واعتبرت هذه الأحزاب التي تتهيأ لتشكيل جبهة جديدة منذ فترة، أن "عودة الإرهابيين ليست طوعية، وإنما هي نتيجة لتتالي هزائمهم في بؤر التوتر، ورغبة بعض الجهات بترحيلهم جماعياً إلى تونس، مما سيشكل خطراً على الأمن القومي والإقليمي".
وعبّرت عن مساندتها المطلقة ومشاركتها في كل التحركات "الرافضة لمشاريع العودة الآمنة للإرهابيين أو العفو عنهم"، وحمّلت مجلس النواب مسؤولياته في احترام ثقة ناخبيه، محذرة من "كل محاولات الالتفاف على قانون الإرهاب، واستعدادها لكشف كل الاتفاقيات السرية والمعلنة للعفو عنهم". كما دعت كافة الكتل البرلمانية إلى ضرورة القيام سريعاً بمراجعات لقانون الإرهاب من أجل الحفاظ على أمن البلاد ومصالحها وتكوين لجنة قانونية لتقديم مقترحات في هذا السياق.
اقــرأ أيضاً
وتبدو أحزاب ما يُطلق عليها "العائلة الديمقراطية" من أكثر الرافضين لهذه العودة، غير أن بعض الأصوات المحسوبة على هذه العائلة خرجت تنتقد هذه المواقف، وتعتبرها غير دستورية وغير منطقية ومخالفة للواقع. واعتبر أستاذ القانون الدستوري ورئيس "شبكة دستورنا" جوهر بن مبارك، المحسوب على العائلة اليسارية، أنه من الغريب أن تقف الأطراف الحزبية التي ناضلت من أجل فصول الحريات والحقوق إبان كتابة الدستور، ضد تطبيقه اليوم وتطالب بالالتفاف عليه. واستغرب، في تصريحات صحافية، "دعوة نواب لمخالفة فصل صريح في الدستور يحظّر منع تونسي من العودة إلى بلاده أو سحب جنسيته". وشدد بن مبارك على أن "عودة هذه العناصر، إن تمت، ستكون منجماً من المعلومات التي ستكشف تفاصيل مثيرة ومهمة جداً للأمن القومي التونسي"، منتقداً "المخاوف المبالغ فيها من بعض الأطراف التي بثت الرعب في الرأي العام التونسي"، داعياً إلى "الثقة في الأمنيين والعسكريين التونسيين وقدرتهم على مواجهة هذه العناصر إن عادت".
وفي الاتجاه نفسه، عبّرت قيادات من حركة "النهضة" عن استغرابها من مهاجمة بعض الأطراف لها، لاعتبارهم أنها دعت لهذه العودة، مؤكدة أنها لم تدعُ أبداً لذلك، ولا للعفو عن هذه العناصر، وإنما على عكس ذلك شددت على ضرورة تطبيق القانون بكل صرامة عليها، مؤكدة تكامل المنظومة التشريعية التونسية لمواجهة كل الإرهابيين والمتشددين، سواء تلطخت أيديهم بالدماء أو انضموا لهذه المجموعات.
واعتبر القيادي في "النهضة" سمير ديلو، في حوار تلفزيوني، أن "التونسيين يضيعون وقتاً ثميناً في صراعات جانبية، في حين يجب أن يتمحور النقاش حول كيفية التعامل مع هؤلاء، وتأهيل بعضهم، لأن القانون قد يحكم على البعض منهم بالإعدام أو المؤبد، ولكن عناصر منهم سيقضون عقوبتهم مهما كانت مدتها، ثم سيخرجون إلى المجتمع من جديد، فكيف سيتم تأهيلهم وإعادة إدماجهم في المنظومة المجتمعية"، لافتاً إلى أن "دولا أوروبية عدة بدأت منذ فترة طويلة في وضع هكذا برامج، لأن موضوع عودة المقاتلين ليس خاصاً بتونس وحدها".
ويؤكد خبراء أن هذه العودة لن تكون بالجملة، ولن تكون أيضاً معلنة، وإنما سيحاول الهاربون من الحصار المضروب عليهم في بؤر التوتر، التسلل إلى تونس أفراداً ومجموعات صغيرة، وهو ما يستوجب مضاعفة الجهود في مراقبة الحدود من كل الجهات. ولكن اللافت هو أنه لم يُطرح تساؤل جدي حول العودة التي تمت لمئات من هؤلاء الأفراد إلى تونس (800 بحسب وزير الداخلية)، وكيف تم التعامل معهم، وكيف تتم مراقبتهم وإجهاض أي تحرك لهم. وبحسب ما يظهر حتى الآن، فإن وزارة الداخلية نجحت في التعاطي مع هذا العدد الكبير من هذه العناصر المتشددة، التي لم تكشف عنها الوزارة شيئاً، لا شكل عودتها ولا تفاصيل نشاطها بالخارج ولا تحركها في تونس، ولم يسبّب هذا العدد بالمئات أي مصدر للتساؤل لدى المتخوّفين من عودة البقية. مع الإشارة إلى أن تسلّم السلطات التونسية لبعض العناصر الإرهابية يتم تقريباً بشكل دوري. وتسلّمت تونس الخميس الماضي من السلطات الإيطالية، المدعو نصر الدين بن ذياب المتهم في قضايا إرهابية. وبحسب تقارير فإن السلطات الإيطالية سبق أن سلّمت تونس عدداً آخر من العناصر الإرهابية والاجرامية والمقيمة بصفة غير شرعية في إيطاليا.
اقــرأ أيضاً
وأكدت الحكومة أنها لم تبرم اتفاقيات مع أي جهة حول عودة هؤلاء المقاتلين، وهي ستطبّق قانون الإرهاب عليهم والذي ستدعمه بإجراءات خاصة من بينها إنشاء وحدة سجنية مخصصة لاستيعابهم. وصادقت يوم الجمعة الماضي على مجموعة من الأوامر تتعلق بإنشاء أجهزة استخباراتية في إطار تدعيم هذه الوحدة السجنية وتوفير إطار قانوني لعملها. كما صادقت على مشروع حكومي يتعلق بتنظيم مجلس الأمن القومي ويحدد طريقة عمله وتركيبته، ومشروع يتعلق باستحداث المجلس الوطني للاستخبارات، وآخر يتعلق بتسمية أعضاء اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب.
وعرج الدهماني على عدد التونسيين الموجودين حالياً في بؤر التوتر، ويتوافدون منذ 2007 حتى اليوم على تونس، مبرزاً أن عددهم معروف لدى المصالح الأمنية. واكتفى بالإشارة إلى أنهم أقل من 3 آلاف مقاتل تمتلك وزارة الداخلية قائمة بأسمائهم وهوياتهم والأماكن التي يوجدون فيها خارج البلاد وداخلها.
وبخصوص المنتمين للتنظيمات المتطرفة الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، في ظل ما يروج حول إمكانية أن يشملهم قانون التوبة أو تجربة مشابهة لتجربة الوئام الاجتماعي في الجزائر، أكد الدهماني لـ"العربي الجديد" أن تونس لا تفكر مطلقاً في تبني هذه المقاربة أو تمرير تشريع حول التوبة.
وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد التقى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وعرض عليه تفاصيل الخطة التي وضعتها الحكومة. وأكد الشاهد في تصريح للتلفزيون الرسمي، أن تونس لديها قائمات بأسماء كل الإرهابيين المتواجدين في بؤر التوتر والذين شاركوا في تنظيمات إرهابية، ولديها كافة المعطيات.
وجاء تحرك الحكومة في ظل انقسام كبير في الداخل التونسي حول الملف، بعد مطالبة عدد من الأحزاب بمنع هذه العودة والتصدي لها بكل الوسائل الأمنية والقانونية، مقابل رأي يعتبر هذه المواقف متناقضة مع جوهر الدستور التونسي، ومخالفة للقوانين الدولية، وساذجة أمنياً.
وبالإضافة إلى المواقف السابقة التي عبّرت عنها أحزاب "الجبهة الشعبية" و"آفاق تونس" وشق من "نداء تونس"، أصدرت أحزاب "الوطني الحر" و"نداء تونس" (شق منه) وحزب "الثوابت" و"الحزب الاشتراكي" وحزب "العمل الوطني الديمقراطي" و"مشروع تونس"، بياناً مشتركاً طالبت فيه السلطات بمصارحة الرأي العام حول الإجراءات الأمنية والقانونية المتخذة في شأن هؤلاء المقاتلين، خصوصاً بعد تأكيد وزير الداخلية الهادي مجدوب عودة 800 إرهابي إلى تونس. واعتبرت هذه الأحزاب التي تتهيأ لتشكيل جبهة جديدة منذ فترة، أن "عودة الإرهابيين ليست طوعية، وإنما هي نتيجة لتتالي هزائمهم في بؤر التوتر، ورغبة بعض الجهات بترحيلهم جماعياً إلى تونس، مما سيشكل خطراً على الأمن القومي والإقليمي".
وعبّرت عن مساندتها المطلقة ومشاركتها في كل التحركات "الرافضة لمشاريع العودة الآمنة للإرهابيين أو العفو عنهم"، وحمّلت مجلس النواب مسؤولياته في احترام ثقة ناخبيه، محذرة من "كل محاولات الالتفاف على قانون الإرهاب، واستعدادها لكشف كل الاتفاقيات السرية والمعلنة للعفو عنهم". كما دعت كافة الكتل البرلمانية إلى ضرورة القيام سريعاً بمراجعات لقانون الإرهاب من أجل الحفاظ على أمن البلاد ومصالحها وتكوين لجنة قانونية لتقديم مقترحات في هذا السياق.
وتبدو أحزاب ما يُطلق عليها "العائلة الديمقراطية" من أكثر الرافضين لهذه العودة، غير أن بعض الأصوات المحسوبة على هذه العائلة خرجت تنتقد هذه المواقف، وتعتبرها غير دستورية وغير منطقية ومخالفة للواقع. واعتبر أستاذ القانون الدستوري ورئيس "شبكة دستورنا" جوهر بن مبارك، المحسوب على العائلة اليسارية، أنه من الغريب أن تقف الأطراف الحزبية التي ناضلت من أجل فصول الحريات والحقوق إبان كتابة الدستور، ضد تطبيقه اليوم وتطالب بالالتفاف عليه. واستغرب، في تصريحات صحافية، "دعوة نواب لمخالفة فصل صريح في الدستور يحظّر منع تونسي من العودة إلى بلاده أو سحب جنسيته". وشدد بن مبارك على أن "عودة هذه العناصر، إن تمت، ستكون منجماً من المعلومات التي ستكشف تفاصيل مثيرة ومهمة جداً للأمن القومي التونسي"، منتقداً "المخاوف المبالغ فيها من بعض الأطراف التي بثت الرعب في الرأي العام التونسي"، داعياً إلى "الثقة في الأمنيين والعسكريين التونسيين وقدرتهم على مواجهة هذه العناصر إن عادت".
وفي الاتجاه نفسه، عبّرت قيادات من حركة "النهضة" عن استغرابها من مهاجمة بعض الأطراف لها، لاعتبارهم أنها دعت لهذه العودة، مؤكدة أنها لم تدعُ أبداً لذلك، ولا للعفو عن هذه العناصر، وإنما على عكس ذلك شددت على ضرورة تطبيق القانون بكل صرامة عليها، مؤكدة تكامل المنظومة التشريعية التونسية لمواجهة كل الإرهابيين والمتشددين، سواء تلطخت أيديهم بالدماء أو انضموا لهذه المجموعات.
واعتبر القيادي في "النهضة" سمير ديلو، في حوار تلفزيوني، أن "التونسيين يضيعون وقتاً ثميناً في صراعات جانبية، في حين يجب أن يتمحور النقاش حول كيفية التعامل مع هؤلاء، وتأهيل بعضهم، لأن القانون قد يحكم على البعض منهم بالإعدام أو المؤبد، ولكن عناصر منهم سيقضون عقوبتهم مهما كانت مدتها، ثم سيخرجون إلى المجتمع من جديد، فكيف سيتم تأهيلهم وإعادة إدماجهم في المنظومة المجتمعية"، لافتاً إلى أن "دولا أوروبية عدة بدأت منذ فترة طويلة في وضع هكذا برامج، لأن موضوع عودة المقاتلين ليس خاصاً بتونس وحدها".