تونس: تحدّي "التجانس" أمام حكومة الصيد

03 فبراير 2015
تشارك "النهضة" علناً بالحكومة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يتوجّه رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الصيد، غداً الأربعاء، إلى مجلس نواب الشعب، لعرض حكومته الجديدة، التي وُلدت بعد مخاض عسير، في سبيل كسب الثقة. وكانت التشكيلة الحكومية، أبصرت النور، أمس الإثنين، بعد مشاورات استهلكت مهلاً دستورية عدة، وذلك بعد رفض جميع الأطراف تقريباً، التشكيلة الأولية في وقتٍ سابق. ومن المتوقع أن تلقى الحكومة الجديدة، اجماعاً سياسياً كبيراً، سيمنحها أغلبية نيابية واسعة، قد تكون الأكبر من كل حكومات ما بعد الثورة.

وتبدو حكومة الصيد الجديدة، سياسية بامتياز، علماً بأنها تضم عدداً من الخبراء والمستقلين، ووجوهاً بارزة تمثل الأحزاب المشاركة فيها. وحصد "نداء تونس" العدد الأكبر من الحقائب، ويمثله، الأزهر العكرمي، وناجي جلول، وسلوى اللومي، وسليم شاكر، ومحمود بن رمضان، وأمينه العام الطيب البكوش، الذي تسلّم حقيبة الخارجية، على الرغم من استبساله حتى اللحظة الأخيرة من أجل إقصاء "النهضة" عن الحكومة الجديدة وتهديده بالاستقالة.

كما يشهد التشكيل مشاركة صريحة لحزب "آفاق تونس"، عبر رئيسه ياسين ابراهيم ونائبه نعمان الفهري، و"الاتحاد الوطني الحر"، عبر أمينه العام ماهر بن ضياء. كما تشارك "الجبهة الوطنية" عبر رئيسها التوهامي العبدولي، واستقرّ رأي "حركة النهضة"، على المشاركة عبر المتحدث الرسمي باسمها زياد العذاري، الذي تسلّم حقيبة التكوين المهني والتشغيل، بعد أن كان الاتفاق يقضي بتوليه حقيبة وزير مستشار لدى رئيس الحكومة، الذي سيبقى من حصة "النهضة"، وفقاً لما أفادت به مصادر لـ"العربي الجديد".

وتؤشر مشاركة "النهضة" بحقيبتين، على وجودها "العلني" في الحكومة، بعد أن كان الحديث يدور حول مشاركتها بقيادات من الصف الثاني أو بخبراء مقرّبين منها. وتتضمن الحكومة الجديدة وجوهاً بارزة من المجتمع المدني، أهمها رئيس هيئة الانتخابات السابقة، كمال الجندوبي، والناشطة لطيفة الأخضر، التي تسلّمت وزارة الثقافة.

ونجح الصيد في هذه التركيبة، في المحافظة على وزرائه الهامين، الذين اختارهم في التشكيلة الأولية، على غرار وزير الداخلية ناجم الغرسلي، ووزير العدل محمد صالح بن عيسى، ووزير الدفاع فرحات الحرشاني. وأبقى الصيد على وزير واحد من حكومة مهدي جمعة، وهو أحمد عمار الينباعي، لحقيبة الشؤون الاجتماعية، الذي دافع عنه "اتحاد الشغل"، على الرغم من معارضة منظمة "الأعراف"، الراضية وفقاً لرئيستها وداد بوشماوي، عن وزراء الحقائب الاقتصادية.

ويطرح التشكيل الجديد جملة من الأسئلة الهامة التي سيتعين عليه الإجابة عنها سريعاً، وأبرزها موضوع التجانس بين الوزراء والعمل كفريق واحد، لا كمكونات منفصلة، ينطلق كل واحد فيها من شرعية حزبه الانتخابية أو من شرعيته الشخصية.

وهو ما دفع الأمين العام لحزب "المؤتمر" عماد الدايمي، إلى اعتبار الحكومة الجديدة "هشة وغير منسجمة وعمرها سيكون قصيراً". ليحسم بالتالي قرار عدم التصويت لها خلال جلسة الغد، وهو موقف يتناغم مع موقف "الجبهة الشعبية"، التي قررت أيضاً عدم منح الثقة للحكومة الجديدة، معتبرة أن "نداء تونس قد أخلّ بالتزاماته تجاه ناخبيه ومناصريه، عندما قرّر اشراك النهضة في الحكومة".

وتأتي هذه التصريحات كمقدمة لتشكيل المعارضة الجديدة داخل البرلمان، على الرغم الجفاء الكبير بين "المؤتمر" و"الجبهة"، فالمجلس يتضمّن أيضاً معارضين آخرين للحكومة، مثل "الكتلة الاجتماعية الجديدة" (بصدد التشكّل)، و"حركة الشعب" وبعض المستقلين. وقد ينضم إليها حزب "المبادرة"، برئاسة كمال مرجان، الذي اعتبر أن حزبه "أُقصي" من الحكومة.

مع ذلك، لن تتمكن كل هذه المكونات مجتمعة، من حصد أكثر من ثلاثين نائباً، ولكنها قد تتمكن من رئاسة لجنة المالية ولجنة الخارجية، وقد تُشكّل صوتاً عالياً تحت سقف البرلمان، من دون أن يكون لها أي تأثير في التصويت على القوانين أو إسقاط المشاريع.

وتبدو حكومة الصيد الثانية، بمثابة تجربة تونسية جديدة، تستطيع القفز سريعاً، على الرغم من بعض الآلام الانتخابية، فوق حواجز الخلافات الأيديولوجية، وأن تتشكل على قاعدة الوفاق، ما قد يُمكنها نظرياً، من الصمود أمام التدخلات الداخلية والخارجية.

وسيتيح لتشكيلتها، التفاوض من موقع قوة مع شركائها الاقتصاديين في الداخل والخارج، تحديداً مع "اتحاد الشغل" ومنظمة "الأعراف"، من أجل إقرار هدنة اجتماعية، وإقناع أصحاب الرساميل بـ"تحديد الأسعار"، الذي شكّل أولوية في برنامج "نداء تونس". بالإضافة إلى طمأنة المستثمر التونسي قبل الأجنبي، من أجل تحريك آلة الانتاج ثانية والعودة بالمؤسسات إلى طاقتها الإنتاجية الحقيقية. وسيتعين على الحكومة الجديدة، أن تثبت سريعاً أنها ليست حكومة محاصصة حزبية وأنها متجانسة، وتلتقي حول مشروع حكومي موحّد، لا مجموعة من المشاريع المستقلة والمتراكمة.