تسعى الحكومة التونسية بعد الاعتداء الإرهابي في سوسة، إلى التشديد على أن الحزم هو سيد الموقف في مواجهة التهديدات التي تعصف بالبلاد، وأن كل القرارات التي أعلنت عنها غداة اعتداءات سوسة ستُنفذ بحذافيرها، ولن تتراجع عنها. وتبدو الحكومة حتى الآن في مرحلة محاولة فهم وتفكيك ما جرى، وبالخصوص تفادي القادم، وهي تحاول بسرعة قصوى سدّ الفجوات وتفادي النقائص حتى لا تُفاجأ بضربة أخرى قد تكون قاصمة للمشهد كله.
ولم تُخفِ الحكومة التونسية منذ أسابيع مخاوفها من ضربات أمنية في شهر رمضان، غير أن تواترها وقوتها بهذا الشكل فاجأت استعدادات وزارة الداخلية التونسية. وتتزايد هذه المخاوف مع الأخبار المتواترة التي تشير إلى أن هناك ضربات أخرى محتملة، ومن بينها التهديدات التي قد تستهدف بعض قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل، وآخرها ما أوردته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أول من أمس الخميس، من أن الجهاديين التونسيين المرتبطين بتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ينوون القيام باعتداءات أخرى وفق بنك أهداف واضحة، كمحلات بيع الخمور والحانات والمطار الرئيسي في البلاد وفنادق سياحية في جزيرة جربة، بالإضافة إلى هدفهم التقليدي رجال الأمن، مؤكدة أن التحقيقات التي ركّزت على مواقع التواصل الاجتماعي أثبتت وجود نقاش موسّع حول الأهداف المرسومة في تونس. وتهدف هذه المجموعات الإرهابية إلى خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في هذه الديمقراطية الجديدة الهشة، بحسب الصحيفة البريطانية.
واضطر الأمن التونسي أول من أمس إلى تأخير طائرة عن موعدها للقيام بالتحريات اللازمة بعد إعلان كاذب بوجود قنبلة على متنها.
وتستنفر هذه المعلومات كافة أجهزة الأمن والجيش وقادتهما، وتكثّفت في الآونة الأخيرة الزيارات الميدانية للقيادات العليا، خصوصاً لوزير الداخلية ناجم الغرسلي ومساعديه للوقوف على جاهزية القوات الأمنية في حفظ أمن بعض النقاط الحساسة، ولم تخفِ هذه القيادات انزعاجها من بعض التسيّب الذي لاحظته خلال هذه الزيارات.
وتعترف الحكومة التونسية بالتقصير الأمني في ما حدث في سوسة، وهو ما أدى إلى موجة واسعة من الإقالات والتعيينات الجديدة التي شملت مناصب هامة في محافظات سوسة والمنستير والقيروان والدوائر الجغرافية التي تشملها، وأجرت القيادات الأمنية تبادلاً في المراكز، خصوصاً المعنية بجمع المعلومات والاستخبارات، ما يفسر حالة من القلق، ولكنه يعكس أيضاً رغبة في إضفاء مزيد من الحزم على العمل الأمني، الاستخباراتي منه خصوصاً.
وأعلنت الحكومة التونسية أنها ألقت القبض على متهمين بالمشاركة والإعداد في عملية سوسة وأحالتهم إلى القضاء، فيما نفت النيابة العامة علمها بإحالة متهمين إليها، وقالت إن ملف سوسة ثقيل بالتفاصيل التي سيُكشف عنها لاحقاً.
واعتبر المتحدث باسم النيابة العامة سفيان السليطي خلال مؤتمر صحافي، أن الملف شهد "تطورات إيجابية وإيجابية جداً"، مؤكداً أن الهاتف الجوال لمنفذ عملية سوسة سيف الدين الرزقي، مكّن قاضي التحقيق من كشف معلومات مهمة ساهمت بشكل كبير في تقدّم التحقيق.
اقرأ أيضاً: تونس تتهيّأ لكافة السيناريوهات: تنسيق دولي.. ولا طوارئ
من جهة ثانية، تقود الحكومة التونسية صراعات أخرى في الشق المتعلق بالمساجد العشوائية التي بُنيت من دون علم وزارة الشؤون الدينية، أو التي تم احتلالها عنوة من متشددين منذ الثورة، وتمثّل بؤراً للتشدد وتسفير الشباب إلى سورية وليبيا. وشهدت مدينة القلعة الكبرى في محافظة سوسة أول من أمس تدخّلاً أمنياً واسعاً لتفريق المحتجين بعد قرار إغلاق مسجد في المدينة، فيما تواجه وزارة الشؤون الدينية انتقادات كبيرة من "الجمعية التونسية للوعاظ والمؤدبين"، والتي عبّرت عن "استنكارها الشديد لتجاوز القانون في حل بعض الجمعيات بمجرد الشبهة، ومن دون مراعاة المسالك القانونية"، منددة بتوظيف البعض لـ"الأعمال الإرهابية للرجوع إلى المنهج الاستئصالي في التعاطي مع كل ما يتعلق بالشأن الإسلامي"، ومؤكدة أن "الإسلام براء من الأعمال الإرهابية الغادرة؛ لأن المنهج الإسلامي قائم على الاعتدال والتسامح ونبذ الغلو والتطرف والتشنج في الدعوة والإصلاح".
وبالتوازي وجّهت وزارة الشؤون الدينية تنبيهاً للأئمة بعدم تقديم خطب ودروس في بعض المساجد، ومن بينهم المتحدث باسم حزب "التحرير" رضا بلحاج، والذي أمهلته رئاسة الحكومة فترة زمنية لإعادة النظر في بعض القضايا التي شهدت خلافات كبيرة وصلت إلى حد تهديده بسحب ترخيص الحزب، ومن أهمها راية الحزب السوداء، والتي يطالب عدد كبير من الأحزاب بسحبها، بالإضافة إلى مراجعة بعض المبادئ الحزب التي تتعارض مع مبادئ الجمهورية التونسية.
وقال بلحاج في تصريحات صحفية، إن "الجميع يعرف أن حزبه يدين العنف ويدين المجموعات الإرهابية، وأن أحزاباً أخرى يُسمح لها بأعلام دخيلة على تونس أيضاً"، ملمّحاً إلى أنه يمكن أن يغيّر راية الحزب إذا كانت تتماهى مع بعض التنظيمات الإرهابية.
وعلى المستوى السياحي، تتوجّه كل الأنظار إلى الباب الجزائري، والذي يبدو أنه سيكون الأمل الوحيد والمنقذ للموسم، وبدأت القنوات الجزائرية في الترويج لحملة دعائية واسعة لزيارة تونس بعد رمضان، لعلها تعيد التوازن الهش لقطاع لم يعرف السكينة منذ أولى الهجمات الإرهابية على تونس.
اقرأ أيضاً: تونس: الصيد في مهب الأزمات