تونس: القواعد الحزبية تطالب قياداتها بالديمقراطية

28 اغسطس 2014
حزب السبسي أكثر المتأثرين بالظاهرة (فتحي بلعيد/فرانس برس/GETTY)
+ الخط -
لم يسبق أن شهدت الأحزاب التونسية حالة ديمقراطية مماثلة، وحراكاً تترجمه إعلانات القواعد الحزبية الصريحة برفضها إسقاط قرارات فوقيّة من المركز في خصوص الاستعداد للانتخابات التشريعية المقبلة المقررة نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل. فهذه القواعد تتمسّك بحقها في أن تكون طرفاً أساسياً في اتخاذ القرارات، وتعيين الكفاءات على رأس القوائم الحزبية المرشحة للانتخابات. وبالرغم من أن الصورة الطاغية هي صورة صراع بين أطراف حزبية، فإنها تترجم في الحقيقة حالة من الممارسة الديمقراطية التي بدأت تتأصل شيئاً فشيئاً في الهياكل الحزبية المختلفة.

وتكاد حالة الاعتراض على القيادة تشمل الأحزاب التونسية الكبرى مع بعض الاستثناءات. وإن كانت تعكس حالة تمسُّكٍ بمبدأ المشاركة في اتخاذ القرار، فإنها تكشف أيضاً عن رغبة في تسلُّط بعض القيادات المركزية واتخاذ قرارات بالنيابة عن مناضليها، وتعيين رؤساء قوائم في المحافظات من دون اعتماد رأي مناضلي المحافظات، وهو ما تسبّب في موجة من الرفض شملت أحزاباً عديدة مثل "الجمهوري" و"الجبهة الشعبية" و"نداء تونس" و"المبادرة" وغيرها. ولم تسلم منها أحزاب أخرى وإن كان بدرجة أقل بكثير مثل "النهضة"، في حين نفى حزب "المؤتمر" وجود أي خلاف حول قوائمه الانتخابية، مما دفع بأمينه العام إلى الإشادة بـ"انضباط" مناضليه. وكانت موجة الاحتجاجات الأكبر قد اندلعت في صفوف حزب "نداء تونس"، الذي سجلت العديد من تنسيقياته في المحافظات والدوائر الانتخابية، رفضاً للأسماء المقترحة على رأس القوائم، على غرار أريانة ونابل وصفاقس وتونس والقيروان والكاف.


وطالبت الهيئات الإقليمية بأن ينبع القرار منها في تعيين المرشحين بحكم أنها الأكثر معرفة بقدرة كل اسم على تمثيل المحافظة، والقدرة على جمع الناخبين، وعلى الأقل إشراكها في تعيين هذه الأسماء. وعرف الحزب "الجمهوري"، بدوره، ردود فعل مماثلة، أدت إلى استقالة رابح الخرايفي عن محافظة جندوبة. كما سُجل احتجاج عدد من أعضاء حزب المبادرة في محافظة سيدي بوزيد "لغياب الديمقراطية في الحزب، وعدم الاكتراث لرأي القواعد". وشهدت "الجبهة الشعبية" بدورها تأخيراً في الإعلان عن قائماتها الانتخابية، بسبب اختلافات اعتبرها زياد الأخضر، وهو أحد أبرز قيادييها، ظاهرة إيجابية، في حين برزت ذروة الخلاف في سيدي بوزيد مما أدى إلى ترشّح أرملة محمد البراهمي وشقيقه في قائمتين مختلفتين. وسجّلت حركة "النهضة"، بدورها، احتجاج النائب فرجاني دغمان، على تعيين الصحبي عتيق على رأس قائمة محافظة أريانة برغم وجوده فيها (وفق بيان لوكالة الأنباء الرسمية كذبه فيما بعد).

كما احتجّت النائبة سنيا بن تومية على عدم وجودها ضمن مرشحي الحركة للانتخابات المقبلة "برغم نجاحها في تمثيلها"، بحسب رأيها. وعرفت أحزاب كثيرة أخرى حالات من التململ في قواعدها الانتخابية للأسباب نفسها. يشرح أستاذ القانون الدستوري، مسؤول شبكة "دستورنا" المدنية، جوهر مبارك، لـ"العربي الجديد"، أن هذه المشاكل حدثت في انتخابات 2011 بسبب غياب الممارسة الديمقراطية داخل عدد من الاحزاب، بما فيها أحزاب كبرى تنافس على السلطة مثل "نداء تونس" الذي لم يعقد مؤتمره حتى الآن، وهو ما يعني أن هياكله وقياداته الوطنية أو المحلية غير منتخبة ديمقراطياً. ويوضح أن نظام الاقتراع يركز على القوائم، وهو ما يولّد صراعاً كبيراً على رئاستها برغم محدودية هذه القوائم والدوائر التي يبلغ عددها 33 فقط، وهو ما يكثّف من التنافس عليها. ويشدد جوهر بن مبارك على أن غياب الانتخابات البلدية والإقليمية، جعل كل التركيز منصباً على الانتخابات العامة، وحثّ القيادات الأولى والوسطى في هذه الأحزاب على أن تكون موجودة في هذا الموعد السياسي الوحيد إلى حد الآن. ويرى أن هذا "التمرّد" يعكس أيضاً حالة من التنافس الديمقراطي، لأن المناخ السياسي بعد الثورة "مكّن المواطنين من ثقافة سياسية جديدة وأتاح حق الاحتجاج على مؤسسات الدولة فما بالك بالأحزاب، ولم تعد هذه القواعد تقبل بالممارسات القديمة التي تتميز بالنظام العمودي في اتخاذ القرارات".