التزم رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد الصمت، على الرغم من اشتعال وسائل الإعلام ومواقع التواصل والصالونات السياسية في تونس بالكلام عن مصيره السياسي، واختار التوجّه إلى النيران المشتعلة في الجبال لمساندة رجال الإطفاء هناك، بعيداً عن العاصمة وأجوائها المشحونة. وبدا هذا الصمت غريباً لكل المتابعين، إذ إن رئيس حركة "النهضة"، راشد الغنوشي، وجّه إليه أهم سؤال في مسيرته السياسية ودفع به إلى مفترق الطرق وألزمه بالاختيار بين التعهد بعدم الترشح لانتخابات 2019 الرئاسية، أي التفرغ التام للعمل الحكومي والتوصل إلى تحقيق نتائج ملموسة، أو المغادرة.
ويدرك الغنوشي أن مصير حزبه، وغيره من الأحزاب وخصوصاً "نداء تونس"، في الاستحقاقات المقبلة سيكون محكوماً بنتائج عمل الحكومة وقدرتها على إحداث فرق حقيقي في حياة التونسيين. ولم يكن مخطئاً أيضاً حين برر دعوته أو نصيحته للشاهد بأن كل السهام ستتوجه إليه حالما تتأكد طموحاته الرئاسية، فقد اعتبرت شخصيات معارضة عديدة أن حملة الفساد التي أطلقها الشاهد إنما هي في الواقع حملة انتخابية سابقة للأوان.
ولكن دعوة الغنوشي تبقى غريبة على الرغم من كل هذه التبريرات، إذ تُعتبر مصادرة لحق دستوري، على الرغم من أنها أيضاً حق سياسي للغنوشي ومن معه، اذ إنه من حق الشاهد أن يترشح للانتخابات ومن حق التحالف الحكومي أن يختار بديلاً عنه ربما يكون أكثر تفرغاً للشأن العام، وهو ما تردده أطراف عديدة من "النداء" و"النهضة".
ولكن المتمعّن في خطاب الغنوشي تلك الليلة، يدرك أنه لم يوجّه رسالته إلى الشاهد وحده وإنما أيضاً إلى بعض الوزراء في حكومته، لم يسمّهم، وهي جملة تكررت كثيراً في خطابات "النداء"، العلنية والسرية المسرّبة، وتحديداً على لسان مديره التنفيذي حافظ قائد السبسي، الذي اختار في الآونة الأخيرة التخاطب مع رئيس الحكومة عبر "فيسبوك" وليس من خلال القنوات التقليدية، ما اعتُبر قطيعة واضحة بين الرجلين.
وأكدت مصادر حزبية مطلعة على الكواليس في تونس، لـ"العربي الجديد"، أن خيارات الشاهد ليست كثيرة في الواقع، وسيتحتم عليه أن يفهم سريعاً أن عدم استبعاده، عاجلاً أم آجلاً، سيكون مرتبطاً بعودته سريعاً إلى "بيت الطاعة".
وتردد بعض الشخصيات في "النداء" أن حافظ قائد السبسي كان وراء تعيين الشاهد في حكومة الحبيب الصيد، وكان أيضاً وراء تعيينه رئيساً للحكومة الحالية، وهو من أقنع والده بذلك، وكان قبل ذلك وراء تعيينه في لجنة الـ13 في حزب "النداء" التي تكفلت بتقديم خارطة طريق لإنهاء أزمة الحزب وقتها. ولكن السبسي الابن، أصبح مقتنعاً بأن الشاهد تنكر لكل ذلك وأصبح يعمل لحسابه الخاص، وهو ما كشفته التسريبات الصوتية بوضوح.
ولكن السؤال الحقيقي هو حول ما إذا كان الرئيس الباجي قائد السبسي، صاحب القرار الأخير، مقتنعاً بذلك أيضاً؟ التجارب السابقة التي شهدتها تونس في السنتين الأخيرتين، تؤكد أن كل الذين ناصبوا السبسي الابن العداء وجدوا أنفسهم أمام باب الخروج، بداية بمحسن مرزوق الذي غادر "النداء" وأسس حزباً جديداً، ومن بعده رضا بلحاج وبوجمعة الرميلي وغيرهم من قيادات "النداء"، الذين أسسوا أيضاً حزباً جديداً، وصولاً إلى رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد، ليبقى حافظ قائد السبسي رئيساً لما تبقى من هذا الحزب ومصراً على إدارة بعض شؤون الحكومة من الكواليس.
وقد يكون من حق الحزب الأول الذي يعيّن رئيس الحكومة، أن تكون له كلمته في إدارة الشأن العام، وأن يشترك في التعيينات وفي القرارات المهمة، ولكن يبدو أن السبسي الابن قليل الحظ مع كل من اختارهم، أو أن الإدارة التشاركية التي تشمل عدداً من الأحزاب والمنظمات تقتضي نظرة جديدة ومختلفة لإدارة الحكم في بيئة ديمقراطية، تختلف عما كانت قبل الثورة، وهو ما على الطبقة السياسية، بمن فيها الرئيس السبسي ونجله، أن تستوعبه، وأن النظام السياسي يقوم على ثلاث رئاسات، البرلمان والحكومة ورئاسة البلاد، وأن هذا النظام برلماني، إلى حد الآن على الأقل. ويذهب بعض المحللين إلى اعتبار إقصاء منافسي السبسي الابن إنما هو في حقيقة الأمر تمهيد لمستقبل يمكن أن يكون له فيه دور ما، مع أن كثيرين يستبعدون هذا الأمر لأسباب عديدة.
اقــرأ أيضاً
أما الشاهد، فيبدو أنه اختار طريقة هادئة ومختلفة في معالجة الأمور، فالغنوشي وبعض قيادات "النهضة" سارعت إلى إعادة التأكيد أنها داعمة لحكومة الوحدة الوطنية، ولم يكن هدفها إبعاده من الحكومة بل هو حماية له ولمستقبل سياسي يمكن أن يتحقق إذا لم يتسرع. ويبدو أن الشاهد وجد في حليفه القوي، اتحاد الشغل، مدافعاً صلباً عنه، إذ التقى أمينه العام، نور الدين الطبوبي قبل أيام براشد الغنوشي، وأكدا معاً دعم الحكومة، ليجتمع الطبوبي بعد ذلك مباشرة بالشاهد، فيما بدا أنه نقل فحوى لقائه الأول وحمل تطمينات بمواصلة دعمه. وأكدت المصادر الحزبية لـ"العربي الجديد" أنه جرى توضيح كلام الغنوشي للشاهد وطمأنته بأن لا لا شيئاً مقلقاً في هذا الاتجاه.
ولكن كل هذه التطمينات تبقى مؤقتة إذا لم تُعالج الخلافات الحقيقية، ولم ينجح الشاهد في إعادة بناء الثقة مع عائلة السبسي ومع "نداء تونس"، وإذا لم يوضح نواياه بشكل بات وصريح لكل المتوجسين من وزير شاب قفزت أسهمه بقوة وأثبت أنه يتعلم سريعاً ويلقى إعجاباً لدى التونسيين وربما لدى غيرهم من الإدارات الغربية المهتمة بتونس، وهي كلها مؤهلات ترشحه للقيام بدور سياسي بارز في المستقبل القريب. ويبقى السؤال الذي لم يطرحه الطامحون إلى كرسي الرئاسة هو هل ينوي الشاهد الترشح بالفعل للرئاسة، وهل أن منصب الرئيس أهم من كرسي الحكومة، وهل أن الشاهد يرغب في ذلك بالفعل؟ سؤال سيكون على الشاهد أن يوضحه قريباً، ولو تلميحاً.
صمت الشاهد بدا وكأنه يشكل إحراجاً للشيخين (السبسي والغنوشي)، اللذين لم يضعا في حساباتهما فرضية أن يستقيل الشاهد مثلاً، ما سيضعهما في مرمى انتقادات التونسيين، وسيظهرهما في موقع من يعطّل الحكومة أو يحاول السيطرة عليها، وهو ما تروج له المعارضة التي تتمنى بشدة أن يتحقق ذلك، لأنها تريد أيضاً استبعاد منافس من طريقها، وتؤجج الخلافات داخل ائتلاف الحزبين بالذات.
وقال مصدر مطلع من الائتلاف الحاكم لـ"العربي الجديد" إن كل هذه الحسابات مطروحة بالفعل، ولكن الذي لا يحسبه أحد في الوقت الحالي هو أن يكون الشاهد بالفعل مرشح "النداء" و"النهضة" للانتخابات الرئاسية المقبلة، فتلك حسابات مؤجلة لسنتين لها وضعها الخاص، ولكن ما قد يحصل خلالهما قد يبعثر كل الأوراق.
اقــرأ أيضاً
ولكن دعوة الغنوشي تبقى غريبة على الرغم من كل هذه التبريرات، إذ تُعتبر مصادرة لحق دستوري، على الرغم من أنها أيضاً حق سياسي للغنوشي ومن معه، اذ إنه من حق الشاهد أن يترشح للانتخابات ومن حق التحالف الحكومي أن يختار بديلاً عنه ربما يكون أكثر تفرغاً للشأن العام، وهو ما تردده أطراف عديدة من "النداء" و"النهضة".
ولكن المتمعّن في خطاب الغنوشي تلك الليلة، يدرك أنه لم يوجّه رسالته إلى الشاهد وحده وإنما أيضاً إلى بعض الوزراء في حكومته، لم يسمّهم، وهي جملة تكررت كثيراً في خطابات "النداء"، العلنية والسرية المسرّبة، وتحديداً على لسان مديره التنفيذي حافظ قائد السبسي، الذي اختار في الآونة الأخيرة التخاطب مع رئيس الحكومة عبر "فيسبوك" وليس من خلال القنوات التقليدية، ما اعتُبر قطيعة واضحة بين الرجلين.
وأكدت مصادر حزبية مطلعة على الكواليس في تونس، لـ"العربي الجديد"، أن خيارات الشاهد ليست كثيرة في الواقع، وسيتحتم عليه أن يفهم سريعاً أن عدم استبعاده، عاجلاً أم آجلاً، سيكون مرتبطاً بعودته سريعاً إلى "بيت الطاعة".
وتردد بعض الشخصيات في "النداء" أن حافظ قائد السبسي كان وراء تعيين الشاهد في حكومة الحبيب الصيد، وكان أيضاً وراء تعيينه رئيساً للحكومة الحالية، وهو من أقنع والده بذلك، وكان قبل ذلك وراء تعيينه في لجنة الـ13 في حزب "النداء" التي تكفلت بتقديم خارطة طريق لإنهاء أزمة الحزب وقتها. ولكن السبسي الابن، أصبح مقتنعاً بأن الشاهد تنكر لكل ذلك وأصبح يعمل لحسابه الخاص، وهو ما كشفته التسريبات الصوتية بوضوح.
ولكن السؤال الحقيقي هو حول ما إذا كان الرئيس الباجي قائد السبسي، صاحب القرار الأخير، مقتنعاً بذلك أيضاً؟ التجارب السابقة التي شهدتها تونس في السنتين الأخيرتين، تؤكد أن كل الذين ناصبوا السبسي الابن العداء وجدوا أنفسهم أمام باب الخروج، بداية بمحسن مرزوق الذي غادر "النداء" وأسس حزباً جديداً، ومن بعده رضا بلحاج وبوجمعة الرميلي وغيرهم من قيادات "النداء"، الذين أسسوا أيضاً حزباً جديداً، وصولاً إلى رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد، ليبقى حافظ قائد السبسي رئيساً لما تبقى من هذا الحزب ومصراً على إدارة بعض شؤون الحكومة من الكواليس.
وقد يكون من حق الحزب الأول الذي يعيّن رئيس الحكومة، أن تكون له كلمته في إدارة الشأن العام، وأن يشترك في التعيينات وفي القرارات المهمة، ولكن يبدو أن السبسي الابن قليل الحظ مع كل من اختارهم، أو أن الإدارة التشاركية التي تشمل عدداً من الأحزاب والمنظمات تقتضي نظرة جديدة ومختلفة لإدارة الحكم في بيئة ديمقراطية، تختلف عما كانت قبل الثورة، وهو ما على الطبقة السياسية، بمن فيها الرئيس السبسي ونجله، أن تستوعبه، وأن النظام السياسي يقوم على ثلاث رئاسات، البرلمان والحكومة ورئاسة البلاد، وأن هذا النظام برلماني، إلى حد الآن على الأقل. ويذهب بعض المحللين إلى اعتبار إقصاء منافسي السبسي الابن إنما هو في حقيقة الأمر تمهيد لمستقبل يمكن أن يكون له فيه دور ما، مع أن كثيرين يستبعدون هذا الأمر لأسباب عديدة.
أما الشاهد، فيبدو أنه اختار طريقة هادئة ومختلفة في معالجة الأمور، فالغنوشي وبعض قيادات "النهضة" سارعت إلى إعادة التأكيد أنها داعمة لحكومة الوحدة الوطنية، ولم يكن هدفها إبعاده من الحكومة بل هو حماية له ولمستقبل سياسي يمكن أن يتحقق إذا لم يتسرع. ويبدو أن الشاهد وجد في حليفه القوي، اتحاد الشغل، مدافعاً صلباً عنه، إذ التقى أمينه العام، نور الدين الطبوبي قبل أيام براشد الغنوشي، وأكدا معاً دعم الحكومة، ليجتمع الطبوبي بعد ذلك مباشرة بالشاهد، فيما بدا أنه نقل فحوى لقائه الأول وحمل تطمينات بمواصلة دعمه. وأكدت المصادر الحزبية لـ"العربي الجديد" أنه جرى توضيح كلام الغنوشي للشاهد وطمأنته بأن لا لا شيئاً مقلقاً في هذا الاتجاه.
ولكن كل هذه التطمينات تبقى مؤقتة إذا لم تُعالج الخلافات الحقيقية، ولم ينجح الشاهد في إعادة بناء الثقة مع عائلة السبسي ومع "نداء تونس"، وإذا لم يوضح نواياه بشكل بات وصريح لكل المتوجسين من وزير شاب قفزت أسهمه بقوة وأثبت أنه يتعلم سريعاً ويلقى إعجاباً لدى التونسيين وربما لدى غيرهم من الإدارات الغربية المهتمة بتونس، وهي كلها مؤهلات ترشحه للقيام بدور سياسي بارز في المستقبل القريب. ويبقى السؤال الذي لم يطرحه الطامحون إلى كرسي الرئاسة هو هل ينوي الشاهد الترشح بالفعل للرئاسة، وهل أن منصب الرئيس أهم من كرسي الحكومة، وهل أن الشاهد يرغب في ذلك بالفعل؟ سؤال سيكون على الشاهد أن يوضحه قريباً، ولو تلميحاً.
وقال مصدر مطلع من الائتلاف الحاكم لـ"العربي الجديد" إن كل هذه الحسابات مطروحة بالفعل، ولكن الذي لا يحسبه أحد في الوقت الحالي هو أن يكون الشاهد بالفعل مرشح "النداء" و"النهضة" للانتخابات الرئاسية المقبلة، فتلك حسابات مؤجلة لسنتين لها وضعها الخاص، ولكن ما قد يحصل خلالهما قد يبعثر كل الأوراق.