تونس... الديمقراطية

06 سبتمبر 2014

زقاق في جزيرة جربة التونسية

+ الخط -
دعكم من الانتخابات الرئاسية المصرية أو السورية، فالشبهات حولهما أكبر من أن تُعدّ وتُحصى. دعكم من الانتخابات الرئاسية الأوكرانية التي جرت في خضمّ حرب ضروس في شرق البلاد. دعكم حتى من الانتخابات البلدية والرئاسية التركية، كون استقرار أنقرة بات نموذجاً يُحتذى به في شرقٍ يرقص على وقع حمم براكين الشرق. دعكم من الانتخابات التشريعية الليبية. انظروا فقط إلى تونس، وابحثوا عن الديمقراطية هناك.
ليست تونس "مجرّد دولة عربية أخرى"، بل باتت مثالاً أعلى لمسار ديمقراطي يشقّ طريقه في عالم دمويّ، على الضفّة المنسية من البحر الأبيض المتوسط. نجحت البلاد في لملمة أي تداعياتٍ سلبيةٍ، قد تنجم عن فراغ سلطوي بعد ثورة 2011، ورسمت خارطة طريق عابرة للخلافات السياسية والحزبية، اتفق عليها الجميع. في الواقع، تؤدي تونس دوراً رائداً كان مُنتظراً من لبنان.
صحيح أن الحواجز الكثيرة كانت قاسية على التونسيين، غير أنها لم تكن مبرراً لولادة "داعش" أو أشباهها، أو السقوط في محظور الجار الليبي الذي يعاني من الانقسامات المناطقية والإثنية. وضعت البلاد نصب عينيها هدفاً واحداً: العبور نحو دولة جديدة، بعيدة عن مخلّفات الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، وأقرب إلى الحداثة التي تغنّت بها طويلاً. وإذا كان يتوجّب على العرب التمثّل بأحدٍ للسير على الخطى الديمقراطية، فليتمثلوا بتونس، لا بفرنسا وألمانيا وبريطانيا، في حال كانت ديمقراطيتهم "صعبة التطبيق" في ديارنا. ليتمثل العرب ببلادٍ تشبههم، وتملك البيئة الاجتماعية المشابهة لبيئتهم، وتنتمي إليهم.
وقد يكون لبنان أول البلدان، وأبرزها، في ضرورة اختبار المسار التونسي. فالبلد الذي كان سبّاقاً في الديمقراطية، ونشرها وسط غابة من الأنظمة الديكتاتورية، اعتاد على فكرة "رفض الديمقراطية"، التي أرستها الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990) أولاً، ثم تفكيك الديمقراطية بالكامل ثانياً، بفضل الاحتلال السوري والرضى السعودي برعاية أميركية. وظهرت مساوئ عدم تطبيق الديمقراطية في لبنان، مرات كثيرة، لغياب القانون الانتخابي السليم الذي يكفل تمثيل جميع الفئات اللبنانية. اليوم، باتت البلاد تعيش على مسلسل تمديديّ لا ينتهي في السياق البرلماني، وعلى فراغٍ رئاسي هو الثاني من نوعه، في جمهورية ما بعد الانسحاب السوري من البلاد في أبريل/نيسان 2005.
ثاني تلك البلدان، قد تكون ليبيا بالذات، والتي يتوجب عليها التأثر بالعدوى التونسية، للخروج من مأزق الصراعات العسكرية، التي قد لا تنتهي قبل إنزال قوات أممية فيها، بموجب الفصل السابع. ولا يجب أن تتوقف الأمور عند هذا الحدّ، بل على السبحة أن تكرّ من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، فالديمقراطية تبقى، دائماً، خطوة أولى نحو عدم إلغاء الآخر وتقبّله، وسينعكس ذلك تباعاً على كل مستويات الحياة اليومية. ربما هو كمالٌ في مثل هذا الوقت، لكنه واقع فعلي.
ثالث تلك البلدان قد يكون السودان الذي لم يجد حواره المنشود طريقه إلى التنفيذ، لعلّ البلاد تخرج من أزمة ما بعد الانقسام بين سودان وجنوب سودان. وربما قد يكون أحد أهم مرابض نهر النيل في أمسّ الحاجة إلى هذا الحوار، المفترض أن يرسم الخطوات الديمقراطية الضرورية لمنع تفاقم الأمور بين الحكم والمعارضة، وفي إقليم دارفور والحروب القبائلية.
وإذا كانت القافلة العربية طويلة، فإنه يُمكن أن تبدأ من مكان ما: الانتخابات البرلمانية، بغية الوصول إلى مستوى أعلى من الممارسة السياسية، تحتاجه تلك البلاد. وحتى نصل إلى هذه النقطة، يتجه ناخبو تونس، بعد أقلّ من أسبوعين، إلى صناديق الاقتراع، لاختيار مجلس نواب أساسي، بعد ثلاث سنوات تأسيسية وانتقالية، وبعدها ستُجري البلاد انتخابات رئاسية جديدة. هل نحن متأكدون أن تونس دولة عربية بالمعايير التي رسمناها لأنفسنا؟
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".