لكن إذا كانت الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي ثورة حقيقية، فإن الثورة الكبرى تكمن في إعطاء البديل الأفضل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على نحو يجعل المواطنين يستشعرون حسنات الثورة في معيشهم اليومي.
وإذا كانت ثورة الياسمين قد ركزت على إسقاط النظام، فإن المرحلة المقبلة ستكون بناء الدولة على أسس متينة تلبي مطالب الثورة، خاصة الكرامة والعدالة الاجتماعية.
وإذا كان الرهان الآن سياسياً بالأساس، فإنه سينقلب بعد تنصيب الرئيس الجديد وتعيين الحكومة الجديدة اقتصادياً بالدرجة الأولى، لأن التونسيين يأملون أن يستتبع النجاح السياسي ازدهاراً اقتصادياً.
سيجد من يختارهم الشعب التونسي لتسيير شؤون البلاد خلال الفترة المقبلة، أنفسهم أمام اختبارات صعبة لا تحتمل التأخير أو التأجيل في المجال الاقتصادي.
الاقتصاد التونسي في وضع كارثي، على حد وصف حسين الديماسي، الذي تولى حقيبة وزارة المالية في حكومة حمادي الجبالي، وضعٌ سيتوجب إجراءات عاجلة وشجاعة ستكون لها، يقينا، تداعيات على قُفة المواطن التونسي من قبل رفع الدعم عن المحروقات، رغم تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية، في حال تقرر المضي قدما في هذا الاتجاه، فإن الخيار الوحيد المتاح ينحصر في منح دعم مباشر للفقراء.
وقد تحقق تونس سبقاً عربياً آخر في هذا المجال، فإلى حدود الساعة، لم تنجح أي دولة عربية في تحقيق هذا الإنجاز.
ستكون الحكومة المقبلة محظوظة إذا استطاعت أن تنتزع فترة "سماح"، عاماً أو حتى بضعة أشهر، من الاتحادات العمالية، ذات الثقل القوي في صناعة القرار السياسي والاقتصادي في البلاد، وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر قوة عمالية تونسية.
إذا وافقت النقابات على وقف التصعيد، ولو مؤقتا، خاصة في قطاع المناجم ذي الطابع الاستراتيجي في البلاد، فسيمنح ذلك متسع وقت للحكام الجدد لترتيب الأوراق قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات لبحث سبل الاستجابة لمطالب عمالية تراوح مكانها منذ مدة ليست باليسيرة.
خارجيا، سيكون النجاح في إجراءات انتخابات حرة ونزيهة نصرا كبيرا سيرتقي بالتصنيف الائتماني لتونس، ويزيد الثقة في اقتصادها ومستقبلها.
ويتعين استثمار هذا النصر على واجهتين أساسيتين، أولاهما الترويج، وعلى نطاق واسع، لتونس الجديدة بهدف كسب ثقة المستثمرين، محليين وأجانب.
أما الواجهة الثانية، فتخص البحث عن أكثر السبل نجاعة لاستغلال هذا الحدث التاريخي للحصول على الأموال الكافية لتنشيط الاقتصاد التونسي لرفع تحديات مواجهة البطالة والفقر والحد من الفوارق الاجتماعية.