"أجبرتُ على الوحدة والانفراد لأنني لم أحصل على شيء سوى المعاناة". في خفايا هذه الوحدة يعيش محمد أمين ورفلي (21 عاما) الانكسار والهزيمة.
ولد "ورفلي بالكاف" في أحضان ريفية وكان يعيش حياة نشيطة مليئة بالطاقة والحيوية والرياضة. لكن حصل قبل أربع سنوات ما غيّر هذه الحياة نهائياً. فقد وقع ضحية حادث سير بين سيارة وشاحنة خلال مرافقته أحد الأصدقاء.
قلبت هذه الحادثة حياته. ومن وقتها وهو يتلقى العلاج في "معهد محمد القصاب للجبر وتقويم الأعضاء" في ولاية منوبة. أبعدته الحادثة عن عائلته وعن مقاعد الدراسة ليعيش حرمانا كان الظالم فيه لحظة طيش لم تقتله، ولكنها قتلت أشياء جميلة في حياته. أصبح يخشى اليوم من أن يصبح المستشفى واقعه الذي يجب أن يقبل به .
محمد أمين ورفلي هو من بين آلاف الجرحى الذين تخلّفهم حوادث الطرقات سنويا. وقد وصل عدد حوادث السير في تونس إلى 9339 حادثا خلّف 1623 قتيلا بمعدل أكثر من أربعة قتلى يوميا، وفق إحصائيات "المنظمة العربية للسلامة المرورية".
وأفادت إحصائيات أصدرتها وزارة الداخلية التونسية أنّ حوادث الطرقات سنة 2013 خلّفت 1499 قتيلا و13458 جريحا. وبلغ العدد الإجمالي لهذه الحوادث 8809 حادثا. ومقارنة بسنة 2012 فقد تراجعت الحوادث بنسبة 5.8 بالمئة، أمّا عدد القتلى فقد تراجع بنسبة 7.6 بالمئة، والجرحى بنسبة 4.9 بالمئة. وتسبب الإفراط في السّرعة في أعلى عدد للقتلى بنسبة 16.1 بالمئة.
علي، جريح آخر التقته "العربي الجديد" في المستشفى ذاته، وهو أكثر المستشفيات التي تستقبل جرحى حوادث الطرقات في تونس.
أصيب علي منذ ستة أشهر إصابة بالغة على مستوى الساق جعلته يجري أكثر من عملية جراحية، ومن وقتها وهو أسير السرير. كان يقود سيارته بسرعة عالية رغم أن الطرقات كانت شبه مظلمة عندما وقع الحادث. يتحسّر على لحظة طيش جعلته حبيس المستشفى طيلة هذه المدة.
ويشارك علي في الغرفة، صالح. وهو خمسيني تعرّض بدوره إلى حادث سير خلال عودته من العمل ليلا، إذ دهسته سيارة فيها شبان كانوا في حالة سكر. يمكث صالح بدوره في المستشفى منذ ما يقارب الخمسة أشهر .
سُجّل خلال شهر فبراير/ شباط الماضي في تونس وقوع 469 حادث سير خلّفت 98 قتيلا و732 جريحا. وتظهر هذه الأرقام انخفاض عدد القتلى بنسبة 5.77 بالمئة، وانخفاض عدد الجرحى بنسبة 26.06 بالمئة، وعدد الحوادث بنسبة 27.51 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية. ووقعت أكبر حصيلة من الحوادث في تونس العاصمة بنسبة 16.20 بالمئة.
يؤكد عضو المكتب التنفيذي في "الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات" عماد الطويل لـ"العربي الجديد" أنّ وسائل النّقل العام تتسبب في أعلى نسبة من حوادث الطرقات، حيث تسببت سنة 2012 في 1534 حادثا أدت إلى وقوع 232 قتيل أي ما يعادل 16 بالمئة من إجمالي الضحايا المقدر عددهم بـ1623 قتيلا.
كما أكدت "الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات" أنّ تونس باتت تحتل المرتبة الأولى عالميا في عدد حوادث السير وضحاياها، وأن أكثر الحوادث تسجل خلال فصل الصيف (شهرا يوليو/تموز وأغسطس/آب خصوصا)، لافتة إلى أن أهم أسباب هذه الحوادث تعود إلى السرعة المفرطة والقيادة تحت تأثير الكحول.
وتشدد الجمعية على أنّ حوادث الطرقات تكلف المجموعة الوطنية التونسية خسائر تقدر بـ 700 مليون دينار سنويا.