تونس.. إعدام مع وقف التنفيذ

28 مايو 2015
ارتفعت الأصوات المطالبة بتطبيق الإعدام بعد تصاعد عمليات الإرهاب
+ الخط -

"عقوبة الإعدام في تونس، موضوع مؤجل إلى حين"، هذا ما يقوله كثيرون في بلد أبقت على العقوبة، لكنها لم تطبقها منذ قرابة الربع قرن.

وعقوبة الإعدام غائبة عن حديث الشعب والإعلام والحقوقيين لكثرة القضايا الراهنة، لكنها لا تنسى، أبداً، ويكفي وقوع جريمة خطيرة أو حكم بالإعدام داخل تونس أو في البلدان المجاورة لإثارة الجدل مجدداً.

أخيراً عاد الموضوع إلى الواجهة بعد أحكام الإعدام التي أقرّها القضاء المصري في حق الرئيس المعزول، محمد مرسي، فضلاً عن أكثر من مئة متهم آخرين.


ما تزال تونس، كمعظم الدول العربية، تعتمد عقوبة الإعدام، حيث وردت على رأس العقوبات الأصلية حسب الفصل الخامس من المجلة الجزائية، وكذلك في مجلة المرافعات والعقوبات العسكرية بموجب الفصل 62. كما أن دستور تونس الجديد الذي صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي فى يناير 2014 أبقى على عقوبة الإعدام في فصله 22 من الباب الثاني الخاص بالحقوق والحريات على الرغم من إقراره بكون الحق في الحياة مقدساً.

"الحق في الحياة مقدس، لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون"، كان هذا المقترح الذي حاز أغلبية الأصوات في جلسة عامة، في السادس من يناير السنة الماضية، إذ صوت 135 نائباً لصالح الإبقاء على عقوبة الإعدام وساند 11 نائباً إلغاءها واحتفظ 28 نائباً بأصواتهم.

لم يتفق نواب المجلس حينها على إضافة عبارة "ويحمي القانون هذا الحق ولا تجوز عقوبة الإعدام" على الرغم من الجهود التي بذلها المناهضون للعقوبة في تونس في تلك الفترة وعلى الرغم من العريضة التي وقع عليها سبعون نائباً.

وصوّت عديد النواب مع إبقاء عقوبة الإعدام لاعتبارات مختلفة، بعضها شرعي، فيما اعتبرها بعضهم الحل الوحيد للردع في بعض القضايا.

تقول المحامية، سناء المرسني، وهي نائبة في المجلس الوطني التأسيسي وفي مجلس النواب الحالي عن حركة النهضة لـ"جيل العربي الجديد"، إنها صوّتت ضد الإلغاء لأن "تحقيق الردع ضروري ولو بعقوبات تصل إلى حد الإعدام، وذلك في عديد القضايا خصوصاً الجرائم الإرهابية". وتضيف "نحن الآن بصدد مناقشة مشروع مكافحة الإرهاب في لجنة التشريع العام في مجلس النواب، وهناك مطالب من النواب بضرورة تضمين عقوبة الإعدام باعتبارها لم تدرج في المشروع الأوّلي الذي طرح علينا".

لكن مناهضي العقوبة يؤكدون أن الحكم بالإعدام عقوبة "قاسية" فيها "انتهاك للحق في الحياة"، وهي لا تساهم في الحد من الجريمة، كما أنه عقاب فاقد للبعد الردعي والإصلاحي، ولا يمكن التراجع فيه على عكس المؤبد ما إذا ثبتت براءة المتهم.


في هذا الإطار يتحدث المحامي والعضو السابق في الفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية والنائب في المجلس الوطني التأسيسي، رابح الخرايفي، لـ"جيل العربي الجديد" قائلاً "اشتغلت فترة طويلة قصد إلغاء هذه العقوبة وصارحنا الشعب بوجوب ذلك وخلقنا جواً مناسباً لإثارة الموضوع، لكن تطور الأحداث في تونس، أخيراً، وتصاعد الإرهاب والقتل العشوائي والانفلات الأمني وتعدد جرائم القتل المركزة على الأطفال والنساء أدى إلى تراجع هذه المطالب، بل العكس ارتفعت الأصوات المطالبة بتطبيق حالات الإعدام، خصوصاً فيما يتعلق بالإرهاب، ووجدنا مواجهة إعلامية كبيرة".

وتأسس في تونس سنة 2007 "الائتلاف الوطني التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام" وقام منذ ذلك التاريخ إضافة إلى عديد المنظمات الحقوقية، كمنظمة العفو الدولية والمنظمة الدولية لمناهضة التعذيب بأنشطة وحملات من أجل إلغاء عقوبة الإعدام. 

كان العمل بعقوبة الإعدام متفاوتاً في تاريخ تونس فخلال القرن التاسع عشر زمن حكم البايات، طبق الحكم على نطاق واسع ودون أي تناسب، أحياناً، بين الجرائم المرتكبة والعقوبة. منذ الاستقلال سنة 1956 وإلى سنة 1991 يقدر عدد المعدمين لأسباب سياسية 129 شخصاً، ونفذت أغلب الأحكام خلال فترة حكم بورقيبة، ويكون تنفيذ الحكم بالشنق إذا كان الحكم صادراً عن محاكم الحق العام أو رميّاً بالرصاص في حالة المحاكمات العسكرية.

"كانت عقوبة الإعدام تنفذ أساساً في الخصوم السياسيين لبورقيبة. انطلق ذلك من خلال المحاكم الشعبية سنة 1956 بمحاكمة اليوسفيين ثم تنفيذ حكم الإعدام في منفذي عملية 1962(محاولة انقلاب 1962) وتتالت فيما بعد مع مجموعة قفصة (محاولة انقلاب ثانية سنة 1980) إضافة إلى بعض جرائم الحق العام التي تعود أسبابها إلى القتل العمد والاغتصاب باستعمال السلاح".

أما تنفيذ الإعدام الأخير في جرائم الحق العام، فكان في حق ناصر الدامرجي المعروف بـ"سفاح نابل" والذي قام بقتل 14 طفلاً بعد اغتصابهم سنة 1991، ومنذ ذلك التاريخ لم ينفذ أي حكم إعدام في تونس.


هكذا، إذاً، لم تلغ عقوبة الإعدام في تونس، لكنها لا تنفذ، وهو ما خلق إشكالاً بالنسبة للمحكومين بالإعدام باعتبارهم لا يتمتعون بحقوق السجين وامتيازاته ويعيشون في ما يعرف بـ"أروقة الموت".

لكن الرئيس السابق، محمد المنصف المرزوقي، قام بتحويل عقوبات الإعدام في 123 سجيناً إلى أحكام بالسجن المؤبد، وساهم ذلك في تحسين ظروف إقامتهم داخل السجن ومنحهم فرصة زيارة الأهل والأصدقاء.

وصوتت تونس في شهر ديسمبر/كانون الأول 2012 لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف تنفيذ أحكام الإعدام عالميّاً.

(تونس)

المساهمون