أكثر من ثلاث سنوات مرّت على صدور أوّل مرسوم بعد الثورة التونسية يتعلّق بالعفو التشريعي العام الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، والقاضي بضرورة صرف تعويضات للمستفيدين من ذلك العفو، وانتدابهم في الوظيفة العمومية. مع ذلك ما زال المئات اليوم ينتظرون تمكينهم من حق التشغيل والإدماج في الوظيفة العمومية.
وهذا المرسوم من أكثر المراسيم التي أثارت جدالاً، بين رافضي تلك التعويضات بدعوى أنّها تثقل كاهل الدولة وبين من يرى أنها رد للاعتبار لكل من تعرّض للقمع في زمن الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، وحُرم من حقه في الشغل. وتقول بعض الآراء بعدم جواز التشكيك في حق المساجين السياسيين سابقاً - مهما كان انتماؤهم - في أن يُردّ إليهم الاعتبار بعد سنوات القمع التي عاشوها، سواء في السجون أو خارجها، في زمن حكمي الرئيسين السابقين، الحبيب بورقيبة وبن علي. كذلك لا يمكن نفي حقهم في الحصول على تعويض مادي يرد إليهم الاعتبار ويصلح ضرر الظلم والاضطهاد والتعذيب الذي أصابهم بسبب مواقفهم السياسية أو الإيديولوجية. ومثل هذه التعويضات سبق وعُمل بها في دول عدة شهدت ثورات.
في المقابل، رأت أطراف أخرى عديدة أنّ موارد الدولة لا تسمح بصرف تعويضات للسجناء، الذين استفادوا من العفو بعد الثورة، ومنهم من رأى ضرورة تأجيلها إلى حين استرجاع الاقتصاد التونسي عافيته. لكن هؤلاء لا يعارضون ضرورة انتدابهم في الوظيفة العمومية، وضرورة إعادة السجين السياسي إلى عمله السابق، ومنحه أجر السنوات، التي ابتعد فيها عن عمله. وبين هذا وذاك ما زال المئات ممن شملهم العفو، ينتظرون حقهم في العمل على الرغم من صدور قرارات انتدابهم في الوظيفة العمومية.
هيكل المنّاعي اعتقل في عام 1998 حين كان طالباً جامعياً على خلفية نشاطه السياسي في حزب العمال الشيوعي، وقد حكم عليه بالسجن سنة ونصف السنة. شمله العفو التشريعي كغيره من النقابيين والسياسيين وانتدب للعمل في وزارة التشغيل، إلا أنه سرعان ما أوقف عن العمل بسبب عدم حصوله على "بطاقة عدد 3".
وهذه البطاقة التي تصدرها وزارة الداخلية، تحتوي على السيرة العدلية للمواطن، لتفيد بالسوابق العدلية. ويحصل عليها "نظيفة" فقط من لم تتجاوز فترة توقيفه ستة أشهر. وكثيراً ما كان يحرم من هذه البطاقة كل من كان ينشط نقابياً أو سياسياً في زمن بن علي ويُصار إلى توقيفه وسجنه. وهذه البطاقة ضرورية في ملف كل من يترشح إلى الوظيفة العمومية.
اقرأ أيضاً: التونسيون ينتظرون الحلول
وهؤلاء الذين يشملهم العفو التشريعي العام، لم يحصلوا على تلك البطاقة، أو حصلوا عليها وقد ذكرت فيها السنوات التي قضوها في السجن.
ويقول المنّاعي إنه "يواصل العيش في ظروف اجتماعية صعبة بعدما بقي ملف العفو التشريعي العام محلّ جدال خاضع للتجاذبات السياسية".
فائز سليماني يعاني المشكلة نفسها. على الرغم من صدور قرار انتدابه في وزارة العدل، إلا أنّه لم يتمتع بحقه في العمل إذ لم يحصل على "بطاقة عدد 3" نظيفة. وكان قد أوقف لمدة سنة على خلفية نشاطه السياسي وانتمائه إلى الاتحاد العام لطلبة تونس. ومئات من أمثاله ينتظرون صدور تلك البطاقات حتى يتمكنوا من الالتحاق بمراكز عملهم.
إلى ذلك، ما زال هؤلاء، الذين انتدبوا في العمل، ينتظرون الترقيات التي لم تشملهم، على الرغم من أن المرسوم نصّ على ضرورة تمكينهم من الترقيات، على غرار نظرائهم في الوظيفة نفسها. وقد نصّ أيضاً على إعادة الأعوان العموميين المشمولين بالعفو العام، باختلاف أوضاعهم الإدارية، إلى العمل الذي كانوا يشغلونه قبل انقطاعهم.
من جهة أخرى، ما زال المئات من الذين استرجعوا حقهم في الشغل، يعانون من تدنّي الدخل، من أمثال إسماعيل القطاري، الذي انتدب في وزارة المرأة. فدخله لا يتجاوز 500 دينار تونسي (300 دولار أميركي) في الشهر، في حين أنه متزوج ويدفع إيجاراً شهرياً قيمته 280 ديناراً (150 دولاراً). وهو مذ دخوله العمل، لم يحصل على أيّة ترقيات. كذلك لم تصرف أية تعويضات لمن يعانون من أوضاع اجتماعية صعبة.
تجدر الإشارة إلى أنّ رئاسة الحكومة أقرّت، طبقاً لأحكام القانون عدد 4 لسنة 2012 والمتعلق بالأحكام الاستثنائيّة للانتداب في القطاع العمومي، وطبقاً لأحكام الأمر عدد 833 لسنة 2012، تدخّلات عاجلة لفائدة عدد من المشمولين بالعفو العام ذوي الدخل المحدود أو المنعدم والحالات المستعجلة، عبر صرف منحة تدفع على أقساط مع تمكينهم من التغطية الصحيّة ومساعدتهم على توفير ظروف الحياة الكريمة.
اقرأ أيضاً: جدال تونسيّ حول مكافحة الإرهاب