تونسية تطلب استعادة طفلتيها من "داعش" ليبيا

23 فبراير 2016
رحمة وغفران (العربي الجديد)
+ الخط -
"ذات ليلة، فتحت طفلتاي باب منزلنا على مصراعيه صارختين: الصدقة تدفع غضب الله، فتدفق المارة وأفرغوا البيت من كل محتوياته، حملوا الأثاث والمفروشات، والثلاجة والتلفاز، وحتى ملابسي، لم يبق شيء، عدت إلى البيت منهكة بعد يوم عمل شاق، لأجده فارغا، نمت يومها، و3 من أطفالي، على الأرض، أما رحمة (18 سنة) وغفران (17 سنة) فكانتا في غمرة السعادة للالتحاق بتنظيم داعش".

هكذا روت ألفة الحمروني، أم الطفلتين رحمة وغفران، تفاصيل المأساة التي غيرت حياة أسرتها بعد انضمام ابنتيها إلى تنظيم الدولة "داعش" في ليبيا، لتتحولا من متفوقتين في دراستهما إلى ارهابيتين مطلوبتين من قبل وزارة الداخلية التونسية.

تقول الحمروني لـ"العربي الجديد": "كانت حياتي عادية، لدي 5 أطفال، رحمة من مواليد 1998، وغفران 1999، هما أكبر أبنائي، وتعتبران زهرتي البيت كما يحلو لي أن ألقبهما".

أقامت الأسرة في محافظة سوسة، في الساحل التونسي (140 كلم عن العاصمة)، لكن تغيرت حياتها عندما وقع الطلاق بين الأم والأب، كان الأبناء يقيمون تارة في سوسة رفقة الأم، وتارة أخرى في المنستير رفقة والدهم.

تؤكد الأم أن غفران تحب الحياة، وكانت دائما تتباهى بجمالها، وترتدي آخر صيحات الموضة، وتحلم بالانضمام إلى الشرطة، أما رحمة، فكانت شخصيتها قوية، وتحلم أن تصبح جرّاحة، وأنهما انخرطتا منذ الطفولة في فرقة للرقص.

لم تخف الأم أنها كانت قاسية على ابنتيها، ظنا منها أنها طريقة التربية الأنسب، ودائما تسألهما عن أدق التفاصيل، ثم اضطرتها الظروف إلى العمل كمعينة في ليبيا، ورغم ذلك كانت دائما تتابع تحركاتهما في تونس، ولكن ساءها انخراط رحمة في ما يسمى بـ"عبدة الشيطان".

بعد الثورة التونسية، وتحديدا عام 2012، لاحظت الأم تغيرا في سلوك ابنتيها، وكانت البداية بترددهما على المخيمات الدعوية، هناك كان الاستقطاب، ولبست الطفلتان النقاب، ثم ترددتا على أحد المساجد الذي يؤمه متطرفون.

كانت الأم سعيدة، معتقدة أن طفلتيها ابتعدتا عن الطريق السيئ، وأن سلوكهما سيتغير نحو الأفضل. مضيفة أن نساء غريبات بدأن في التردد على بيتها، لتلقين ابنتيها دروسا في الدين. تقول "كانتا تخجلان من ملابسي، لأن تديني عادي ولا أرتدي ملابس فضفاضة، أو أضع النقاب مثلهما، ثم حاولتا التأثير عليّ لنسافر جميعا إلى سورية، وطلبتا مني الزواج من أميرهن".

وتضيف: "كانتا ترفضان شراء ملابس جديدة وتطلبان مني عدم تبذير الطعام، في الحقيقة أخافني كثيرا سلوكهما، وقررت التصدي لهما، فكنت أخفي ملابسهما الغريبة، لأفاجأ بأضعاف ما أخفيه، كنت أحرق الكتب المتشددة فتجلبان غيرها، عشت صراعا ضد الأفكار التي حملتاها لكني فشلت في التصدي لهما، لقد اختارتا طريقهما وأصبحتا تفكران في القيام بعمليات انتحارية".

وتؤكد الأم أنها قررت الانتقال إلى ليبيا، للابتعاد عن المنطقة التي تقيم بها، ولكن بعد مضي 3 أشهر، هربت رحمة والتحقت بمعسكرات القتال في ليبيا، وكانت غفران تستعد للهرب أيضا وإقناع شقيقتها الصغرى (11 سنة) بالفرار معها.

أبلغت الأم قوات الأمن في تونس بقصة بناتها، وكيف أن غفران كانت تنوي الالتحاق بشقيقتها، ورغم ذلك لم يتم التصدي للأمر بجدية، وبعد سلسلة تحقيقات خضعت لها الأسرة، نجحت غفران في الفرار إلى ليبيا، والالتحاق بالتنظيمات المتشددة.

تبين الأم، أن رحمة تزوجت من داعشي وأنجبت طفلة، وهي مقيمة حاليا في سرت بليبيا، أما غفران فلا زالت في أحد معسكرات القتال في ليبيا، وتتدرب على السلاح والعمليات القتالية.

وتوضح الحمروني أن غفران تتصل بها عن طريق "فيسبوك"، معبرة عن رغبتها في العودة إلى تونس، خاصة بعد قصف صبراتة واستهداف الإرهابيين من قبل قوات أجنبية، لكنها خائفة من السجن والعقوبات في تونس.

تقول الأم: "تمنيت السجن لبنتيّ، وزيارتهما من حين إلى آخر، على أن تنضمّا إلى داعش، أو تفجرا نفسيهما في إحدى العمليات الانتحارية، كنت آمل أن تتدخل الدولة وتمنع غفران من السفر إلى ليبيا، أو تمكينها من التوبة بدلا من الموت".

وتؤكد أن الدولة أودعت ابنتيها الصغرتين تيسير وآية، في مركز للطفولة لحمايتهما من الالتحاق بداعش.

وقالت إن الشائعات أرقتها كثيرا، فقد أشيع مؤخرا أن ابنتها غفران ماتت في الغارة العسكرية في صبراتة، وهو ما جعلها تمر بظروف عصيبة، كما أن الأقرباء والجيران يلومونها على انخراط ابنتيها في التنظيمات الإرهابية، وينظرون إليها نظرة قاسية لأنها والدة إرهابيتين.
في نفس الوقت يدفعها قلب الأم إلى عدم التخلي عن فلذتيها، وتأمل إنقاذهما واستعادتهما من التنظيم الإرهابي.

وتكشف أن طليقها يتمنى الموت لابنتيه، رحمة وغفران، ولا يسأل عنهما البتة، وأنها تتواصل مع ابنتها غفران عن طريق مكالمات هاتفية نادرة وفيسبوك، وكلما نصحتها بالتوبة تقطع الاتصال، وتعاقب من قبل المشرفين عليها في مخيمات التدريب، أما رحمة فترفض الحديث مع أسرتها.


اقرأ أيضا:الأوضاع الأمنية تدفع آلاف الليبيين للتدفق على تونس

المساهمون