تعود المصنوعات التونسية التقليدية في مشاريع خاصة تطلقها نساء تونسيات في البلاد. نفطية حرشانية، من هؤلاء، وهي لطالما أغرمَت بتلك المصنوعات منذ الصغر. تقول: "تعلمت الحرفة من والدتي وجدتي وكبيرات حيّنا. هنّ برعنَ في حياكة الصوف وصناعة الحلي والمرقوم (نوع من المفروشات) والأغطية والوسادات، ومن جهتي وجدت نفسي أنقاد إليها بشغف".
نفطية، التي تتحدّر من محافظة سيدي بوزيد (وسط غرب)، كسبت شهرة واسعة في مجال الصناعات التقليدية التونسية التي طوّرتها وحوّلتها إلى منتجات عصرية، الأمر الذي جعلها تحصد عشرات الجوائز بالإضافة إلى لقب أفضل حرفية.
وكانت نفطية قد بدأت مشروعها "من الصفر"، ورصيدها أناملها التي أتقنت الصنعة التقليدية وبعض المواد الأولية من قبيل الصوف. فهي لم تكن تملك أيّ تمويل ولم يكن أحد يساعدها، لكنّها بحسب ما تؤكد، "أصررتُ على النجاح وتطوير منتجاتي والتعريف بها من خلال المعارض والملتقيات التي كان ينظمها ديوان الصناعات التقليدية في العاصمة". وانطلاقاً من إيمانها بأنّها صاحبة رسالة، ترى ضرورة الاستمرار في إنتاج تلك المصنوعات التقليدية، لأنّها تعني "الأصالة والماضي والمستقبل"، وابتكار أفكار جديدة ومنتجات فريدة من نوعها تميّزها عن الحرفيين الآخرين في تونس.
وتصرّ نفطية على عدم التوقّف عن الإبداع، "فهذه المهنة تبعث فيّ الروح والأمل، لأنّها تذكرّني بجذوري وتاريخي. فالمرقوم، على سبيل المثال، حرفة الأجداد التي يجب ألا تندثر". لذا، عمدت إلى تطوير منتجاتها لتواكب العصر من خلال المزج بين التقليدي والعصري. يُذكر أنّها تعلّمت تلك المصنوعات وعلّمتها لأخريات من خلال دورات تدريبية.
وتأمل نفطية بأن تسوّق منتجاتها في أكبر عدد ممكن من الأسواق التونسية، في حين تنتظر لفتة من قبل الدولة إلى صاحبات المشاريع التقليدية، وخصوصاً أنهنّ يساهمنَ في الدورة الاقتصادية للبلاد.
نفطية حرشانية وشهادة من وزيرة السياحة سلمى اللومي الرقيق (العربي الجديد) |
من جهتها، برعت منية غزيل، وهي خبيرة أعشاب من العاصمة التونسية، في تصنيع منتجات تجميلية فريدة، وقد ذاع صيتها في هذا المجال. لكنّ وراء نجاح منية قصة لا تخلو من الألم، قلّما باحت بها على الرغم من أنّها مثّلت نقطة التحوّل في حياتها. وتخبر أنّها أصيبت بالسرطان وخضعت لعلاجات أدّت إلى تساقط شعرها وتغيّر ملامح وجهها، لكنّها وعوضاً عن الانغلاق على ذاتها والاستسلام، راحت تحاول اختراع منتجات طبيعية تزيل ما خرّبته الأدوية والعلاجات الكيميائية.
ومنية "مغرمة بمجال التجميل والمواد الطبيعية"، بحسب ما تقرّ، وهي منذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها راحت تتغيّب عن المدرسة لتقصد صالون تجميل لتتعلم ذلك. وتشير إلى أنّ والدتها عمدت إلى ضربها عندما اكتشفت انقطاعها عن الدراسة، "لكنّني أخبرتها بأنّ التجميل شغفي". هكذا، تمكّنت منية من التدرّب على ذلك وحصلت على تكوين وسافرت إلى الصين لدعم تجربتها والاطلاع على أخرى. وراحت منية تصنع وتطوّر منتجات طبيعية عدّة، لتكسب منتجاتها شهرة واسعة. فأسست شركة في المجال وحصلت على براءة اختراع مستحضرات مصنوعة من لعاب الحلزون لشدّ الوجه وتجميله منذ عام 2009. وعلى الرغم من محاولات تقليد عدّة، فإنّ أحداً لم يتوصّل إلى سرّ منتجاتها المعتمدة على مواد طبيعية وتونسية.
في سياق متصل، أسست الشابة التونسية ليلى الميساوي مشروع فلاحة وزراعة للزيتون والتفاح على مساحة 16 هكتاراً في محافظة القصرين (وسط غرب). عند الفجر، تبدأ ليلى عملها، فتزرع وتسقي وتزيل الأعشاب الضارة وتداوي الأغصان، ولا تعود إلى بيتها إلا مع أذان المغرب. فالعمل الفلاحي هو "كلّ حياتي"، بحسب ما تؤكد، مشيرة إلى أنّ "حلمي هو إبقاء ضيعتي خضراء دائماً فيُزرَع كلّ شبر فيها".
وليلى التي تحمل دبلوم مشاريع فلاحية، تدير مشروعها الضخم في منطقة مهمّشة، لا تتوفّر فيها الكهرباء، الأمر الذي يعوّق عمليات ضخّ المياه وري الأشجار. لكنّها، على الرغم من ذلك، لم تستسلم واعتمدت على المحروقات التي تُعَدّ تكاليفها جدّ باهظة. تقول الشابة إنّ "الأمر في البداية بدا كأنّه مزحة وراهن كثيرون على فشلي، لكنّني أصررت على النجاح وجعل ضيعتي تكبر يوماً بعد آخر في انتظار أن تغزو منتجاتها الأسواق التونسية المختلفة". يُذكر أنّها تملك اليوم 1700 شجرة زيتون و800 شجرة تفاح.
وتخبر ليلى أنّها تربّت على العمل الفلاحي، "فوالدي فلاح وبالتالي لم أجد أيّ صعوبة في ممارسة هذا العمل". ولأنّها لا تستطيع تحمّل كلفة يد عاملة مساعدة، "فأنا أعمل وحدي في مشروعي ويساعدني شقيقي في ذلك". وتؤكد أنّه "على الرغم من أنّني ما زلت في مرحلة تسديد القروض، فإنّ حبي للعمل الفلاحي وتمسكي بالنجاح هما اللذان يبقياني صامدة".