تونسيات وتونسيون بلا هوية

17 ابريل 2017
هل يملكنَ أوراقاً ثبوتية؟(Getty)
+ الخط -
قبيل الانتخابات البلدية المتوقعة في تونس، تثار قضية محورية كثيراً ما أهملت من قبل الجهات الرسمية وغير الرسمية. 500 ألف تونسي لا يملكون بطاقات هوية وطنية

لا تعرف فاطمة ماذا تعني الانتخابات ولا الديمقراطية ولا المواطنة. مذ ولدت المرأة الستينية لم تحمل أيّ وثيقة تثبت هويتها أو انتماءها إلى هذا الوطن، فهي عاشت كلّ حياتها في ريف منطقة الصعدة في محافظة جندوبة (شمال غرب تونس) من دون بطاقة هوية شخصية، ومن دون أن تدرك أهمية أن تحمل بطاقة هوية.

فاطمة من بين 300 ألف تونسية غير مدرجات في سجلات الدولة الرسمية، يُقمنَ بأغلبهنّ في مناطق نائية ومنسية في الجبال وأرياف المناطق الحدودية مع الجزائر، غربيّ تونس. وهؤلاء لا يفقهنَ ما تعنيه الحياة المدنية، خصوصاً أنهنّ عشنَ طوال حياتهنّ بعيداً عن أي تنظيم مدني أو حياة سياسية أو سجال انتخابي.

قبل عام كامل تقريباً، أعلن رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد عن الشروع في إصدار بطاقات هوية وطنية تتضمّن شريحة ذكية وكذلك جوازات سفر بيومترية، بالإضافة إلى عدد من الإجراءات الهادفة إلى ضمان أمن المواطنين وممتلكاتهم. يُذكر أنّ نحو 500 ألف مواطن لم يملكوا في حياتهم بطاقة هوية ورقية. وفي سبتمبر/ أيلول 2014 كشف رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات شفيق صرصار أنّ 500 ألف تونسي لن يكونوا قادرين على التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية آنذاك، مؤكدا أنّ اللوم يقع على سياسات نظام (الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي التي أدّت إلى عدد كبير من المهمّشين.

تجدر الإشارة إلى أنّه خلال انتخابات عام 2014 تسجّل آلاف المواطنين في قوائم الناخبين، لكنّهم لم يتمكنوا من ممارسة حقهم، إذ لا يملكون بطاقات هوية. ونظراً إلى ضيق وقت لجنة الانتخابات، بحسب ما قال رئيس الهيئة، فإنّها لم تكن قادرة على بذل مزيد من الجهد لضمّ التونسيين المهمّشين إلى العملية السياسية. وأشار إلى أنّ اللّجنة اكتشفت وجود أعداد كبيرة من التونسيين بلا بطاقات هوية خلال فترة تسجيل الناخبين، لكنّ الوقت المحدود لم يسمح بمعالجة الأمر.

وقد أكّد صرصار حينها أنّه "تفادياً لهذه المشكلة وبهدف تمكين كلّ المواطنين من حقهم في الانتخابات المقبلة، فإنّ الوزارات سوف تبذل جهوداً مضاعفة لتسليم الهويات للفئات الأضعف في تونس، خصوصاً النساء الريفيات غير القادرات على التصويت". أمّا الجهات المعنيّة التي تتولّى هذه المهمّة فهي وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة المرأة والأسرة والطفولة.



من جهته، أشار عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات رياض بوحوشي إلى أنّ 500 ألف تونسي من مختلف الفئات العمريّة (18 - 60 عاماً) لا يملكون بطاقات تعريف وطنية، موضحاً أنّ بعضهم من ذوي الإعاقة وبالتالي يواجهون مشكلة في الانتقال إلى المدن. يُذكَر أنّه على الرغم من التفاؤل حول الديمقراطية الشاملة في المستقبل، إلا أنّ الوضع ما زال على ما هو عليه، خصوصاً أنّ البلاد تستعدّ لتنظيم انتخابات بلدية.

حفصة بن حامد امرأة في الخمسينيات تعيش في عين دراهم على مقربة من الحدود الجزائرية. هي لا تملك أيّ وثيقة تدل على هويتها، حتى إنّ زواجها عقد بضمان أبويّ مثل عشرات النسوة في تلك المنطقة الجبلية. هي كذلك لا تعرف ما تعنيه مدينة أو مشاركة في انتخابات ولا تعرف حتى اسم رئيس الحكومة. هي وجميع أفراد عائلتها لم يشاركوا في أيّ انتخابات، ولا يفقهون في الحياة السياسية شيئاً، ولم يتابعوا أيّ برنامج سياسي أو انتخابي، ولم يقابلوا رجل سياسة واحداً في منطقتهم.

على الرغم من كلّ ذلك، إلا أنّه لم يصدر أي بيان سياسي من أيّ حزب من الأحزاب، يندّد بتقاعس الدولة في اتخاذ إجراءات عاجلة لمصلحة أولئك غير المدرجين في السجلات المدنية ويطالب بتنظيم حملات توعية في تلك المناطق. من هنا، تحاول جمعيات من المجتمع المدني تنظيم بعض الزيارات إلى الأرياف التونسية، حيث يكثر السكان الذين لا يحملون هويات ولا يملكون بالتالي حتى حقّ التصويت في الانتخابات.

في السياق، تؤكد رئيسة رابطة الناخبات التونسيات تركية الشابي لـ"العربي الجديد"، "وجود ضعف كبير في مجال مشاركة المرأة في انتخابات 2014، لا سيّما أنّ 300 ألف امرأة لا تملك بطاقة هوية ولم تشارك في أيّ انتخابات". وتتحدّث عن "ضرورة ضمان حقهنّ في اختيار مرشحيهنّ الأنسب، لا سيّما خلال الانتخابات البلدية المقبلة التي من شأنها أن تحدّد من هم المسؤولون الذين لديهم علاقة مباشرة بالمواطن".

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ تونس لم تنظّم أيّ انتخابات بلدية منذ ثورة 2011، وهي اليوم تتهيأ لإجراء تلك الانتخابات التي تأخرت أكثر من سنتين منذ الانتخابات الرئاسية في عام 2014. وكانت السلطات قد أعلنت في السنة الماضية أنّ الانتخابات البلدية والمحلية سوف تُنظّم في مارس/ آذار 2017، لكنّ ذلك تعذّر بسبب تأخر تعديل القانون الانتخابي في البرلمان.

وهذه الانتخابات المتوقعة من شأنها أن تجعل الدولة والمجتمع المدني والمدافعين عن حقوق المرأة أمام تحدّ كبير للدفاع عن حقّ النساء في الانتخاب والتمثيل في المجالس المحلية. كذلك، لا بدّ من تنظيم حملات للتوعية حول أهمية المشاركة في الحياة الانتخابية، لا سيّما أنّ دراسات ميدانية عدّة كانت قد بيّنت عزوف الناس عن المشاركة في الانتخابات.