توماس بيكيتي... بسّط الاقتصاد وحارب الفوارق الاجتماعية

08 يناير 2020
ما يطرحه بيكيتي من تصورات رفعه لمصاف المشاهير(فرانس برس)
+ الخط -
يمكنك أن تقرأ كتبه دون أن تكون لديك معرفة سابقة بمبادئ الاقتصاد. يبسط المعلومة إلى أقصى حد، ويوضحها بالعودة إلى التاريخ. منشغل بالفوارق الاجتماعية وكيفية الحد منها. لا يرى بلوغ ذلك ممكنا خارج تهذيب الرأسمال عبر نوع من الملكية الاجتماعية والمؤقتة عوض الملكية الخاصة بفرض ضريبة تصاعدية على الممتلكات.
ما يطرحه من تصورات رفعه إلى مصاف المشاهير، إذ يتم الإقبال على كتبه كما يقبل عشاق الروايات على كتب هاري بوتر.

يعتبر الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي من أبرز الداعين إلى تجاوز الرأسمالية في شكلها المتطرف من أجل محاربة الفوارق، الذي يراه أكبر خطر محدق بالعالم. ذلك ما يتجلى في كتابه المكون من 1200 صحفة، تحت عنوان "الرأسمال والإيديولوجيا"، الذي صدر في سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد ست سنوات من صدور كتابه "الرأسمال في القرن الحادي والعشرين"، والذي بيعت منه 2.5 مليون نسخة، وترجم إلى عدة لغات. لقد كان صدور كتابه الجديد حدثا ثقافيا يتجاوز الحدود الجغرافية لفرنسا.

رأى النور في السابع من مايو/ أيار من عام 1971 بمنطقة كليشي، من أبوين كانا مناضلين في الحركة العمالية، تفوق كثيرا في مساره الدراسي، انتقل من الرياضيات إلى الاقتصاد، وحصل على شهادة الدكتوراه ولم يكن عمره يتجاوز 22 عاما، حيث نال عليها جائزة أفضل أطروحة في عام 1993، وانتقل إلى الولايات المتحدة من أجل التدريس بمعهد التكنولوجيا ماساشوسيتس. وعاد إلى فرنسا بعد ذلك بثلاثة أعوام كي يلتحق بالمركز الوطني للبحث العلمي، ثم المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية، قبل أن يساهم في إحداث مدرسة الاقتصاد بباريس.

انشغل في أبحاثه بالإيرادات في فرنسا في القرن العشرين والفوارق وإعادة التوزيع، إلى درجة وصف نفسه بالباحث في العلوم الاجتماعية. تميزه لفت إليه انتباه مجلة "فورين بوليسي"، التي اعتبرته في 2012 من بين مائة مثقف الأكثر تأثيرا في العالم.
أبدى بيكيتي، الذي يواظب على الكتابة باليومية الشهيرة "لوموند"، اهتماما كبيرا بالسياسة، حيث عمل مستشارا للاشتراكية سيغولين روايال عندما تقدمت للانتخابات الرئاسية في 2007، وكذلك فعل مع مرشح الاشتراكيين بونوا آمون قبل عامين.

وقد دعا في الدور الثاني من تلك الانتخابات للتصويت لفائدة الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، رغم عدم مشاطرته رؤيته.
أطروحته التي تعدت أوروبا إلى الولايات المتحدة، تلقى اهتماما كبيرا من أهم الاقتصاديين الأميركيين، مثل جيمس كينيت غالبرايت وستيفن دورلوف وجوزيف ستغليتز، الذي ساهم معه في سبتمبر/ أيلول الماضي في حملة من أجل فرض ضريبة أكثر عدالة على الشركات المتعددة الجنسيات.

ويعتقد بيكيتي أن تقليص الفوارق يمكن أن يتأتى عبر وضع ضريبة تصاعدية على الملكية، ما سيساعد على خفض عدد الأثرياء وتشجيع الملكية الصغيرة ودفع الأشخاص إلى المبادرة. ويحدد مقدار تلك الضريبة، حيث يفترض أن تصل إلى 0.1 في المائة للممتلكات الصغيرة، وتقفز إلى 90 في المائة للممتلكات الكبيرة التي تتعدى قيمتها ملياري دولار.
ويؤكد أنه لا يجب انتظار أن يبلغ مارك زوكربيرغ أو جيف بيزوس تسعين عاما من العمر وينقلوا ثروتهم كي يشرع في فرض الضريبة عليهم. ويتصور أن الضريبة على الإرث ليست وسيلة جيدة من أجل مساهمة أصحاب الثروات، بل يجب اللجوء إلى ضريبة سنوية على الممتلكات.

ويدعو إلى تكريس فكرة حق الجميع في الميراث، بما يساعد على تنظيم إعادة توزيع الرأسمال.
يدافع عن فكرة مفادها الحد من تركز الرأسمال، ما يوحي له بالانخراط في نوع من الملكية الاجتماعية التي من آلياتها حضور العمال في مجالس الإدارة، حيث يدعو إلى منحهم 50 في المائة من حقوق التصويت مع حصر حقوق التصويت في حدود 10 في المائة.
عندما سئل الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد جوزيف ستغليتز، حول ما إذا كان يفضل مطلب إليزابيت وارين التي تدعو إلى فرض ضريبة في حدود 2 في المائة على الممتلكات التي تتجاوز 50 مليون دولار أم يميل لما يدعو إليه بيكيتي، أجاب بأنه يفضل ما تنادي به وارين، معتبرا أن فرض ضريبة متواضعة تتيح تفادي أن يقضي المليارديرات وقتهم في البحث عن تفادي أداء الضريبة.

منتقدو أطروحة بيكيتي توزعوا بين من يعتبر أنه شعبوي عندما يدعو إلى تقليص عدد المليارديرات والاشتراكية التشاركية، وبين من يرى أنه يبني أطروحته على الإيرادات والممتلكات ويغفل البعد الطبقي.
وهناك من سعى إلى مقارعة أطروحته عبر تناول بعض تحليلاته، فعندما يؤكد أن الفوارق ليست اقتصادية أو تكنولوجية، بل إيديولوجية وسياسة، يرد إيريك بيشي، الخبير في الممتلكات العقارية، بأن بيكيتي يغفل أن الابتكار التكنولوجي ساهم في ظهور ثروات كبيرة، مثل تلك التي راكمها مطلقو "غوغل" و"فيسبوك".

دلالات
المساهمون