توقيفات الجزائر: تحقيق العدالة فقط أم تصفية حسابات؟

14 يونيو 2019
تم وضع سلال في السجن أمس (بلال بن سالم/Getty)
+ الخط -
تشهد الجزائر تطورات متسارعة في قضايا مكافحة الفساد وملاحقة رموز النظام السابق، شملت سجن رئيسين سابقين للحكومات هما أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال فضلاً عن اعتقال قيادات عسكرية سابقة آخرها الجنرال علي غديري بتهمة الإخلال بواجب التحفظ قبل أن يطلق سراح الأخيرأمس، بعد إلزامه بعدم خرق واجبات التحفظ والتعرض للجيش والمؤسسة العسكرية، لتغطي بذلك على التطورات المتصلة بالحراك الشعبي والأزمة السياسية. وعلى الرغم من الاحتفاء السياسي والشعبي بالقرارات القضائية، فإن ذلك لم يمنع بروز مخاوف من أن تكون هذه القرارات ذات طابع استعراضي يستهدف إرضاء الشارع أو لدوافع انتقامية.

وتم توقيف أويحيى أول من أمس الأربعاء وسلال أمس الخميس وإيداعهما السجن، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجزائر، بتهم فساد وقضايا جرّت عدداً من الوزراء والمسؤولين في النظام السابق. إذ يلاحق القضاء الجزائري، إضافة إلى أويحيى وسلال، أكثر من 18 وزيراً في الحكومات السابقة، يشغل ثلاثة منهم مناصب في الحكومة الحالية. كما يطارد القضاء كبار رجال الأعمال من الأذرع المالية للنظام السابق، بعد قرارات اتخذها في الخامس من مايو/أيار الماضي، تتعلق بإيداع السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، وقائدي جهاز الاستخبارات الفريق محمد مدين والجنرال بشير طرطاق السجن.

وأعطت مظاهر الفرحة العارمة، التي شهدتها مختلف المدن الجزائرية مساء الأربعاء، إشارة على حجم الرضا من القرارات القضائية الأخيرة بسجن رئيسي الحكومة السابقين، وبأن السلطة، التي يمثل الجيش الطرف الأكبر ثقلاً فيها، نجحت في استرضاء الشارع وامتصاص غضب الحراك الشعبي الذي كان أبدى استياءً بالغاً في تظاهرات الجمعة الأخيرة من تعثر ملاحقة المسؤولين وبطء الإجراءات القضائية لمحاكمتهم، خصوصاً أن قضايا الفساد المتعلقة بهم ثابتة بأدلة دامغة. كما ساهمت الاعتقالات في إصلاح جزئي لصورة قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، بعد موجة استياء توجهت إلى شخصه، حيث حمله المتظاهرون مسؤولية عدم الدفع بمحاكمات رموز الفساد في النظام السابق إلى نهاياتها. كما وُصف في تظاهرات الجمعة الأخيرة بأنه "حامي العصابة"، بسبب صلاته بهم.

ويعتقد الدكتور والمحلل السياسي قوي بوحانية أن القرارات القضائية الأخيرة تمثل "رسالة طمأنة من السلطة الفعلية إلى المواطنين، بأن المسار القضائي الذي يدعمه الجيش سيسلك اتجاهه مهما كانت طبيعة وحجم الشخصيات ذات العلاقة بقضايا الفساد"، مشيراً إلى أن هذا المسار يتطلب أيضاً الإسراع في تنقية الجسم القضائي. في موازاة ذلك ترفض أطراف سياسية ومدنية عدة التعليق على القرارات القضائية، وتبدي مخاوف جدية من أن تكون التطورات الأخيرة جزءا من تصفية حسابات قديمة بين مجموعات داخل السلطة نفسها.



وفي السياق يعرب الناشط السياسي سمير العربي، عن اعتقاده في تصريح مع "العربي الجديد"، أن "هكذا قرارات قضائية هي إرضاء للشارع الذي انتفض منذ ثلاثة أشهر، والذي يطالب بمحاسبة رموز النظام، لكنها أيضاً تصب في صالح قايد صالح"، مشيراً إلى أن الأخير "يريد أن يظهر كمنقذ للجمهورية والمتحكم في السلطة ويحاول في الوقت نفسه إنقاذ النظام القائم، ومن جهة أخرى يعيد تنظيم السلطة والتحالفات داخل مركز السلطة". ويلفت إلى أن الحالة الماثلة في الجزائر في الوقت الحالي، هي جزء من صراع مستمر شهد التاريخ السياسي للجزائر محطات مماثلة له في العقود السابقة وفي منعطفات تجدد النظام. لكن القيادة العسكرية التي تمسك في الوقت الحالي بزمام الأمور، لا تبدو مهتمة بتبرير هذه الوقائع أو الدفاع عن موقفها، بيد أنها لا تُقصر من جانبها في ملاحقة وترهيب قيادات عسكرية سابقة أبدت مواقف معارضة للقيادة الحالية للجيش، على غرار توقيف القضاء العسكري قائدين عسكريين وهما الجنرال حسين بن حديد والجنرال علي غديري، الذي ترشح لانتخابات الرئاسة الملغاة في 18 إبريل/نيسان المقبل، بتهمة الإخلال بواجب التحفظ وخرق قانون أغسطس/آب 2016، الذي أصدره بوتفليقة إبان عهده للجم أي تدخل من عسكريين سابقين في الشأن السياسي. وكان غديري وبن حديد قد وجها في وقت سابق انتقادات إلى قايد صالح.

وبرأي مراقبين فإن قائد الجيش يسعى من خلال هكذا حملة إلى ترهيب العسكريين السابقين ومنع أي تدخل لهم في مسار الأحداث السياسية الحالية، والحد من أي تشويش محتمل في علاقة الجيش بالوضع السياسي الراهن والخيارات المستقبلية التي يدفع باتجاهها، ومنع استدعاء جدل المواقف حول قضايا تخص وضع الجيش وتورطه في أزمة التسعينيات الدامية، وهي الأزمة التي ما زالت تتدخل في تقدير المواقف الشعبية من المؤسسة العسكرية. وبقدر ما تتباعد القراءات السياسية للتطورات الراهنة المتعلقة بسجن وملاحقة أبرز الشخصيات السياسية والوزراء والعسكريين السابقين، فإن نقطة التقاء مركزية بين هذه القراءات تتمحور حول مفعول القرارات القضائية بالقضاء بشكل كامل على أي فرص لمستقبل سياسي أو أداء دور سياسي مستقبلاً، خصوصاً بالنسبة إلى أويحيى الذي كان يستعد للترشح للرئاسة في حال تخلى بوتفليقة عن السلطة، ورئيس حزب تجمع أمل الجزائر عمار غول ورئيس الحركة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس. ويمثل الثلاثي، بالإضافة إلى حزب جبهة التحرير الوطني، أضلع التحالف الرئاسي الذي كان يمثل الحزام السياسي لبوتفليقة ويدفع به للترشح لولاية خامسة. وهذا يعني استبعادهم كلياً من أية مسارات محتملة للحوار السياسي، وإقصاءهم من المشاركة في تصميم حل للأزمة السياسية الراهنة، ومنعهم من التشويش على الحلول السياسية والدستورية التي تسعى قوى المعارضة والحراك والمؤسسة الرسمية والجيش للتوصل لها للخروج من مأزق الانسداد السياسي الراهن في البلاد.

واللافت أن هذه التطورات تأتي أيضاً عشية تظاهرات الجمعة الـ17 من الحراك الشعبي، وهي فرصة لرصد تطور الموقف الشعبي إزاء الجيش وقائد الأركان والعدالة من جهة، وإزاء الحل السياسي والقبول بتنازلات ممكنة ومتبادلة لحل الأزمة. غير أن تزامن تظاهرات اليوم مع ذكرى "الربيع الأمازيغي" ومسيرة 14 يونيو/حزيران التاريخية للأمازيغ باتجاه العاصمة، عقب أزمة دامية في منطقة القبائل قتل خلالها 165 شخصاً، على يد قوات الدرك، وتجدد الدعوات لمحاسبة المسؤولين عن نزيف الدم حينها، قد تغلب على الاحتفاء الشعبي بسجن رموز نظام بوتفليقة وملاحقة وزرائه.