توالت سلسلة الانسحابات الدولية المؤثرة من مضمار دعم الاقتصاد والتنمية في اليمن. كان آخرها تجميد البنك الدولي عملياته في البلاد والبالغة قيمتها 900 مليون دولار، بسبب الاضطرابات السياسية والأمنية. وأشار نائب رئيس البنك، لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حافظ إبراهيم، إلى أن انعدام الوفاق بين الأطراف السياسية حول الحكومة، بالإضافة الى التدهور الأمني هما السبب وراء هذا الإجراء والذي سيستمر حتى يشهد الوضع تطوراً.
بحسب لوائح البنك الدولي، يمكن تجميد المشاريع التي تدعمها في بلد عضو، إذا باتت سلطات ذلك البلد غير شرعية حفاظاً على التمويلات من سوء الاستخدام، حيث تجري أغلب تلك المشاريع بالتنسيق والشراكة مع الحكومة المحلية.
بهذه الانسحابات وبقرار من وزارة المالية بتخفيض الإنفاق الحكومي بنسبة كبيرة على البند الاستثماري المتعلق بتوفير الخدمات الأساسية والبنية التحتية العامة، بدأت التنمية الاقتصادية في اليمن، تواجه تحديات هي الأكبر في تاريخ البلاد، المثقل بالفقر والصراعات. وظهرت حدتها منذ استقالة الرئيس المنتخب توافقياً عبدربه منصور هادي.
مساعدات مفقودة
أصدر الانقلابيون الحوثيون إعلاناً دستورياً في 6 فبراير/ شباط ألغى البرلمان اليمني، مبطلاً المرحلة الانتقالية التي توافقت عليها أغلب الأطراف السياسية، وفوض لجنة ثورية موالية لهم بإدارة شؤون الدولة. وأدى الإعلان إلى إغلاق سفارات أكبر المانحين بما فيها دول الخليج التي تساهم بنحو 50% من المساعدات التنموية والاقتصادية لليمن.
وقد قامت معظم المنظمات التنموية الدولية التابعة لتلك الدول بإغلاق مكاتبها في صنعاء لتوقِف
بذلك مشاريعها القائمة، وكان من أهم تلك المؤسسات وكالتا التنمية الدولية الأميركية والبريطانية والاتحاد الأوروبي.
بالرغم من ذلك، صرح منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يوهانس فان دير كلاو ببقاء المنظمات الإنسانية لتلبية الاحتياجات المعيشية للفقراء والضعفاء، لكن تقارير رسمية حديثه تشير إلى تلقيها تمويلات ضعيفة لا تتجاوز 56% من التمويلات التي احتاجتها خلال العام الماضي. ويتوقع محللون انخفاض تمويلات هذا العام أكثر من هذه النسبة بسبب العزلة الدولية القائمة. في المقابل، سعى الحوثيون في الفترة الماضية إلى التخفيف من وطأة تلك المشاكل، بإرسال وفود إلى طهران لتلقي الدعم في المجالات الاقتصادية والخدمية، إلا أن خبراء اقتصاديين يشككون في جدية هذا الاتفاق، ويعتبرونه مجرد مناورة سياسية.
وعود على ورق
يقول مسؤول العمليات في مكتب البنك الدولي في صنعاء نبيل شيبان، إن تقديم المعونات في اليمن يواجه عوائق تتمثل في ضعف قدرات الحكومة على استيعاب المعونات، وتردّي الأوضاع الأمنية والسياسية. ويضيف شيبان لـ "العربي الجديد" أن الوضع السياسي المضطرب وتفاقم الأوضاع الأمنية يمثلان مصدر قلق بالغ للمانحين الدوليين، حيث ساهم تصاعد أعمال العنف في نهاية العام الماضي في إبطاء تسليم المعونات وتجميدها بشكل كامل.
ويشير إلى أن هذا الواقع يعرّض اليمن لوضع لا يحسد عليه، فلديه وعود بمليارات الدولارات من المساعدات، لكنها ستبقى على الورق.
من جهته، يؤكد رئيس مركز الإعلام الاقتصادي مصطفى نصر أن تجميد مؤسسات الدولة وتخلي الممولين عن الدعم أدى إلى زيادة الانكماش الاقتصادي وتوقف الاستثمارات والاضرار بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، متوقعاً تسجيل نمو سلبي يصل إلى أقل من -12% خلال العام الحالي.
من جهته، يتوقع الخبير الاقتصادي في البنك المركزي اليمني عدنان قطينة، أن ينخفض الدعم الحكومي للمشتقات النفطية في اليمن خلال العام الحالي، بنسبة قد تصل إلى 50% تحت تأثير انخفاض الأسعار العالمية للمشتقات النفطية وانخفاض قدرة اليمن على إنتاج النفط واستمرار تخريب أنابيب تصدير النفط. ويقول لـ "العربي الجديد": سيخسر اليمن أيضاً 892 مليون دولار من عائدات النفط خلال العام الحالي، إذا بقيت الأسعار العالمية عند سقف يتراوح بين 50و60 دولاراً للبرميل.
تأتي هذه التطورات في ظل انخفاض حاد في إيرادات الخزينة العامة التي تشكل عائداتها من الصادرات النفطية أكثر من 70% من اجمالي إيراداتها، حيث تراجعت عائدات النفط العام الماضي بنحو 63% مقارنة بعائدات العام الذي سبقه.
وتبين مؤشرات المصرف المركزي أن إجمالي مبالغ القروض الخارجية المقدمة لليمن خلال عام 2014، كان أكثر من مليار دولار بالإضافة الى منح بمبلغ 209 ملايين دولار. وقد تم وقف تمويل الجزء الأكبر من إجمالي المبلغين المخصصين لتمويل الخدمات الأساسية والاحتياجات التنموية التي تستهدف الفقراء بشكل أساسي. وفي هذا الإطار، يقول قطينة: "إن من النتائج المباشرة لتوقف المساعدات الدولية، انخفاض الاحتياط الخارجي للبنك المركزي، بالإضافة إلى انخفاض حجم النشاط الاقتصادي بشكل لافت، والتسبب فس خسارة اليمن 133 مليون دولار منذ سبتمبر/ أيلول الفائت بسبب خروج الاستثمار الأجنبي، مما تسبب في رفع معدل البطالة من نسبة 37% إلى 42% خلال الخمسة أشهر الفائتة.
توقف الخدمات الأساسية
وفي أكبر أثر فوري لتجميد المساعدات وانخفاض الإنفاق الحكومي، تم إيقاف مشروع التعليم الأساسي المدعوم دولياً بشكل نهائي، بالإضافة إلى توقف ما نسبته 80% من مشاريع البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات المالية التي تقدمها مكونات شبكة الأمان الاجتماعي الحكومية التي تستهدف كافة الفئات الفقيرة في اليمن.
وقد أدت التطورات المالية الأخيرة إلى بدء انهيار ملموس للخدمات الأساسية ظهرت في بداية الشهر الحالي على شكل إغلاق مستشفيات كبرى في كثير من المدن. وتشير آخر دراسة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية إلى أن شح التمويلات الخارجية سيتسبب في استمرار تأثر أكثر من 10.5 ملايين مواطن يمني بانعدام الأمن الغذائي، وسيصاب أكثر من 850 ألف طفل تحت سن الخامسة بسوء التعذية الحاد وأكثر من 8.4 ملايين فقير من الرعاية الصحية الأساسية وحوالي 13 مليون آخرين من مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي.
ويتوقع قطينة ارتفاع معدلات الفقر بنسبة 5% على المدى القصير بسبب إيقاف المساعدات الدولية وانخفاض الإنفاق الحكومي، مشيراً إلى أن معدل التضخم زاد بنهاية نوفمبر/ تشرين الثاني بنسبة 8%.
إقرأ أيضأ: عمال الأردن: الحماية الاجتماعيّة أولاً
بهذه الانسحابات وبقرار من وزارة المالية بتخفيض الإنفاق الحكومي بنسبة كبيرة على البند الاستثماري المتعلق بتوفير الخدمات الأساسية والبنية التحتية العامة، بدأت التنمية الاقتصادية في اليمن، تواجه تحديات هي الأكبر في تاريخ البلاد، المثقل بالفقر والصراعات. وظهرت حدتها منذ استقالة الرئيس المنتخب توافقياً عبدربه منصور هادي.
مساعدات مفقودة
أصدر الانقلابيون الحوثيون إعلاناً دستورياً في 6 فبراير/ شباط ألغى البرلمان اليمني، مبطلاً المرحلة الانتقالية التي توافقت عليها أغلب الأطراف السياسية، وفوض لجنة ثورية موالية لهم بإدارة شؤون الدولة. وأدى الإعلان إلى إغلاق سفارات أكبر المانحين بما فيها دول الخليج التي تساهم بنحو 50% من المساعدات التنموية والاقتصادية لليمن.
وقد قامت معظم المنظمات التنموية الدولية التابعة لتلك الدول بإغلاق مكاتبها في صنعاء لتوقِف
بالرغم من ذلك، صرح منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يوهانس فان دير كلاو ببقاء المنظمات الإنسانية لتلبية الاحتياجات المعيشية للفقراء والضعفاء، لكن تقارير رسمية حديثه تشير إلى تلقيها تمويلات ضعيفة لا تتجاوز 56% من التمويلات التي احتاجتها خلال العام الماضي. ويتوقع محللون انخفاض تمويلات هذا العام أكثر من هذه النسبة بسبب العزلة الدولية القائمة. في المقابل، سعى الحوثيون في الفترة الماضية إلى التخفيف من وطأة تلك المشاكل، بإرسال وفود إلى طهران لتلقي الدعم في المجالات الاقتصادية والخدمية، إلا أن خبراء اقتصاديين يشككون في جدية هذا الاتفاق، ويعتبرونه مجرد مناورة سياسية.
وعود على ورق
يقول مسؤول العمليات في مكتب البنك الدولي في صنعاء نبيل شيبان، إن تقديم المعونات في اليمن يواجه عوائق تتمثل في ضعف قدرات الحكومة على استيعاب المعونات، وتردّي الأوضاع الأمنية والسياسية. ويضيف شيبان لـ "العربي الجديد" أن الوضع السياسي المضطرب وتفاقم الأوضاع الأمنية يمثلان مصدر قلق بالغ للمانحين الدوليين، حيث ساهم تصاعد أعمال العنف في نهاية العام الماضي في إبطاء تسليم المعونات وتجميدها بشكل كامل.
ويشير إلى أن هذا الواقع يعرّض اليمن لوضع لا يحسد عليه، فلديه وعود بمليارات الدولارات من المساعدات، لكنها ستبقى على الورق.
من جهته، يؤكد رئيس مركز الإعلام الاقتصادي مصطفى نصر أن تجميد مؤسسات الدولة وتخلي الممولين عن الدعم أدى إلى زيادة الانكماش الاقتصادي وتوقف الاستثمارات والاضرار بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، متوقعاً تسجيل نمو سلبي يصل إلى أقل من -12% خلال العام الحالي.
من جهته، يتوقع الخبير الاقتصادي في البنك المركزي اليمني عدنان قطينة، أن ينخفض الدعم الحكومي للمشتقات النفطية في اليمن خلال العام الحالي، بنسبة قد تصل إلى 50% تحت تأثير انخفاض الأسعار العالمية للمشتقات النفطية وانخفاض قدرة اليمن على إنتاج النفط واستمرار تخريب أنابيب تصدير النفط. ويقول لـ "العربي الجديد": سيخسر اليمن أيضاً 892 مليون دولار من عائدات النفط خلال العام الحالي، إذا بقيت الأسعار العالمية عند سقف يتراوح بين 50و60 دولاراً للبرميل.
تأتي هذه التطورات في ظل انخفاض حاد في إيرادات الخزينة العامة التي تشكل عائداتها من الصادرات النفطية أكثر من 70% من اجمالي إيراداتها، حيث تراجعت عائدات النفط العام الماضي بنحو 63% مقارنة بعائدات العام الذي سبقه.
وتبين مؤشرات المصرف المركزي أن إجمالي مبالغ القروض الخارجية المقدمة لليمن خلال عام 2014، كان أكثر من مليار دولار بالإضافة الى منح بمبلغ 209 ملايين دولار. وقد تم وقف تمويل الجزء الأكبر من إجمالي المبلغين المخصصين لتمويل الخدمات الأساسية والاحتياجات التنموية التي تستهدف الفقراء بشكل أساسي. وفي هذا الإطار، يقول قطينة: "إن من النتائج المباشرة لتوقف المساعدات الدولية، انخفاض الاحتياط الخارجي للبنك المركزي، بالإضافة إلى انخفاض حجم النشاط الاقتصادي بشكل لافت، والتسبب فس خسارة اليمن 133 مليون دولار منذ سبتمبر/ أيلول الفائت بسبب خروج الاستثمار الأجنبي، مما تسبب في رفع معدل البطالة من نسبة 37% إلى 42% خلال الخمسة أشهر الفائتة.
توقف الخدمات الأساسية
وفي أكبر أثر فوري لتجميد المساعدات وانخفاض الإنفاق الحكومي، تم إيقاف مشروع التعليم الأساسي المدعوم دولياً بشكل نهائي، بالإضافة إلى توقف ما نسبته 80% من مشاريع البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات المالية التي تقدمها مكونات شبكة الأمان الاجتماعي الحكومية التي تستهدف كافة الفئات الفقيرة في اليمن.
وقد أدت التطورات المالية الأخيرة إلى بدء انهيار ملموس للخدمات الأساسية ظهرت في بداية الشهر الحالي على شكل إغلاق مستشفيات كبرى في كثير من المدن. وتشير آخر دراسة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية إلى أن شح التمويلات الخارجية سيتسبب في استمرار تأثر أكثر من 10.5 ملايين مواطن يمني بانعدام الأمن الغذائي، وسيصاب أكثر من 850 ألف طفل تحت سن الخامسة بسوء التعذية الحاد وأكثر من 8.4 ملايين فقير من الرعاية الصحية الأساسية وحوالي 13 مليون آخرين من مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي.
ويتوقع قطينة ارتفاع معدلات الفقر بنسبة 5% على المدى القصير بسبب إيقاف المساعدات الدولية وانخفاض الإنفاق الحكومي، مشيراً إلى أن معدل التضخم زاد بنهاية نوفمبر/ تشرين الثاني بنسبة 8%.
إقرأ أيضأ: عمال الأردن: الحماية الاجتماعيّة أولاً