ومن يستمع لكلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الجمعة، عن أن "واشنطن لديها إثباتات بأن شركات روسية وتنظيم داعش يبيعون النفط للنظام السوري"، يمكنه توقُّع المزيد من العقوبات الغربية قريباً ضد شركات وأفراد روس لن تفعل سوى تعميق الأزمة الاقتصادية الروسية السيئة أصلاً بسبب انخفاض أسعار المشتقات النفطية.
وجاءت العقوبات الأميركية، بعدما نشرت "العربي الجديد" تحقيقاً، قبل أيام قليلة، يوثّق بالأرقام آليات إنتاج نفط تنظيم "داعش" وطريقة التصدير من سورية إلى العراق وصولاً إلى إسرائيل. وأتى تصريح مبعوث الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى التحالف الدولي في الحرب على "داعش"، بريت ماكورك، ليتطابق مع ما نشرته "العربي الجديد"، عن عمليات إنتاج وتهريب النفط لصالح "داعش"، مؤكّداً أهمية المنطقة الممتدة من الرقة السورية إلى الموصل العراقية في الحرب الدائرة بين التحالف الدولي والتنظيم، ومبيّناً أن تركيز قوات التحالف على هذه البقعة الجغرافية يأتي بغرض تجفيف منابع تمويل "داعش" من الحقول النفطية غربي العراق وشرقي سورية.
وكان الرد الروسي سريعاً باتهام الولايات المتحدة بممارسة ما سمّاه مسؤول روسي رفيع المستوى، بـ"ألاعيب الجغرافيا السياسية". وخلق تراشق التهم الروسي الأميركي، انطباعاً عاماً بأنّ محاولات الطرفَين لإيجاد تسوية سياسية للحرب السورية تواجه خلافات عميقة بين موسكو وواشنطن، وأنّ جوهر هذه الخلافات هو شخص الأسد.
وجاء الاتهام الأميركي لنظام الأسد بشراء النفط من "داعش"، في سياق العقوبات الجديدة التي أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، الأربعاء الماضي، عن فرضها على أربعة أشخاص، بينهم رجلَا أعمال سوريَّين وآخر روسي، وستة كيانات، بينها مصرف روسي كبير.
وأوضح بيان وزارة الخزانة الأميركية أنّ رجل الأعمال السوري جورج حسواني "يعمل كوسيط للحكومة السورية في مشتريات نفط من تنظيم الدولة الإسلامية". وأدرجت الوزارة شركته "هيسكو"، التي تملك مرافق لإنتاج الطاقة في سورية في أراض يسيطر عليها التنظيم، بتهمة شراء النفط من الأخير لصالح النظام السوري. وكان الاتحاد الأوروبي أدرج اسم حسواني على قائمة مماثلة في مارس/ آذار من العام الحالي.
كما استهدفت العقوبات الأميركية رجل الأعمال الروسي كيرسان إيليوميغنوف، وشخصاً آخر يحمل اسماً سوريّاً وجنسية روسية، هو مدلّل خوري. وقال بيان وزارة الخزانة الأميركية إنّه من مواليد حمص السورية ويسافر بجواز سفر روسي، ويملك أربع شركات أُدرجت جميعها على القائمة. أما الشخص الرابع، فهو قبرصي الجنسية ويدعى نيكوس نيكولو، يبدو أنّه أحد أهم مساعدي مدلّل خوري في قبرص، التي جعل منها خوري مقراً لمعظم شركاته.
ومن بين الكيانات التي فرضت الحكومة الأميركية العقوبات عليها، مصرف "فايننشال آلاينس" الروسي، وهو بنك تجاري مسجّل كشركة مساهمة عامة ولا تملكه الحكومة الروسية، بسبب دوره في صفقات مالية مع الحكومة السورية واثنين من الأفراد المدرجين على القائمة ذاتها وهما أيضاً على صلة بالبنك، أي خوري وإيليوميغنوف. كما تم إدراج أربع شركات أخرى معظمها مسجّل في ليماسول قبرص والعاصمة البريطانية لندن، وجميعها تابعة بشكل أو بآخر لـ"خوري" وبالتالي تستفيد منها الحكومة السورية.
وتهدف العقوبات إلى تضييق الخناق على المتعاملين مع الحكومة السورية وتنظيم "داعش" على حد سواء. وتضمّن بيان الخزانة الأميركية الجديد، تحذيراً معتاداً للمواطنين الأميركيين والكيانات الأميركية من التعامل مع الشركات والأفراد المدرجين على القائمة. وبحسب التحذير، فإنّ الوزارة تضع كل من يتعامل مع تلك الكيانات أو الأفراد تحت طائلة العقوبة.
اقرأ أيضاً: بالوثائق.. نفط داعش.. رحلة الخام المهرب إلى إسرائيل
لكن القائم بأعمال وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية، آدم زوبين، لا يعتبر التعامل مع "داعش" الدافع الوحيد للعقوبة، مشيراً إلى أنّ النظام السوري يمارس العنف والوحشية ضد مواطنيه، وبالتالي فإن الحكومة الأميركية تهدف إلى تجفيف الموارد المالية لنظام الأسد إلى جانب الموارد المالية للتنظيمات الإرهابية. وجاء في بيان وزارة المالية الأميركية الذي وقّعه زوبين، أنّ العقوبات تأتي "رداً على العنف المستمر الذي يمارسه نظام الأسد على مواطنيه"، وأنّ الشركات والأشخاص الواردة أسماؤهم في القائمة "يوفرون للنظام السوري الدعم والتسهيلات لشراء النفط، وأحدهم يعمل وسيطاً للنظام مع تنظيم الدولة الإسلامية". وشدّد زوبين في البيان، على أن الولايات المتحدة "ستواصل استهداف كل الذين يمكّنون الأسد من مواصلة ممارسة العنف ضد الشعب السوري".
وفي الردّ الروسي الأوّل على العقوبات، نقلت وسائل الإعلام الروسية عن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، قوله إنّ "على واشنطن أن تكف عن ممارسة ألاعيب الجغرافيا السياسية"، في إشارة إلى أن الإجراء الأميركي جاء نتيجة لخلافات بين الجانبين بشأن سورية، مضيفاً: "من الواضح أنّ هذه لحظة جديدة معقّدة في العلاقات بسبب أحداث سورية".
ويتفق مع هذا التفسير الروسي للإجراء الأميركي، المحرِّر في "وول ستريت جورنال"، جاي سولومون، بقوله إنّ "الخطوة الأميركية جاءت في سياق محاولات واشنطن إبعاد موسكو عن الأسد أو إجبارها على التخلي عنه بإظهار مدى العلاقة التي تربطه بتنظيم الدولة الإسلامية التي لم تأتِ موسكو إلى سورية إلّا من أجل حماية الأسد من التنظيم الإرهابي ذاته".
عقوبات أميركية سابقة
تتضمن العقوبات الأميركية الثابتة على النظام السوري منذ العام 2004، تجميداً للأصول وحظراً للتعاملات التجارية الأميركية مع النظام. ومع انطلاقة الربيع العربي عام 2011، واندلاع التظاهرات السورية التي جوبهت بالقمع، أضافت واشنطن اسم الرئيس السوري على قائمة الأفراد المستهدفين من العقوبات إلى جانب نائبه، ورئيس وزرائه، ووزيرَي الداخلية والدفاع، ومدير المخابرات العسكرية، ومدير الأمن السياسي.
وفي وقت لاحق من العام ذاته، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية خال الرئيس الأسد، محمد مخلوف، واللواء أوس أصلان على القائمة السوداء. وقبل ذلك، كانت وزارة الخزانة الأميركية فرضت عقوبات على مسؤولين إيرانيين بتهمة مساعدتهم للنظام السوري، من بينهم قائد قوات الشرطة الإيرانية، إسماعيل أحمدي، ونائبه أحمد رضا ردان. كما حدّدت مؤسسة الإسكان العسكرية باعتبارها شركة تسيطر عليها الحكومة السورية وتموّل النظام، وأيضاً المصرف العقاري الذي قالت الوزارة إنّه يدير عمليات اقتراض للحكومة.
ووسعت الولايات المتحدة لاحقاً نطاق العقوبات ضد نظام الأسد، بإضافة المصرف التجاري السوري الذي تملكه الدولة والمصرف التجاري السوري اللبناني التابع له في بيروت إلى قائمة تضم شركات جُمِّدت أصولها، كما أضافت العديد من الشركات التي يملكها النظام أو أفراد من أقارب الأسد.
عقوبات أوروبية
ويدرج الاتحاد الأوروبي عدداً من كبار المسؤولين السوريين على قائمة المستهدفين من عقوبات الدول الأوروبية، أبرزهم الرئيس الأسد وزوجته أسماء الأسد، وشقيقه قائد الحرس الجمهوري، ثاني أقوى رجل في سورية، ماهر الأسد، فضلاً عن رئيس جهاز المخابرات العامة، اللواء علي مملوك، ومدير المخابرات العسكرية عبد الفتاح قدسية. كما أدرج الاتحاد ثلاثة من قادة "الحرس الثوري" الإيراني بتهمة مساندة النظام السوري في قمع مواطنيه، وهم قائد "فيلق القدس"، قاسم سليماني، والبريغادير كوماندر محمد علي جعفري، وحسين تائب.
وتشمل العقوبات الأوروبية تجميد أرصدة وحظر السفر إلى دول الاتحاد، وحظر تصدير السلاح إلى سورية، فضلاً عن منع تجريم التعامل مع مؤسسات تجارية متهمة بتمويل حكومة الأسد، مثل شركة تسويق النفط السورية (سيترول)، وصندوق "المشرق" للاستثمار ومجموعة "حمشو" الدولية، ومؤسسة الإسكان العسكرية، وشركة "سيرياتل موبايل تيليكوم" (شركة الهواتف المحمولة الرئيسية في سورية).
كما يفرض الاتحاد الأوروبي حظراً على واردات النفط السوري، ويمنع الشركات الأوروبية من الاستثمار في قطاع النفط السوري باستثناء تلك الشركات المرتبطة بعقود سابقة. وتمنع الدول الأوروبية تصدير أي معدات لصناعة النفط والغاز السورية. ومنذ العام 2012 والدول الأوروبية تفرض حظراً على تجارة الذهب والمعادن النفيسة الأخرى مع مؤسسات سورية، كما تمنع التعامل مع قائمة طويلة من الوزراء والمسؤولين السوريين أو من يدعمون النظام ويستفيدون منه بأي شكل.
اقرأ أيضاً: روسيا ترفض عقوبات أميركية على داعمي النظام السوري