توتر درعا يتصاعد: ميدان للتنافس بين الروس والإيرانيين

30 يونيو 2020
خلافات بين النظام والفيلق الخامس (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
يكاد الجنوب السوري يتحول إلى ميدان صراعٍ مفتوح على كل الاحتمالات بين فصائل عسكرية كانت تابعة للمعارضة السورية، ثم أبرمت تفاهمات مع الجانب الروسي منذ نحو عامين، وقوات النظام، وذلك بسبب تجاوزات الأخيرة ضمن مساعيها إلى إعادة الأوضاع في محافظة درعا إلى ما قبل العام 2011، واصطدامها بالرفض الشعبي الذي تصاعد خلال العام الحالي. ويطالب أهالي درعا بالإفراج عن المعتقلين في سجون النظام، وطرد ميلشيات إيرانية تتخذ من مواقع لقوات النظام مقرات لها، في وقت يرى متابعون أن هذا التصعيد قد يكون مقدمة لمحاولات روسيا التخلص من الوجود الإيراني بالمنطقة.

وفي مؤشر إلى نيّة النظام تجاوز اتفاقات "مصالحة" مع فصائل المعارضة في جنوب سورية، أبرمت برعاية روسية في العام 2018، دعا خالد العبود، وهو عضو في "مجلس الشعب" (البرلمان) التابع للنظام، إلى نسف تلك التفاهمات، التي أفضت الى تسليم محافظتي درعا والقنيطرة للنظام من دون قتال. وزعم العبود، المتحدر من ريف درعا، أن النظام "قدّم جميع التزاماته تجاه أبناء (المحافظة) ومواطنيها"، مدعياً أن نظام بشار الأسد "حريص على استقرار هذه الجغرافيا". ووصف العبود فصائل المعارضة التي بقيت في الجنوب السوري ضمن شروط روسية بـ"أطراف الفوضى"، مشيراً إلى أن الجانب الروسي "ضمنها وقدّمها على أنها أطراف معارضة سياسية"، لكنها "لم تلتزم بما ضُمِنتْ على أساسه، فعاثت فساداً وقتلا ونهباً، ولم يسلم منها أحدٌ من أهلنا في الجنوب". كما وصف العبود هجوم مقاتلين سابقين في فصائل المعارضة على حواجز لقوات النظام نتيجة تجاوزات الأخيرة على المدنيين، بـ"العدوان"، مطالباً نظام الأسد بإعادة التفكير بالتزاماته "تجاه هذه المجموعات". كما طالب من سمّاهم بـ"الحلفاء الروس"، بـ"رفع غطائهم عن هذه المجموعات، والتعامل معها باعتبارها، كما هي في الحقيقة، أداة فوضى وقتل وسلب، وهي لا يمكن أن تكون من ضمن معادلة استقرار الجنوب وأمن أهله"، وفق زعمه.

وكان قد قتل يوم السبت الماضي خمسة عناصر من قوات النظام، واثنان من "الفيلق الخامس"، الذي تدعمه روسيا ويضم مقاتلين سابقين في فصائل المعارضة، كما أصيب آخرون، نتيجة مواجهات بين الطرفين في ريف درعا. وذكر تجمع "أحرار حوران" أنّ خلافاً نشب بين عناصر "اللواء الثامن"، الذي يقوده القيادي السابق في المعارضة أحمد العودة، والتابع لـ"الفيلق الخامس"، وعناصر من قوات النظام، وذلك على نقطة تفتيش للأخيرة قرب بلدة محجة في الريف الشمالي الشرقي لمحافظة درعا. وأوضح "التجمع" أن الخلاف أدى إلى حدوث اشتباك مسلّح، أسفر عن سقوط خمسة قتلى من قوات النظام وقتيلين من "الفيلق"، وإصابة عنصر من قوات النظام المتمركزة في النقطة. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إنّ سبب الخلاف يعود إلى توقيف نقطة التفتيش التابعة للأمن العسكري خمسة شبان لأسباب مجهولة.


ونشر "التجمع" مقطع فيديو يظهر حاجزاً لقوات جهاز الأمن العسكري التابع للنظام، على طريق الجيزة ـ كحيل، في ريف درعا الشرقي، خالياً من العناصر، بعد طردهم، السبت، من قبل قوات اللواء الثامن التابع لـ"الفيلق الخامس". كما نشر على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أمس الإثنين، صور شبان غاضين وهم يمزقون صوراً لبشار الأسد في بلدة صيدا في ريف درعا الشرقي.

وذكر الناشط الإعلامي أبو محمد الحوراني، لـ"العربي الجديد"، أن قوات "الفيلق الخامس" لا تزال تسيطر على حواجز صيدا وطريقي كحيل وبصرى الشام، مؤكداً أن التوتر سيد الموقف في محافظة درعا. ورجح الحوراني بروز تنافس بين قوات النظام ممثلة بالفرقة الرابعة، و"الفيلق الخامس"، على ريف درعا الغربي، الذي يضم طفس وحوض اليرموك وتل شهاب ومزيريب، موضحاً أن الطرفين يجنّدان مقاتلين من أبناء هذا الريف.  

وفي السياق، ذكرت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن الريف الشرقي للمحافظة شهد، أمس، هدوءاً في ظل وجود وساطة روسية لإنهاء التوتر، مشيرة إلى أن قرى وبلدات عدة في درعا شهدت، مساء أول من أمس الأحد، تظاهرات تدعو إلى إسقاط النظام والإفراج عن المعتقلين وطرد المليشيات الإيرانية من الجنوب السوري. ودخل الجانب الروسي، أول من أمس، على خط الوساطة بين فصائل المعارضة السورية التي أجرت تسويات والنظام من أجل تطويق الخلاف الذي يكاد يتحول إلى مواجهة شاملة بين الطرفين. وفي هذا الإطار، أكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن وفداً روسياً التقى، الأحد، في مدينة بصرى الشام في محافظة درعا عدداً من الوجهاء والقياديين السابقين في فصائل المعارضة السورية، لحل الخلاف الحاصل بين عناصر اللواء الثامن الذي يقوده العودة، وقوات النظام. وأكّدت المصادر أن العودة وضع انسحاب كافة نقاط تفتيش قوات النظام من الريف الشرقي لدرعا كشرط لحل الخلاف، الذي أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين في الأيام القليلة الماضية. وجاء هذا التصعيد الكبير في الجنوب السوري بعد أيام قليلة من إعلان العودة نفسه نيته تشكيل "جيش موحد" لمنطقة حوران بدرعا، يكون نواة لسورية كلها، بحسب قوله.

ويُنظر إلى العودة على أنه بات "رجل روسيا" في الجنوب السوري كلّه، حيث سلّمته وزارة الدفاع الروسية قيادة "الفيلق الخامس" الذي تشرف عليه في محافظة درعا نظير دوره الكبير في التوصل لاتفاق مصالحة عام 2018، خوّل النظام والروس استلام أسلحة المعارضة السورية في المحافظة. لكن النظام السوري لم يلتزم ببنود الاتفاق، خصوصاً لجهة إطلاق سراح المعتقلين في سجونه، بل اعتقل وعذّب حتى الموت قياديين اعتقلهم بعد إبرام الاتفاق في المحافظة، لكن الروس أحبطوا ذلك.

ويشكل انتشار الميلشيات الإيرانية في محافظة درعا تحت غطاء قوات النظام سبباً رئيسياً للاحتقان الذي ينفجر بين وقت وآخر على شكل احتجاجات وتظاهرات أو صدامات عسكرية، ما يعزز الاعتقاد لدى البعض بأن الجانب الروسي يدفع باتجاه التسريع بتشكيل هذا "الجيش الموحد" لمواجهة الوجود الإيراني في جنوب سورية.

ووفق مصادر محلية مطلعة، فإن الميلشيات الإيرانية تنتشر في مقرات فرق وألوية عدة تابعة للنظام السوري، وخصوصاً في منطقة اللجاة وفي تل الجموع وفي بلدة ازرع، وفي تل الحارة، شمال شرقي درعا. وكانت الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، ومليشيات إيرانية، على وشك اقتحام أماكن عدة في درعا، منها حي درعا البلد، في منتصف مايو/ أيار الماضي، لكن الجانب الروسي حال دون ذلك.

وبخلاف التوقعات التي تتحدث عن إمكانية أن تكون هذه التطورات بمثابة "تسخين" روسي لمواجهة الوجود الإيراني، يرى أدهم الكراد، القيادي في فصائل المعارضة السورية التي بقيت في درعا البلد وفق شروط التسوية مع روسيا، أن "إيران باقية في سورية، وفي الجنوب، برضى من روسيا وبتسهيل منها"، معرباً في منشور على "فيسبوك"، عن اعتقاده بأن الوجود الإيراني في سورية هو "ورقة تفاوض روسية"، مشدداً على أن "روسيا هي رديف لإيران".