"حرب باردة" بين أوسلو وموسكو بعد اتهام ضابط نرويجي بالتجسس

29 ديسمبر 2017
النرويج تقول إن مواطنها وقع ضحية فخ روسي (Getty)
+ الخط -
على الرغم من تأكيد المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، يوم أمس الخميس، أنّ "قضية المعتقل النرويجي بتهمة التجسس لا تؤثر على العلاقات الثنائية بين موسكو وأوسلو"، إلا أن خشية تأثير سلبي لهذه القضية على العلاقة بين البلدين باتت تلوح في الأفق، مع إصرار روسيا على روايتها باتهام النرويجي فرودا بيرغ (62 سنة)، بـ"التجسس لمصلحة استخبارات بلده ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي أي إيه)"، وبالتالي تمديد اعتقاله حتى مطلع فبراير/شباط 2018.

ففي السادس من ديسمبر/كانون الأول الحالي، زجّ بالضابط المتقاعد الذي كان يعمل على حدود البلدين، في سجن الـ"كي جي بي" (جهاز المخابرات الروسية) في موسكو، لفيرتوف، المشدّد الحراسة، بتهمة "التجسس على البحرية الروسية بمعاونة شركاء محليين".

وقدم جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (إف اس بي) رواية عن الرجل "الجاسوس" بأنه "خلال عمله ضابط شرطة على الحدود الروسية النرويجية، حتى عام 2014، أقام علاقات مع زملائه الروس، وهو في الواقع لم يكن شرطياً، بل عضوا في جهاز استخبارات النرويج".

ونقل التلفزيون الوطني "أن. أر.كي"، الأربعاء الماضي، عن محامي فرودا النرويجي بعد الالتقاء بموكله للمرة الأولى منذ توقيفه، أن "الاستخبارات الروسية تبدو متابعة لموكلي منذ فترة طويلة وقد انتظرته ليحضر إلى موسكو لتعتقله بتهمة التجسس على البحرية الروسية".

ويبدو أن "خطورة تهمة التجسس للضابط النرويجي ترتبط بتشكيله شبكة مع شرطي روسي شاب، يدعى ألكسي جتنشوك، متهم بالخيانة الوطنية، والحصول على وثائق خطيرة وصلت إلى السلطات النرويجية ولجهاز الاستخبارات الأميركية حول الأسطول العسكري البحري الروسي يمكن أن تودي به إلى السجن لعشرين سنة"، بحسب ما رشح عن السلطات في أوسلو، التي تنكر تماماً علاقة فرودا بأي جهاز مخابرات نرويجي. 


ويرى محامي المتهم النرويجي ريسنيس برينيولف، أن موكله "وقع ضحية فخ كان الأمن الروسي يعد له لمعرفتهم بأنه عمل رسمياً على الحدود بين البلدين، وقد طلب منه أحد معارفه في النرويج أن يسلم شخصا في موسكو مبلغ 3000 يورو، وقد اعتقل قبل أن يوصل المبلغ للشخص". وبالنسبة لهذا المحامي، فإن "القضية سياسية وليست تهما تستند إلى حقائق".

ويرى النرويجيون أن تهم التجسس محاولة روسية للضغط على النرويج، عضو حلف شمال الأطلسي (ناتو)، النشط في سياسات "التصدي لموسكو في البلطيق وبحر الشمال ووقوف أوسلو موقفا ثابتا ضد روسيا في سياساتها في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم".

وعلى الرغم من أن المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أكدت، أمس الخميس، أنها قضية لا تؤثر على علاقة البلدين، إلا أن النرويجيين والإسكندنافيين المهتمين عموماً بتتبع سياسات موسكو، يرونها "خطوات روسية عقابية بحق دول الشمال"، الأمر الذي أكده محامي الدفاع أيضا، اليوم الجمعة، على شاشة التلفزيون النرويجي بالقول: "نحن أمام مخطط  انتقامي".

وبالعودة إلى توتر العلاقة بين روسيا ودول الشمال، وخصوصاً في ما يتعلق بالأنشطة العسكرية الروسية البحرية و"الاستفزازات" بوصف الإسكندنافيين، فإن النرويجيين رأوا في أغسطس/آب 2016 باستطلاع قامت به "داوبلاديت" بمشاركة ألف مواطن، أن "(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين وروسيا يشكلان خطرا حقيقيا"، إذ اتفق 45 في المائة على أنه "خطر عال جدا على الأمن القومي".

وشكلت النتائج مفاجأة للروس، وحتى لمعهد السياسات في الخارجية النرويجية (NUPI). فبعد أن استطاع الروس خلال سنوات التوتر الإبقاء على نظرة إيجابية كجار في الشرق "على الرغم من الصورة السلبية لموسكو في وسائل الإعلام، إلا أن تلك النتائج شكلت صدمة لروسيا"، بحسب كبيرة الباحثين في المعهد يوليا فيلهمسن.

وتعيد قضية الاعتقال اليوم، وفقا للمراقبين في الشمال، "أجواء الحرب الباردة"، وهي ليست المرة الأولى التي توجه فيها تهم تجسس، إذ سبق لموسكو أن اعتقلت شرطي حدود إستوني واتهمته بالتهمة نفسها قبل نحو عامين، وقامت خلال العام الحالي بتوقيف وطرد صحافي نرويجي، بالاضافة إلى مضايقة التلفزيون الرسمي في نقل وقائع قرعة كأس العالم.

وتشن وسائل الإعلام الروسية حملات مستمرة على الدول الثلاث، السويد والدنمارك والنرويج، منذ أن تزايدت التوترات في أعالي بحر البلطيق ودوله مع روسيا التي تحاول فرض أمر واقع هناك.

ويكشف العارفون بضابط الحدود المعتقل اليوم في موسكو، أنه "كان نشطا في مساعدة اللاجئين الأوكرانيين خلال فترة الاشتباكات"، وهو أمر يرى فيه محاميه "محاولة روسية لإيصال رسالة ما". وتستغرب عائلة المعتقل النرويجي تهمة التجسس "فرودا بيرغ كان مدافعاً عن تحسين العلاقات مع روسيا، ومن الغريب اتهامه بالتجسس"، بحسب ما نقل التلفزيون النرويجي عن أسرته.

وخلال فترة الحرب الباردة شكلت النرويج، على الرغم من عضويتها في حلف شمال الأطلسي، نقطة توازن بين الشرق والغرب، حيث لم تضم أراضيها قاعدة للجيش الأميركي حتى لا تثير الجار السوفييتي. لكن يبدو أن التوتر الذي يطل برأسه اليوم، يرده ساسة ومراقبون في دول الشمال إلى سعي روسيا لـ"اعادة سياسات أمنية وعسكرية إلى الزمن السوفييتي، توتر العلاقة أكثر مما كانت قائمة فترة الحرب الباردة، وخصوصا مع الدول الإسكندنافية الملتزمة بالدفاع عن دول البلطيق الصغيرة"، بحسب ما تذكر يوليا فيلهامسن، من معهد الخارجية في أوسلو.

ويرى مراقبون في العلاقة الروسية ـ الإسكندنافية أن "تزايد العدوانية الروسية يأتي في سياق محاولات موسكو توجيه رسائل للمعسكر الغربي، بالاستفراد هنا وهناك، وخصوصا للدور الإسكندنافي النشط في تنفيذ عقوبات تضر بمصالح روسيا الاقتصادية، كخط الشمال للغاز، والدفع بتعزيزات عسكرية نحو دول البلطيق وبولندا، ما يشكل بنظر موسكو استفزازاً".



دلالات