تواشيح رمضان: هذه سيرته وهؤلاء نجومه

22 يونيو 2015
يغنّون لرمضان في أندونيسيا (أديب برّي/فرانس برس)
+ الخط -
تُحظى التواشيح التقليدية بمساحات أكبر في السهرات الرمضانية والمناسبات المختلفة، مثل ذكرى غزوة ونصف رمضان وليلة القدر وغيرها.
ويسمّي المصريون هذا الغناء "التواشيح"، وهو يتنوّع بين "الابتهالات" و"الموشّحات". الأولى قصائد عادية يغنّيها المنشد بطريقته ولحنه، بينما الموشّح فن مميز له تقاليده الخاصة.
جاء اسم "الموشّح" من "الوشاح" الذي تتزيّن به المرأة، وتلقيه على منكبها الأيسر كما يفعل "المحرم". وهو يُنسج من الأديم المرصّع بالجواهر. وجه الشبه بينهما هو أنّ الموشّح يزدان بالقوافي المنوّعة والأوزان المتعددة. وفي الأصل فإنّ المنشد تكون له فرقته الخاصة التي تساعده في الغناء، وتسمى "البطانة".
يمكن أن نصادف أنواعاً قريبة إلى هذا النوع من الإنشاد الديني في كلّ من تركيا والشام. وفي السنوات الأخيرة برزت كوكبة من ألمع نجوم الإنشاد الديني في مصر، وجميعهم من المشايخ المحترفين في قراءة القرآن الكريم. منهم الشيخ النقشبندي والشيخ نصر الدين طوبار والشيخ طه الفشني والشيخ محمد الطوخي والشيخ محمد عمران والشيخ عبد العظيم العطواني وغيرهم.

ألف سنة

كما يتوقّع ويظنّ كثيرون فإنّ الغناء الديني في مصر ظهر خلال العصر الفاطمي. إذ لم يكن الفاطميون يتركون فرصة احتفالية إلا وملأوها بالغناء والإنشاد والاحتفال. أما "الموشّحات"، بوصفها فناً مستقلاً من فنون القول، فإنّها تعود إلى الأندلس، قبل أكثر من ألف سنة، حين كان أوّل من نظم الموشّح هو مقدم بن معافي القبري، وذلك أواخر القرن التاسع الميلادي. جاء بعده أحمد بن عبد ربه القرطبي صاحب "العقد الفريد"، ثم عبادة القزاز، في عهد ملوك الطوائف.
كان الموشَّح يُنظم كالشعر، ثم بدأت تدخله بعض الألفاظ العامية. كما أنّه قد لا يرتبط بميزان شعري واحد، ما يكسبه نوعاً من التلوين. ويصاغ على إيقاع موسيقي خاصّ يختلف عن إيقاع القصيدة القديمة. يُسمى الجزء الأوّل منه "دور" ويليه "الخانة"، وقد يتوسّطهما "السلسلة". و"قفل الموشّح" أو ما يسمّونه "الخرجة"، وهو من أهم أجزاء الموشح. وينبغي أن يكون مميزاً محكماً.

بين المديح والغزل

لم يكن الغرض الديني شرطاً من شروط الموشح القديم، بل سيطرت الغزليات عليه. وكان ابن سناء الملك (550 - 608 م.) أوّل من نظم الموشح من المصريين، ومن موشحاته: "شمس المحيا أم القمر"، و"أم بارق الثغر يا بشر".
ثم شهد القرن السابع عشر في مصر ظهوراً جديداً للموشحات، هي تلك الحلبية، حين جاء بها شاكر الحلبي" مثل موشّح من "مقام الحجاز" مطلعه: يا غزالي كيف أبعدوك / شتتوا شملي، وهجري عودوك". وموشّح من "مقام السيكا" مطلعه: "باهي الثنا لما انثنى أذرى القنا / يا عيون الغيد كفي أذرنا".
ومن أشهر الملحّنين الحلبيين أيضاً كان السيد محمد الورّاق الذي كان منشداً بالتكية الهلالية بحلب، وله كتاب مخطوط بعنوان "سلافة الحان وسفينة الألحان". ثم مع مطلع القرن التاسع عشر نشر السيد محمد شهاب الدين كتاب "سفينة الملك ونفيسة الفلك"، وهو موسوعة فنية نادرة تضم مئات الموشحات من مختلف المقامات والإيقاعات. كما لمع في فنّ الموشّحات الشيوخ عثمان الناظر وعثمان بدوي وابراهيم المغربي. أما الموشّحات التركية والشامية فكان أستاذها الأوّل الشيخ أحمد أبو خليل القباني المتوفي سنة 1902.
كانت حلقات الذكر ومحافل الإنشاد الديني يتزعّمها بعض المشايخ من أمثال: خليل محرم، وأحمد ندا، وحسن المناخلي، واسماعيل سكر، وسيد موسى. وبحسب الناقد الموسيقي محمود كامل في كتابه "تذوق الموسيقى العربية": "كانت هذه الحلقات هي المدرسة التي تعلّم فيها مشاهير أهل الفنّ أمثال: الشيخ محمد المسلوب، وسلامة حجازي، وعبده الحامولي، ومحمد عثمان، ويوسف المنيلاوي، ومحمد الشنتوري، وسيد درويش، وأبو العلا محمد، وعلى محمود، وإبراهيم الفران، وصقلت مواهبهم، وقوّت أصواتهم، ثم انصرف كثيرون منهم عن إنشاد الذكر إلى الغناء".

عباقرة الإنشاد

امتاز عدد من عباقرة المنشدين بإبداعاته خلال رمضان، منهم الشيوخ طه الفشني، وسيد النقشبندي، ونصر الدين طوبار وعلي محمود وغيرهم. وبات للتواشيح الرمضانية طابع خاصّ، حين أصبح الشهر الكريم غرضاً في حدّ ذاته. لذا نجد ابتهالات وموشّحات تشير إلى بدايات رمضان والترحيب بهلاله، وأخرى عن الاستغراق فيه تناسب أواسط الشهر، مطعّمة بأبيات توافق بعض المناسبات الخاصّة، ثم تواشيح الشوق والحنين لاقتراب فراق رمضان.
كان الشيخ نصر الدين طوبار ينشد في أوّل فجر من رمضان: "رمضان أشرِق فالدنا تتطلع / ظمأى لنور من كتابك يسطع / أيقظت قلبي فاستفاق ميمّماً / شطر الهدى يرنو إليك ويسمع". وينشد النقشبندي أيضاً: "رمضان أهلاً مرحباً رمضان/ الذكر فيك يطيب والقرآن". بينما يغنّي الشيخ محمد الطوخي: "رمضان شهر البرّ طوبى للذي / صام احتساباً للإله وقاما / وحنا على الفقراء خشية ربّه / ورعى الضعاف وأكرم الأيتاما". وفي ختام رمضان يظلّ المنشد يطعم قصائده الدينية بعبارات تقليدية منغمة مثل "اللهم تقّبل صلاتنا وصيامنا وزكاتنا". أو عباراته في أواخر أيام رمضان: "لا أوحش الله منك يا شهر القرآن، يا شهر الغفران، يا شهر الإحسان".
وكانت الإذاعة المصرية تحتفي بهذا اللون الفني بصورة كبيرة. فالملك فاروق حرص على حضوره شخصياً تسجيلات بعض كبار المنشدين والمقرئين. بدأت الإذاعة ببثّ بعض تلك الفقرات على الهواء؟ وهو من آخر التقاليد التي لا تزال الإذاعة تحافظ عليه يومياً خلال رمضان.
وما أجمل أن يستمع الناس يومياً إلى بعض التواشيح المرتبطة بأذان الفجر، يفصل المنشد بينها وبين الأذان بعبارة: "الصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله". ثم يبدأ في الأذان.
دلالات
المساهمون