تهديدات البشير لتحالف المعارضة: منع التقارب مع "الجبهة الثورية"

03 ديسمبر 2014
البشير يهدد بسجن قادة التحالف (فرانس برس)
+ الخط -

أنتجت التحركات المكوكية لتحالف المعارضة السوداني مع "الجبهة الثورية" الممثلة في الحركات حاملة السلاح وحزب "الأمة" المعارض بزعامة الصادق المهدي في أديس ابابا، التوقيع بالأحرف الأولى على ميثاق "العمل المشترك بين التحالف والجبهة الثورية".

وتأتي هذه الخطوة استكمالاً لخطوات بدأها التحالف العام الماضي مع "الجبهة الثورية" أنتجت "ميثاق الفجر الجديد" الذي تنصّلت منه وقتها معظم أحزاب التحالف الذي كان يضم وقتها حزبي "الأمة" المعارض و"المؤتمر الشعبي" بزعامة حسن الترابي، على الرغم من توقيع مندوبي تلك الأحزاب عليه إلا أن ردة فعل الحكومة السودانية القوية تجاه الميثاق أثّرت بشكل واضح عليه.

وعلمت "العربي الجديد" أن تحفظات أبداها عدد من أحزاب التحالف حالت دون التوقيع على ميثاق العمل المشترك مع "الجبهة الثورية" بشكل نهائي والذي كان من المتوقع أن يتم الاثنين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، التي احتضنت اجتماعات لمندوبين من التحالف بينهم رئيس الهيئة فاروق أبو عيسى وزعيم الحزب "الشيوعي" مختار الخطيب، إضافة إلى حزب "المؤتمر" السوداني إبراهيم الشيخ، مع قيادة "الجبهة الثورية" ممثلة بـ"الحركة الشعبية قطاع الشمال" وحركتي "تحرير السودان" بزعامة عبد الواحد نور ومني أركو مناوي وحركة "العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم، إضافة لقيادات حزب "الأمة".

والمراقب لتلك التحركات يجد أن النظام في الخرطوم غير مرتاح لها على الإطلاق، وهو ما دفعه في البداية إلى عرقلة سفر عدد من قادة التحالف. كما أن تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير الأحد الماضي تدلّ على أنه حاول قطع الطريق أمام قوى التحالف لتوقيع أي اتفاق مع "الجبهة الثورية"، إذ اعتبر في الخطوة تقويضاً للنظام يُعرّض أولئك القادة للمساءلة القانونية.

وأكد البشير بشكل واضح أنه لن ينظر للثمن السياسي الذي يمكن أن يدفعه جراء تنفيذ تهديداته بسجن قادة التحالف في حال توقيعهم لتحالفات مع "الجبهة الثورية"، ليعود ويجدد عزمه على مقاضاة زعيم حزب "الأمة" عند عودته الى البلاد بسبب توقيعه على "إعلان باريس" مع الحركات في أغسطس/آب الماضي.

ويبرر البشير خطواته بأن تحرك المعارضة وتقاربها مع الحركات المسلحة يؤثر في معنويات الجيش الذي يقاتل تلك الحركات، الأمر الذي عدّه خطاً أحمر.

وسبق أن زجت الحكومة السودانية عدداً من قادة تحالف المعارضة ممن وقّعوا اتفاق "ميثاق الفجر الجديد" مع "الجبهة الثورية"، في السجن لمدة ثلاثة أشهر العام الماضي بعد أن وجّهت انتقادات لاذعة للميثاق الذي حمل تفاهمات مشتركة بين الجانبين لإدارة البلاد ما بعد إسقاط النظام.

ويكشف مصدر من داخل تحالف المعارضة لـ"العربي الجديد" أن خلافات وتحفظات أبداها عدد من أحزاب التحالف حالت دون التوقيع على ميثاق العمل المشترك مع "الجبهة الثورية" في أديس ابابا، ولا سيما أن وفد التحالف عمد إلى إرسال الميثاق إلى أعضاء التحالف في الخرطوم لإبداء ملاحظاتهم عليه.

ولكن المصدر يؤكد أن التوقيع بالأحرف الأولى على الميثاق قد تم، إذ وقّع عن التحالف رئيس الهيئة فاروق أبو عيسى، وعن "الجبهة الثورية" رئيس حركة "تحرير السودان" مني اركو مناوي.

ويوضح أن هناك ثماني نقاط خلافية بين التحالف والجبهة حول الميثاق الذي زاوج بين المسوّدة التي أعدّتها الجبهة حول هيكلة الدولة، والبديل الديمقراطي الذي أعدّه التحالف للخروج ببرنامج مشترك أطلق عليه "البديل الديمقراطي نحو فجر جديد" ويحمل تفاهمات لإدارة البلاد في مرحلة ما بعد إسقاط النظام أو تغييره.

ويقول المصدر إن النقاط الخلافية تتركز في قضايا فصل الدين عن الدولة والوحدة الطوعية ونظام الحكم، مشيراً إلى أن "الجبهة تقترح نظاماً رئاسياً لامركزياً، فيما يقترح التحالف نظاماً برلمانياً والعودة إلى النظام القديم الخاص بالمديريات عبر إنشاء ثماني مديريات".

والمتابع لردة فعل السلطات يجد أن الأخيرة ستعمد إلى إفشال أي تقارب بين المعارضة المسلحة والسلمية باعتبار أن الخطوة من شأنها أن تهدد بقاء النظام عبر اللعب في التناقضات الموجودة داخل المعارضة والجبهة وتنفيذ تهديدات البشير التي قصد منها تخويف المعارضة. وهو ما تحقق بالفعل إذ سارعت بعض الأحزاب للتنصل من الميثاق قبل توقيعه بشكل نهائي، كما أُعلنت عودة وفد التحالف الى السودان لمزيد من المشاورات من دون الإعلان عن التوقيع الذي تم بالأحرف الاولى للميثاق، وهذا كله يؤكد أنها تلقّت رسالة البشير.

وقال رئيس الدائرة القانونية في "المؤتمر الوطني" الحاكم الفاضل حاج سليمان إن التحالف مع الحركات التي تحمل سلاحاً ضد الدولة يعني مساندتها والتطابق في الرؤى معها نحو إسقاط وتقويض النظام الدستوري.

وأوضح أن "هناك مادة صريحة في القانون الجنائي تتصل بتقويض النظام وتنص على عقوبات"، معتبراً أن "أي جهة تتحالف مع الحركات يعني أنها معها في خندق واحد"، رافضاً تماماً الخلط بين التفاوض والتحالف مع الحركات، قائلاً "إن التفاوض مع الحركات يتم بعلم الدولة، أما التحالف فهو يعني حلفاً لإسقاط النظام".

ويحذر خبراء سياسيون من زيادة الاحتقان السياسي في البلاد في حال تنفيذ البشير تهديداته للمعارضة، الأمر الذي من شأنه أن يفجر الأوضاع في البلاد ويقودها نحو الهاوية.

ويرى الخبير السياسي الطيب زين العابدين أن أي تحرك حكومي في مواجهة قادة المعارضة عبر الزج بهم في السجون نتيجة لاتفاقهم مع "الجبهة الثورية" سيُحدث كارثة للبلاد والحكومة معاً، "كما سيقود لتململ تنتج منه تظاهرات لا تحمد عقباها".

ويعتبر زين العابدين في حديث لـ"العربي الجديد" أن تهديدات البشير تأتي في إطار اقتناع الرجل أن الحوار الذي أعلنه لن يقود إلى النتيجة التي يريدها، مما يعني تراجعاً عنه بالتدريج وإحكام القبضة على الوضع.

ويشير إلى أن "البشير يسعى للضغط على المعارضة حتى لا ترتبط بأي حركة مسلّحة، لأن البشير لا يريد أي تعاون سياسي بين المعارضتين"، لافتاً الى أن "التصريحات من ذلك النوع تؤثر سلباً على المشهد السياسي وتقود لمزيد من اليأس في إيجاد حل سياسي للأزمة التي تمر بها البلاد، وستدفع من وافقوا على الحوار الى الخروج منه، كما ستقود إلى تململ داخل الحزب الحاكم نفسه إذ سيعيش مزيداً من العزلة".