تنفيذ سريع لتهجير اليرموك-الفوعة... وشرق سورية مسرح صراع ثلاثي

02 مايو 2018
جنود أميركيون ومسلحون بحقل التنك أمس(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -


يشتد الصراع بأشكال مختلفة في الجغرافيا السورية، إذ بدأ تنفيذ اتفاق تهجير بين النظام و"هيئة تحرير الشام"، يثير جدلاً واسعاً بسبب مضامينه الطائفية، فيما ينتظر عشرات آلاف المدنيين في ريف حمص الشمالي نتائج مفاوضات مع الجانب الروسي لتحديد مصير هذا الريف المحاصر منذ سنوات، في وقت تحول فيه ريف دير الزور الشرقي إلى مسرح صراع بين ثلاث قوى، كلها تحاول توسيع نطاق سيطرتها في شرق سورية.
ووصلت، أمس الثلاثاء، الدفعة الأولى من الحافلات التي غادرت بلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب، إلى منطقة العيس، جنوبي حلب، تنفيذاً للمرحلة الأولى من اتفاق تم التوصل إليه منذ يومين، أفضى إلى إخلاء مخيم اليرموك، قرب دمشق، من آخر عناصر "هيئة تحرير الشام"، التي تشكل "جبهة النصرة" ثقلها الرئيسي، مقابل نقل المئات من المُحاصرين في كفريا والفوعة إلى مناطق سيطرة النظام.

وذكرت وكالة "سانا"، التابعة للنظام السوري، أنّ عدداً من سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر السوري وصلت إلى ممر العيس، جنوب حلب، تقل حالات إنسانية حرجة من بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين بريف إدلب في إطار تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق إخراج مسلحي "هيئة تحرير الشام" من مخيم اليرموك. ومن المتوقع وصول خمس حافلات إلى إدلب، من مخيم اليرموك، جنوبي دمشق، تقل نحو 200 عنصر من "تحرير الشام". وينص الاتفاق على إخلاء نحو خمسة آلاف شخص من كفريا والفوعة، إضافة إلى إطلاق سراح موقوفين لدى "جبهة النصرة" من قرية اشتبرق في ريف جسر الشغور كانت اعتقلتهم في العام 2015 أثناء سيطرتها على كامل ريف إدلب في ذلك العام. كما نصّ الاتفاق على عدم دخول عناصر "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، بقيادة أحمد جبريل، إلى مخيم اليرموك، وأن تُسلم إدارة المخيم إلى منظمة التحرير الفلسطينية كجهة مستقلة محايدة. ولم تعلق "الهيئة" حينها على الاتفاق، إلا أنها أصدرت بياناً، مساء الإثنين، نفت فيه خروج كامل أهالي كفريا والفوعة، مشيرة إلى أن قرابة ستة آلاف شخص سيبقون في البلدتين، ومن الممكن المفاوضة عليهم مستقبلاً مقابل إطلاق سراح معتقلين من سجون النظام السوري. وأشارت إلى أن ما وصفته بـ"المحتل الإيراني" خفض سقف مطالبه في المفاوضات، ووافق على إخراج ألف فقط من أهالي الفوعة، و40 من أسرى اشتبرق، مقابل إخراج المحاصرين من مخيم اليرموك.

وبالتزامن مع عمليات إجلاء مسلحي "هيئة تحرير الشام" من الجزء الشمالي من مخيم اليرموك، تواصل الطائرات الحربية استهداف مواقع في حي الحجر الأسود وأطراف حي التضامن، وسط عمليات قصف صاروخي من قبل قوات النظام على المناطق ذاتها، إضافة إلى مخيم اليرموك. وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس، أن اشتباكات تدور بين قوات النظام ومليشيات فلسطينية تساندها وبين مسلحي تنظيم "داعش" على محاور التماس في القطاع الجنوبي من العاصمة دمشق، في سعي مستمر من قوات النظام لتضييق الخناق على التنظيم بشكل أكبر.

على صعيد آخر، ساد هدوء نسبي في مناطق ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، أمس الثلاثاء، مع استمرار هدنة أعلنت ظهر الإثنين، ومن المقرر أن تنتهي مع اختتام اجتماع "نهائي" يُعقد في فندق "السفير" بمدينة حمص، بين مفاوضين عن مناطق سيطرة المعارضة وضباط روس. وسيتم خلال الاجتماع تقرير مصير مناطق سيطرة المعارضة في ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي. وكان الضباط الروس قدموا عرضهم الذي يقضي بتسليم الفصائل سلاحها الثقيل والمتوسط، وخروج عناصرها بسلاحهم الخفيف، مع المدنيين الرافضين لـ"التسوية"، إلى شمال سورية. وعلمت "العربي الجديد" أن الضباط الروس أبلغوا الممثلين عن مناطق المعارضة السورية أن يوم الثلاثاء هو المهلة الأخيرة لموافقة الفصائل على هذا العرض، وإلا فإن قوات النظام، بدعم روسي، ستبدأ حملة عسكرية ضخمة في ريف حمص الشمالي. وقالت المصادر إن معظم ممثلي القرى والبلدات والمدن في مناطق ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، طلبوا من الفصائل الموافقة على العرض الروسي، بحيث تخرج كافة الفصائل العسكرية إلى إدلب وريف حلب، لتجنيب المنطقة عملية عسكرية ضخمة. وكان ضباط روس أبلغوا ممثلي مناطق سيطرة المعارضة أن شروط الاتفاق تتضمن أن تتعهد الشرطة العسكرية الروسية بضبط الأمن في المناطق التي ستخليها فصائل المعارضة، على أن تتم "تسوية" وضع المطلوبين للنظام، وأن تُعطى مهلة ستة أشهر لـ"المتخلفين عن الخدمة الإلزامية" في قوات النظام، قبل أن يسلموا أنفسهم إلى شُعب التجنيد. وتذهب المؤشرات إلى أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد بدء إخلاء الفصائل العسكرية لمناطق سيطرتها في ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، إذ إن هذه المناطق، التي يقطنها نحو 350 ألف مدني، مُحاصرة بالأساس من قبل قوات النظام، منذ نحو ست سنوات.

بموازاة ذلك، عاد ريف دير الزور الشرقي إلى واجهة الأحداث من جديد، مع إعلان "مجلس دير الزور العسكري"، التابع لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، أمس الثلاثاء، عن عملية عسكرية مكملة لحملة "عاصفة الجزيرة" للقضاء على تنظيم "داعش" في جيوب لا يزال يسيطر عليها قرب الحدود العراقية السورية. وقال "المجلس"، في بيان، إن الهجمات "تزايدت من هذه المناطق في الأسابيع الأخيرة، إذ سعى داعش لإعادة تنظيم نفسه من جديد"، مشيراً إلى أنه سيعمل على تطهير هذه المناطق من مسلحي التنظيم "بمشاركة من قوات التحالف الدولي"، مرحباً "بدعم القوات العراقية"، وفق البيان. وقال مسؤول في "قوات سورية الديمقراطية" بدير الزور إن التنسيق مع القوات العراقية زاد، مضيفاً أن أي طرف لن يعبر الحدود. ويحتفظ "داعش" بوجود له جنوب نهر الفرات وشماله، وهو يحاول بين فينة وأخرى توسيع نطاق سيطرته على حساب قوات النظام أو "قسد". وذكرت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن تنظيم "داعش" موجود في منطقة الشامية، جنوب النهر، على شكل جيوب صغيرة في بادية مدينتي الميادين والبوكمال اللتين تسيطر عليهما قوات النظام.

وفي شمال النهر (الجزيرة)، التي تقع بيد "قوات سورية الديمقراطية"، يسيطر تنظيم "داعش" على مسافة تقدر بنحو 30 كيلومتراً طولاً وبعرض نحو 12 كيلومتراً، تضم عدة بلدات، أبرزها هجين، ليس بعيداً عن الحدود السورية العراقية. وتحوّل ريف دير الزور الشرقي منذ أيام إلى مسرح اقتتال ضارٍ بين قوات النظام و"قسد"، ما استدعى تدخلاً من طيران التحالف الدولي المساند للأخيرة أدى إلى رد قوات النظام على أعقابها. وقال نشطاء إن اشتباكات، وصفوها بـ"العنيفة"، دارت مساء الإثنين، بين قوات النظام والمليشيات الإيرانية من جهة و"قسد" من جهة ثانية، على أطراف بلدة الحسينية في دير الزور، مشيرين إلى أن قوات النظام استقدمت تعزيزات إضافية. ومن المتوقع أن يشهد ريف دير الزور الشرقي مواجهات دامية بين ثلاث قوى تسعى لتوسيع نطاق سيطرتها، وهي قوات النظام و"قسد" إضافة إلى "داعش" الذي شن، الإثنين، هجومين على قوات النظام و"قسد"، في تأكيد على أنه لا يزال قادراً على خلط أوراق الصراع. إلى ذلك، ارتكب طيران التحالف الدولي مجزرة، إذ قتل 25 مدنياً من عائلة واحدة، أغلبهم أطفال ونساء وشيوخ، في قرية القصر بالقرب من تل الجاير، جنوب شرقي الحسكة، في منطقة تماس بين "قوات سورية الديمقراطية" وتنظيم "داعش".


المساهمون