تشير مختلف المؤشرات إلى أن التنسيق الإيراني الروسي حول سورية، وخصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي المباشر، دخل مرحلة جديدة، بالتزامن مع المواقف/الرسائل التي حرصت إيران على استغلال اللقاءات التي أجرتها على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي اختتمت أعمالها أمس السبت، لتمريرها.
وحضر الملف السوري خلال لقاءات المسؤولين الإيرانيين على هامش أعمال الجمعية العامة، بما في ذلك تأكيد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، خلال اجتماعه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين على ضرورة إيجاد حلول سريعة للأزمات الإقليمية، وفي مقدمتها، ما يجري في سورية.
وبعد قطع زيارته إلى نيويورك وعودته إلى طهران للمشاركة في مراسم تشييع الحجاج الإيرانيين الذين لقوا مصرعهم إثر حادثة التدافع في مشعر منى، قال روحاني، إنه أكد خلال لقاءاته مع قادة العالم، على هامش اجتماع الجمعية العامة، على ضرورة أن تكون بلاده جزءا من الحل لما يجري في سورية والعراق واليمن. وهو ما توافق مع كلمة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي أشار إلى أنّ بلاده على استعداد للعمل مع موسكو وطهران فيما يخص الوضع في سورية.
وأضاف روحاني للمواقع الرسمية الإيرانية، قبل أيام، أن إيران لم تعد كما كانت في السابق، وأنّ الجميع تقبّل واقع الدور الإيراني الإيجابي، قائلاً، "إذا أراد العالم محاربة الإرهاب بشكل حقيقي لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة، فعلى الجميع أن يتفهم أنّه لا يمكن تحقيق هذه الأهداف من دون إدخال إيران في معادلة الحلول"، معرباً عن جهوزية بلاده لتطبيق أي اقتراح يصب لصالح الشعوب في كل من سورية، والعراق، واليمن.
في موازاة ذلك، حضر الملف السوري أيضاً خلال الاجتماع بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الأميركي جون كيري، في السادس والعشرين من سبتمبر/ أيلول الماضي، إذ أكد الأخير على ضرورة التعاون مع إيران لإيجاد حلّ للأزمة السورية. أما الاجتماع الثاني بين ظريف وكيري، الذي عقد يوم الجمعة، فكانت وزارة الخارجية الإيرانية، حريصة على التوضيح، أنّ الأنباء التي نقلت أنّ ظريف بحث تطورات الأزمة السورية مع كيري "لا أساس لها من الصحة"، مشددة على أن الاجتماع بين الوزيرين بحث التطورات المتعلقة بالاتفاق النووي. ويأتي النفي على الرغم من التطورات المتسارعة في سورية خلال المدة التي فصلت بين الاجتماعين، وخصوصاً بعد دخول روسيا على خط التدخل العسكري المباشر في سورية والتأييد الإيراني للخطوة.
وتأتي تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول سورية، وتحديداً روحاني، بعد عرض مبادرة قطرية لاستقبال حوار إيراني عربي يهدف إلى إنهاء حالة عدم الاستقرار في الإقليم، وهي المبادرة التي أعلنها أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، في كلمته في الأمم المتحدة، منوّهاً "إلى ضرورة الاتفاق، بداية، على قواعد تنظّم العلاقة بين إيران ودول الخليج على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية". وقال "آن الأوان لإجراء حوار هادف من هذا النوع بين دولٍ سوف تبقى دائماً دولاً جارةً، ولا تحتاج لوساطة أحد". وأعلن الأمير استعداد بلاده لاستضافة حوار كهذا. وتأتي هذه المبادرة، بعد تقديم ظريف خلال زيارته الأخيرة إلى الدوحة، اقتراحاً لفتح حوار إيراني خليجي حول قضايا المنطقة العالقة، ولا سيما الأزمة السورية.
في السياق، يصف عضو لجنة الأمن القومي الإيراني، عوض حيدر بور، الاقتراح القطري بـ"الجيد"، مؤكداً أنّه "يصب لصالح التعاون الإقليمي الذي تطمح له طهران"، مضيفاً أنه "بات من الضروري إيجاد صيغ حلول مشتركة للقضاء على التهديدات الموجهة ضد المنطقة برمتها". ويستدرك بور في حديثه لـ"العربي الجديد"، قائلاً، إنّ "انضمام إيران إلى حوار من هذا القبيل، سيكون مشروطاً، إذ يُفترض أن تتخلى قطر ودول خليجية أخرى عن سياساتها ومواقفها السابقة عما يجري في سورية، وأن تتخلى عن سياسة دعم الإرهابيين هناك" على حد قوله. ويتوقع النائب استمرار الجهود نحو مزيد من التنسيق الإيراني الإقليمي على الرغم من وجود تحديات تعترضه، قائلاً إن "السياسات الإيرانية لن تتغير إزاء ما يجري في سورية والعراق"، مرجحاً "تطوير التعاون الإيراني الروسي على وجه الخصوص".
وفي الوقت الذي اتخذت فيه موسكو خطوات أوسع نحو تدخل عملي أكبر في سورية، وإيجاد صيغ تعاون مع قوات دولية أخرى، بدت طهران من خلال تصريحات مسؤوليها، مقتنعة بأن تفويض روسيا، قد يساعد في إيجاد صيغة حل لسورية مع الآخرين لا تبعد عن الرؤية الإيرانية.
اقرأ أيضاً روحاني: إيران هي القوة الرئيسية لمكافحة الإرهاب في المنطقة
وكان مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، قد التقى، خلال الأسبوع الحالي، برئيس مركز التحقيقات الاستراتيجية في روسيا، بتروفيتش رشتنكوف، الذي زار طهران، وأكّد أكبر ولايتي لوكالة "فارس" الإيرانية، أنّه "بعد هذا الاجتماع، بات من الضروري تطوير التعاون الإيراني الروسي والمرتبط بالقضايا الإقليمية". وأعرب ولايتي عن اعتقاده بأنّ الحوار الإيراني الروسي حول قضايا معينة من دون غيرها، بدأ خلال اجتماعات عقدت في موسكو، وستستقبل مدينة أصفهان اجتماعات أخرى قريباً. وأضاف "نأمل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، وهي علاقات استراتيجية بالأساس"، مشيراً إلى أن لدى موسكو وطهران وجهات نظر مشتركة حول ما يجري في سورية، والعراق، واليمن".
ويقول الخبير السياسي والدبلوماسي الإيراني السابق، هادي أفقهي، إن "إيران تؤيد التنسيق مع الآخرين على مستويات أعلى، في الوقت الحالي، فيما يتعلق بالملف السوري"، مشيراً إلى أنّ "طهران وبالتوافق مع موسكو، كانت قد وجهت دعوة في السابق إلى كل من تركيا والسعودية، لتكونا جزءا من الحوار معهما حول سورية على الرغم من التناقض في وجهات النظر في ما بينهم، إزاء هذا الملف".
ويضيف أفقهي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "طهران وموسكو بدأتا بتشكيل غرفة عمليات مشتركة، ومن المتوقع أن يستمر الحوار بين الطرفين على أعلى المستويات للتنسيق والخروج ببرنامج عملي لمكافحة الإرهاب، من جهة، وتكثّف روسيا من جهدها الدولي من جهة أخرى، وهذا ما بدأت به بالفعل خلال اجتماعات نيويورك الأخيرة".
ويرى أفقهي، أنه "من الطبيعي أن تتسلم روسيا دفة القيادة في هذه الفترة، فهي الطرف الذي لديه قدرة عسكرية كبيرة، وهي القادرة على إحداث توازن دولي، وقيادة العمليات ميدانياً في الوقت عينه". ويشير أفقهي إلى أنّ العمل يأخذ منحىً جدّياً، من خلال تشكيل كل من إيران وروسيا والعراق وسورية غرفة تنسيق أمني لمحاربة الإرهاب، معتبراً أنّ "ترجيح غالبية القوى الدولية لخيار مرحلة انتقالية في سورية حتى بوجود الأسد، فرصة لتشكيل محور تعاون دولي ستقوده روسيا"، على حد قوله.
اقرأ أيضاً: مبادرات سورية في نيويورك... طبخات فاشلة حتى إشعار آخر