تنجيد اللحف: حرفة فنيّة بلاغطاء

11 سبتمبر 2014
تعلُّم صلاح مهنته منذ الصِغر وهو يمتهنها حتى اليوم
+ الخط -
في سوق "البازركان"، داخل مدينة صيدا القديمة، ما زال صلاح حلمي ينكبّ على عمله بشغف، وهو يحمل الإبرة والخيط بيد وقضيب الخيزران بيده الثانية لينفش القطن والصّوف، فيصنع اللّحُف والمخدّات في محلّه الكائن داخل السوق.

يروي صلاح عن صناعة اللّحف أنّه "في بداية العمل أندف القطن أو الصّوف على القوس إلى أنّ يصير القطن ناعماً، لأنّه يكون متلاصقاً بعضه ببعض، ومن خلال الضرب بقضيب من الخيزران ينعم كثيراً. بعد ذلك يضع المنجّد القطن أو الصّوف، بحسب طلب الزبون، في القماش المفصّل والمُحَاك سابقاً، وعندما ينتهي من هذا العمل والتعبئة يبدأ بتخييطه بالإبرة والخيط، على الطريقة المعروفة للتنجيد، وبعدها يصبح مُنجَّداً جاهزاً للتسليم". ويُضيف صلاح: "يتطلّب إنهاء اللحاف ساعتين تقريباً، والوسادة ربع ساعة على الأكثر".

بدأ صلاح تعلُّم مهنته منذ الصِغر، وما زال يمتهنها حتّى اليوم، لكنّ الاكتفاء بهذه المهنة حصراً لتأمين لقمة العيش بات من الصعوبات التي تواجه صلاح وعائلته. فقد كان العمل في الماضي أفضل، وكانت نسبة الطلب مرتفعة أكثر، إلّا أنّ سوق العمل اختلف اليوم، وأحياناً لا يتعدّى الطلب لحافاً واحداً أسبوعياً.

يروي صلاح لـ"العربي الجديد" كيف أنّ "مهنة التنجيد قديمة جداً، وهذه الأيّام غزت المراتب واللحف والوسادات الجاهزة كلّ البيوت. لكنّ النوم على القطن والصّوف يُفيد الجسم ويريحه، ويُنصح به لكلّ مريض يعاني من مرض الديسك أو التكلّس، فالمراتب والوسادات الجاهزة لها مضار كثيرة. فهي تؤذي الظّهر والرقبة، وتعرّض الشخص لآلامهما، وأغلبية الناس الذين يتردّدون إلى محلّنا اليوم هم من الأشخاص الذين ما زالوا يهتمون بصحتهم ويتبعون تقاليد أجدادهم".

ويتابع صلاح الذي يحدّثنا في ما هو يعمل ليشرح لنا: "أنا أعمل في هذه المهنة منذ العام 1966، حين كانت العروس، في الماضي، تأتي إلى السوق لتأمين جهازها من لحف وفرش ووسادات، وكنّا نقوم بهذا العمل كلّه ونتفنّن كثيراً بزركشة اللّحف، والتطريز عليها بالرّسومات والأشكال الهندسية بحسب طلب الزبون، ومنها: طيور الحبّ، النجمة، الوردة، ورق الصنوبر، دوّار الشمس، جلد السمك، العقرب، ثمانية قلوب، قطع البقلاوة، وغيرها من الأشكال التي كانت تلقى طلباً من المواطنين. أما اليوم، فقد استغنى معظم الناس عن الأغطية والفرش الطبيعية والصحية وتوجهوا نحو كلّ ما هو صناعي وغير صحيّ".

وأكّد أنّه تعلّم "مهنة التنجيد على يد والدي، لكنّني لم أشجّع أولادي على ممارسة وتعلّم هذه المهنة، لأنّ مستقبلها بات مجهولاً". ويتابع: "يعود سبب انقراض هذه المهنة إلى موت أصحابها أو تخلّيهم عن التنجيد بسبب ضعف الإقبال على شراء منتوجاتهم"، ويتابع بحسرة: "هناك عوامل عديدة أدّت إلى اندثار هذه المهنة ومنها: ظهور الإسفنج الذي اكتسح السوق مكان الصّوف والقطن، وذلك بسبب سهولة تنجيده، وتقلّص عدد معلّمي هذه الحرفة، وطبعاً المردود المادي القليل الذي تعود به على الحرفي، بالإضافة إلى عدم وجود من يرعى هذه المهنة ويهتم بتوسيعها وتطويرها".
دلالات
المساهمون