تناقضات التصريحات المصرية وبيانات الضيوف الأجانب... ليست أخطاء ترجمة

19 ابريل 2016
لا تزال العلاقة المصرية الروسية متوترة (الأناضول)
+ الخط -
تكشف تصريحات أدلى بها رئيس مجلس النواب الأميركي، بول راين، حول زيارته اﻷخيرة إلى القاهرة، في 7 أبريل/ نيسان الحالي، فجوة شاسعة بين حقيقة الحوارات التي تدور بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وضيوفه الأجانب، وبين ما تعلنه الرئاسة المصرية من تصريحات على ألسنة هؤﻻء الضيوف في بياناتهم الرسمية. ففي مؤتمر صحافي عقده، يوم الجمعة الماضي، قال راين إنه أبلغ السيسي بأنّ "سجلّ مصر في انتهاكات حقوق اﻹنسان يصعّب الاستمرار في دعم النظام المصري".

واعتبر راين أنه على الرغم من ذلك، فإنّه يؤيد استمرار الدعم اﻷميركي لمصر حتى تظل "دولة متماسكة، وتبتعد عن مصير الدول الفاشلة". وتدل تصريحات راين على أن الحديث مع السيسي تناول أوضاع حقوق اﻹنسان، التي ﻻ يرغب الرئيس المصري في النقاش حولها كثيراً، ويحاول دائماً التهرب من الحوارات الجادة بشأنها، مدّعياً أنّ نظامه ﻻ يهتم بالحقوق السياسية فقط، بل تأتي في المقام الأول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وفقاً لمراقبين.

وعلى النقيض من تصريحات رئيس مجلس النواب الأميركي، فإن الرئاسة المصرية نسبت له أنّه "أشاد بالتقدم الذي أحرزته مصر في التحول الديمقراطي، وأشاد بالدور المحوري الذي تقوم به مصر في محاربة اﻹرهاب"، باﻹضافة لمديح سياسات النظام المصري. ولم تشر الرئاسة المصرية، في بيانها، من قريب أو بعيد لتطرق المباحثات إلى مواضيع حقوق اﻹنسان، والشباب، والحريات.

وليست هذه المرة اﻷولى التي يبدو فيها التناقض بين الروايات الرسمية المصرية والروايات الأجنبية عن لقاءات السيسي بضيوفه. فبعد أيام من مقتل الطالب اﻹيطالي جوليو ريجيني في القاهرة، في فبراير/شباط الماضي، أعلنت الرئاسة المصرية عن تفاصيل وديّة ﻻ ينقصها التفاهم لمحادثتَين هاتفيتَين بين السيسي ورئيس الوزراء اﻹيطالي ماتيو رينزي، إذ روّج النظام المصري، آنذاك، لعلاقة الصداقة القوية بين الطرفَين. إﻻّ أن رينزي، خرج، خلال مؤتمر في روما، ليؤكد أنه طالب السيسي باﻹعلان عن الحقائق كاملة وعدم التستر على أية معلومات حول حقيقة مقتل ريجيني. وتطور اﻷمر بعد ذلك باتجاه سلبي تماماً بالنسبة للسيسي، حتى بلغ إعلان إيطاليا قطع التعاون اﻷمني مع مصر بشأن القضية.

وفي حادثة ثالثة تثبت تناقض التصريحات، أعلنت الرئاسة المصرية، في فبراير/ شباط الماضي، أن السيسي تحدث مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين (الذي يعتبره السيسي صديقاً أيضاً)، وأنّ اﻻثنين اتفقا على عودة الرحلات الروسية السياحية وحركة الطيران الروسي إلى مصر قريباً، بعد حادثة سقوط الطائرة الروسية في سيناء (شرق مصر)، في أكتوبر/تشرين الأول 2015. إﻻّ أن بوتين أعلن، بعد أيام قليلة، من تصريح الرئاسة المصرية، أنّه من المستبعد عودة حركة السياحة والطيران الروسية لمصر هذا العام. وهو ما كرره الرئيس الروسي، منذ 3 أيام، مبرراً ذلك باستمرار المشاكل اﻷمنية في مطارات مصر على خلفية تفجير الطائرة الذي اعترفت القاهرة، أخيراً، بأنّ سقوطها عمل "شبه جنائي".

في هذا الصدد، يستبعد مصدر دبلوماسي في ديوان وزارة الخارجية المصرية أن يكون التناقض بين التصريحات اﻷجنبية والمحلية عن وقائع واحدة ناتجاً عن "خطأ في الترجمة"، معتبراً أنّ ذلك يترجم "توجهاً من رئاسة الجمهورية لإخفاء السلبيات، على الرغم من أن كشفها أمر مطلوب". ويضيف المصدر أن "مسألة التناقض تعرّض النظام المصري لفقدان ما تبقّى له من مصداقية في الأوساط اﻷوروبية واﻷميركية"، مشيراً إلى أن "الرئاسة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك كانت أكثر تعقّلاً، فكانت تشير إلى السلبيات بطريقة مستترة، وتعيد صياغة العبارات التي قالها مبارك رداً على الملاحظات الغربية بما يضمن مصداقيتها والحفاظ على صورته أمام العامة".

ويوضح المصدر ذاته أنّ "الرئاسة في عهد السيسي يسيطر عليها هاجس تحسين صورته. ففي بداية عهده، كان يحدث أن تعلن الرئاسة عن اتصال بينه وبين الرئيس اﻷميركي باراك أوباما من دون تحديد مَن المتصل باﻵخر، ثم يتبين بعد ذلك من بيانات البيت اﻷبيض أنّ السيسي هو من اتصل". ويضيف أنّ "اتصال السيسي برئيس أكبر دولة في العالم يعتبر أمراً طبيعياً، لكن ما ليس عادياً، هو المبالغة في الحساسية وتضخيم صورة السيسي أمام الشعب المصري، ثم تطور اﻷمر لتغيير تصريحات المسؤولين الأجانب، كما حدث مع بوتين وراين ورينزي"، على حدّ تعبيره.