يترقب القطاع العقاري في السودان تمويلات بنكية تنعش مبيعاته والاستثمار فيه، وذلك بعد أن سمح البنك المركزي بعودة آلية التمويل العقاري للجهات والأفراد، منهيا بذلك تجميداً استمر نحو أربع سنوات.
وأصدر البنك المركزي يوم الثلاثاء الماضي قراراً يسمح لـ"البنك العقاري التجاري" بتمويل الأنشطة العقارية.
ويُعد هذا البنك واحدا من الواجهات الحكومية وأُنشئ عام 1967 بصفته مصرفا يقدم قروضا لإنشاء المباني والمساكن لموظفي الدولة وذوي الدخل المحدود، فيما سُمح له عام 1990 بالعمل في الأنشطة المصرفية المختلفة حتى يدعم إيراداته، ما يمكنه من تمويل المجمعات السكنية الكبيرة.
وتمت خصخصة البنك عام 2003 ضمن سياسة الدولة للتحرير الاقتصادي، فآلت ملكيته إلى "شركة الجمعة للتجارة والاستثمار"، وتم تعديل الاسم من "البنك العقاري السوداني" إلى البنك العقاري التجاري، وأصبح يمنح التمويل في القطاعات الأخرى مع تمويل الإنشاءات العقارية.
وفي إطار الإصلاح المصرفي، دخل بنك السودان المركزي آخر عام 2009 مساهما بـ60 مليون جنيه في رأس مال البنك، وأصبح يمتلك ثلثي أسهم البنك. أما بقية الأسهم فهي باسم جمعة الجمعة و"شركة الجمعة للتجارة والاستثمار المحدودة". وبذلك أصبح رأس مال البنك المصرح به 100 مليون جنيه.
ويسمح قرار بنك السودان المركزي الأخير لـ"البنك العقاري" بإنشاء محافظ مالية يُشرف عليها الصندوق القومي للإسكان والتعمير، بغرض تشييد مجمعات للسكن الشعبي والاقتصادي أو الفئوي.
ويُعتبر هذا القرار الثاني من نوعه الذي يصدره البنك المركزي، حيث وافق في مارس/ آذار من العام الماضي رسمياً على السماح بالتمويل المصرفي العقاري للمغتربين وللإسكان الفئوي الذي يشمل المهنيين بمختلف تخصصاتهم.
ووصف المدير العام لـ"البنك العقاري التجاري" عثمان عبدالعظيم قرار السماح للبنك باستئناف التمويل العقاري بالإيجابي وتعهد في حديثه لـ"العربي الجديد" بتطبيق البنك الأسس وضوابط منح التمويل المصرفي.
من جانبه أشار، رئيس مجلس تنظيم مقاولي الأعمال الهندسية، مالك دنقلا، إلى أن قرار استثناء البنك العقاري التجاري من حظر التمويل العقاري يعيد إليه مهامه التي أنشئ من أجلها، لافتاً إلى أن القرار يحافظ على استقرار الكفاءات والكوادر التي تم تأهيلها وتدريبها بمبالغ طائلة، وينقذ كذلك قطاع التشييد من الانهيار، ويلبي حاجات قطاع المقاولات، ويسهم بقدر كبير في تشغيل عدد كبير من العمالة في المشروعات المختلفة.
وأشار دنقلا إلى أن حجم التمويل المخصص للبنك العقاري لتمويل القطاع كان يتراوح ما بين 9 ـ11% في فترة ما قبل قرار حظر التمويل، نصيب مشاريع صندوق الإسكان منها 4%. وطالب وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وبنك السودان المركزي، برفع رأسمال البنك العقاري من 100 مليون جنيه إلى 500 مليون.
من جهته، رحب بالقرار نائب رئيس اتحاد المقاولين السابق المدير العام لـ"شركة ياسين الهندسية للمقاولات"، سيّد أحمد ياسين، وقال لـ"العربي الجديد" إن قرار حظر التمويل العقاري تضرر منه الشعب السوداني بمعظم قطاعاته، لأن قطاع التشييد يستقطب مئات الآلاف من العمالة، وتعتمد أعداد كبيرة من الأسر في دخولها على هذا القطاع بجانب المهندسين والآليات، فضلا عن تأثر قطاع مواد البناء (سيخ وإسمنت) من قرار الحظر.
ووصف المحلل الاقتصادي الأكاديمي محمد الناير، قرار السماح لـ"البنك العقاري" بالتمويل، بأنه يُنشّط قطاع المقاولات الذي يستوعب عمالة ضخمة، غير أنه أشار إلى ضرورة أن تتجه الحكومة لخفض تكلفة مواد البناء، مقترحا على البنك إنشاء وحدات سكنية جاهزة في إطار البناء الرأسي، للأفراد والمؤسسات على أن تطرح بالتقسيط بفترة سماح 15 عاما، وبمقدم يتراوح بين 1ـ15% ليسهم في حل مشكلة السكن لهذه الفئات.
في السياق، وجّه محلل اقتصادي فضّل عدم ذكر اسمه، انتقادا إلى قرار بنك السودان، معتبرا أن المشكلة التي أُصدر من أجلها قرار إيقاف التمويل العقاري لا تزال قائمة، وهي مشكلة عدم استقرار سعر الصرف وعدم توجيه التمويل إلى القطاعات الإنتاجية وارتفاع التكلفة، مشيرا إلى أن ذلك القرار يؤكد التباين الكبير والتخبط الذي يعانيه البنك المركزي في سياساته وإجراءاته الاقتصادية، وإصدار القرارات وإيقافها خلال فترة وجيزة.
وقد لقي قرار بنك السودان ترحيباً في أوساط العمال، ووصفه القيادي في اتحاد العمال، الجنيد أحمد محمد، بأنه إيجابي باعتباره يحل مشكلة العاملين في الدولة والذين لا يملكون السكن، والذي يستنفد 46% من مرتباتهم.