تمرد عدن: فشل أولي لأتباع الإمارات

10 اغسطس 2019
فشلت قوات "الانتقالي" في دخول منطقة العريش(صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
اتسعت خارطة الصراع العسكري في مدينة عدن بين القوات الحكومية وقوات "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، المدعومة من الإمارات، نظراً للتداخل في عمليات الوجود والسيطرة بين الطرفين، وأهداف كل منهما، وأهمية كل منطقة في تحديد مصير الصراع وترجيح كفة كل طرف. وبقيت حرب الشوارع محتدمة أمس الجمعة، وبكل أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، لليوم الثالث على التوالي بين القوات الحكومية وتلك التابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي في كريتر وخور مكسر ودار سعد. فيما بدا واضحاً أن القوات الحكومية نجحت في تعزيز وجودها في خور مكسر وكريتر وتأمين المدخل الشرقي لعدن، وهو ما يُعدّ تحسناً في موقفها على الأرض، على عكس "الانتقالي" الذي كان يملك زمام المبادرة في الهجوم والسيطرة. وأكد مصدر في قوات الحماية الرئاسية، لـ"العربي الجديد"، أن الخارطة ستتغير بشكل كامل في عدن، معتبراً أنه ما كان باستطاعة "الانتقالي" تحقيق أي انتصار في عدن لو لم يكن سلاح الجو الإماراتي يسانده في التقدّم للسيطرة على المؤسسات الحكومية، لكن باتت لدى القوات الحكومية استراتيجية للتعاطي مع الوضع في عدن.

وبرزت في اليوم الثالث الجثث الملقاة على الطرقات. وكان موقف التحالف خلال الـ48 ساعة الماضية، على الأقل، الحلقة الأهم. ففي مقابل إلقاء الإمارات بثقلها العسكري في عدن لدعم التمرد ضد الحكومة، لم تفعل السعودية، التي تعلن دعمها للحكومة، ما يوقف التمرد. 

وكشف سكان، لـ"العربي الجديد"، عن انتشار جثث في شوارع مناطق شهدت اشتباكات ضارية بين قوات "الحزام الأمني" وغيرها من التشكيلات الموالية لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، وبين القوات الأمنية والعسكرية الموالية للحكومة، وأبرزها ألوية الحرس الرئاسي. وفي مقابل وصول مزيد من التعزيزات للقوات الموالية لـ"الانتقالي"، وشنها هجمات متكررة للتقدم باتجاه مواقع حكومية، دخلت معسكرات تابعة للحكومة على خط المعارك، منها "اللواء الرابع حماية رئاسية" و"بدر". وقال سكان ومصادر محلية إن أحياء كريتر وخور مكسر والمنصورة ودار سعد شهدت، اعتباراً من الثالثة فجر أمس الجمعة، أعنف الاشتباكات، والتي استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة. وحسب المعلومات الميدانية، تشارك في المعارك الدائرة في عدن ألوية الحماية الرئاسية وقوات أخرى من "الأمن الخاص" ومن "المنطقة العسكرية الرابعة"، بقيادة وزير الداخلية أحمد الميسري، إلى جانب قائد المنطقة الرابعة اللواء فضل حسن، في مقابل تشكيلات تابعة للإمارات و"الانتقالي" من "الحزام الأمني" وغيرها من الألوية.

وكان "الانتقالي" يحاول حصر خارطة الصراع، في بداية الأمر، لتبقى في محيط المعاشيق، وهي المنطقة التي يوجد فيها القصر الرئاسي وملحقاته، بالإضافة إلى مقر الحكومة، وتقع في أقصى الجنوب الشرقي لمدينة عدن، وتطل مباشرة على البحر، ولديها منفذ بري واحد، يؤدي إلى منطقة كريتر. وأهمية المعاشيق، في مضمار الصراع الحالي بين الطرفين، تأتي من أن الحكومة، وخلفها السعودية، تعتبر أن اقتحام هذه المنطقة والسيطرة عليها من قبل أي طرف آخر خط أحمر، لأن سيطرة "الانتقالي" على المعاشيق ستمثل انقلاباً مكتمل الأركان. وقال مصدر في الحكومة، ينتمي إلى حزب المؤتمر، لـ"العربي الجديد"، إن من شأن السيطرة على المعاشيق تغيير مسار الصراع في اليمن، وإنهاء وجود التحالف العربي، وشرعنة انقلاب صنعاء، وهو الأمر الذي ترفضه الحكومة، وخلفها السعودية، على عكس "الانتقالي"، المدعوم من أبوظبي، الذي يهدف إلى تنفيذ رؤية الإمارات في التخلص من الحكومة، كمقدمة للتخلص من حزب "الإصلاح" في اليمن.

وحاول "المجلس الانتقالي الجنوبي" إنهاء سيطرة القوات الحكومية على كريتر، التي تبدو شبه كاملة حالياً. كما حاول حلفاء الإمارات استغلال مقتل قائد اللواء أول دعم وإسناد العميد منير اليافعي (أبو اليمامة) بهجوم حوثي على معسكر الجلاء، ليدفع "الانتقالي" بمسلحين إلى داخل منطقة كريتر، والاقتراب من المعاشيق، لكن قوات الحماية الرئاسية تعاملت بحزم مع الأمر، ونشرت جنودها في كريتر، وأمّنت مقر البنك المركزي ومصلحة الهجرة والجوازات وعدداً من المؤسسات الحكومية والبنوك، ثم هاجمت "معسكر 20" التابع لحلفاء الإمارات وسيطرت عليه، ما اضطر أتباع "الانتقالي" للتراجع إلى مرتفع العقبة بين كريتر والمعلا.
لكن الصراع امتد إلى مدينة خور مكسر، التي تمثل مع كريتر حجر الزاوية، وتُرجح كفة المنتصر في حال السيطرة عليها، فهي تقع وسط محافظة عدن، وتربط مناطق شمال عدن بجنوبها، وتحد كريتر من الشمال، كما تعد البوابة الشرقية لمدن المعلا والقلوعة والتواهي، فمن يسيطر عليها يفرض حصاراً برياً على المعلا والقلوعة والتواهي، وأيضاً كريتر والمعاشيق، لذلك فإن الصراع فيها وعليها شديد منذ الخميس الماضي. وتمكنت القوات الحكومية من بسط سيطرتها على الطريقين الرئيسيين اللذين يمران عبر خور مكسر، وعبرهما ترتبط مدن شمال عدن بجنوبها، وهما طريق الجسر البحري، ويقع في المدخل الغربي لخور مكسر، والطريق الساحلي، وهو المدخل الشرقي لخور مكسر. هذا الأمر يفسر تركز الصراع في هذه المنطقة، فقوات "الانتقالي" لم يعد أمامها مجال لمهاجمة كريتر إلا من المدخل الغربي عبر المعلا، لكنها قد لا تستطيع الحصول على دعم وإسناد للمعلا إلا عبر البحر، بسبب سيطرة القوات الحكومية على منافذ خور مكسر، وهو سر قوة القوات الحكومية في خارطة الصراع هذه المرة، خصوصاً في ظل القصف الشديد على قوات "الانتقالي" في جبل حديد.

لذلك فقد حاولت قوات الدعم والإسناد للانفصاليين مهاجمة منطقة العريش التابعة لخور مكسر، لكنها فشلت، نظراً للقاعدة الشعبية التي تحظى بها القوات الحكومية. وتضم المنطقة عدداً من المعسكرات الأمنية والعسكرية، مثل اللواء الثالث حماية رئاسية ومهمته تأمين الطريق بين خور مكسر وكريتر حتى المعاشيق، وحماية الأمانة العامة لمجلس الوزراء، والمجمع القضائي في خور مكسر. كما يوجد لواء حيدان في الجزء الشمالي الشرقي لجبل حديد. وإلى جانب ذلك، فإن هناك اللواء 39 التابع للمنطقة العسكرية الرابعة، ويسيطر على أجزاء كبيرة من مدينة خور مكسر بما فيها جزيرة العمال. ويقع مقر اللواء في الطرف الشمالي لخور مكسر، قرب مطار عدن الدولي. كما أن هناك القوات الخاصة والأمن المركزي وقوات الشرطة العسكرية، وكلها في العريش، التي يمر منها الطريق الساحلي، والذي يربط عدن بمحافظة أبين عبر المدخل الشرقي. في المقابل، فإن "الانتقالي" يملك معسكراً لـ"الحزام الأمني" في معسكر النصر، شمال مطار عدن، شمال خور مكسر، كما يملك نفوذاً ولديه قوات في إدارة أمن عدن، وفي جزء من معسكر طارق سابقاً، يشرف عليها جميعاً اللواء شلال علي شائع، فضلاً عن معسكر جبل حديد، حيث مقر اللواء أول مشاة المرتبط بشكل مباشر برئيس "المجلس الانتقالي" عيدروس الزبيدي. يشار إلى أن جبل حديد هو أكبر مخزن للسلاح في عدن، وتعتمد عليه القوات الموالية للإمارات.

لذلك فقد أصبح واضحاً أن الصراع كان شديداً في المدينة، الخميس الماضي، ابتداء من جبل حديد ومعسكر طارق والمجمع القضائي ومبنى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأيضاً في جزيرة العمال ومحيط إدارة أمن عدن والمطار والعريش والصولبان. وتمكنت القوات التابعة للحكومة من فرض حصار شبه كامل على قوات "الانتقالي" في أغلب مناطق وجودها في خور مكسر، فيما تمكنت قوات "الانتقالي" من اقتحام كتيبة معسكر الاحتياط الواقع في الجزء الشمالي لجبل حديد. وإلى جانب أهمية خور مكسر على سير المعارك، فإنها تحتضن أيضاً مقر البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، وفيها المطار، المنفذ الجوي الوحيد لمدينة عدن، وكانت تسيطر عليه قوات موالية للإمارات. وتشير المعلومات الأولية إلى أن القوات الحكومية تقترب من السيطرة عليه.

"الانتقالي" بعدما تعثر في خور مكسر وكريتر أوقف المعارك في كريتر، ليل الخميس الجمعة، مستعيضاً عن ذلك بمهاجمة منزل نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري، في حي ريمي في مديرية المنصورة. واستخدم الانفصاليون حرب الشائعات، إذ زعموا استسلام الميسري، الذي رد بتسجيل مصور متجولاً في مناطق المواجهات. كما اقتحمت قوات تابعة للانفصاليين منشآت مصافي عدن، وميناء الزيت في مدينة البريقة، غرب عدن. يذكر أن الطرفين يملكان قوات كبيرة، لكن خارطة الصراع تتركز الآن في خور مكسر وكريتر. وفي الوقت الذي تنتشر فيه قوات موالية للحكومة في شمال شرق عدن، في الممدارة وحتى منطقة العلم وصولاً إلى دار سعد، شمال المحافظة، تنتشر قوات موالية للإمارات في بير أحمد وصولاً إلى رأس عباس في البريقة، غرب عدن. ويقع مقر قيادة القوات الإماراتية وقوات "الحزام الأمني" في منطقة بير أحمد، غرب عدن.
المساهمون