تعيش العاصمة الإيرانيّة طهران معظم أيام السنة وسط غيمة ضبابيّة يسبّبها تلوّث الهواء، فتختفي ملامح المدينة الرماديّة وتتعطل الحياة أحياناً لأيام بسبب عطلة رسميّة يعلن عنها المسؤولون، نتيجة بلوغ معدّل التلوث أحياناً نسباً عالية، وهو ما قد يؤذي الأطفال والذين يعانون من أمراض في القلب والجهاز التنفسي.
مرّات عدّة، دقّت وزارة الصحة الإيرانيّة ومعها مؤسسة البيئة، ناقوس الخطر وحاولت مع البرلمان الإيراني طرح مشاريع للمساهمة في حلحلة هذه المشكلة المتفاقمة يوماً بعد يوم. لكن الأمر يتطلب حلولاً جذريّة بالفعل.
فعندما تنشر وزارة الصحة معلومات رسميّة عن وفاة أربعة آلاف شخص سنوياً في أنحاء البلاد بسبب التلوث، ويرتفع بنسبة 30% عدد مرضى الرئة والقلب والربو الذين يراجعون أطباءهم أو المنشآت الصحيّة في خلال أيام ازدياد معدّل التلوث، هذا يعني أن الأمر ليس قابلاً للتجاهل والإهمال.
وخلال العام الماضي، بحسب ما أعلنت المؤسسة الوطنيّة لمراقبة الأحوال الجويّة لوكالات الأنباء الإيرانيّة، عاشت طهران 215 يوماً ملوثاً. وعلى الرغم من أن نسبة التلوّث تزداد عادة في الشتاء بسبب الغيوم التي تغطي العاصمة المحاصرة بالجبال ولا تسمح بدوران الذرات الملوثة العالقة في الهواء، إلا أن الأيام الأخيرة من الأسبوع الماضي شهدت موجة من الرياح المحمّلة بالأتربة والغبار ومن الأمطار الموحلة، وهو ما زاد نسبة التلوّث، وفق مؤسسة الأرصاد الجويّة. فأطلقت من جديد التحذيرات المطالبة بعدم الخروج إلى الطرقات إلا في حال الضرورة.
أسباب هذا التلوّث
وتدفع هذه الأرقام المقلقة إلى طرح السؤال الأهم: ما هو سبب كل هذا؟ وفي حين تعتمد بلديّة طهران على التشجير لمواجهة هذه المشكلة بشكل أساسي، إلا أن هذا غير كافٍ. جغرافيا المدينة القاسية هي السبب الأساس في ذلك. فالمدينة محاطة بسلسلة جبال طبيعيّة تمنع حركة ذرات الهواء. أما ما يزيد الأمر سوءاً، فهو معدّل تساقط الأمطار في خلال العام والذي يأتي منخفضاً.
وبحسب ما يفيد بعض المتخصّصين من أصحاب النشرات الدوريّة في اللجنة العلميّة لمؤسسة الدراسات البيئيّة، فإن المعامل التي يتركز معظمها غرب العاصمة والرياح التي تهبّ على المدينة من الغرب باتجاه الشرق، تزيد الأمر سوءاً.
يضيف المتخصصون أنه، إلى ذلك، تأتي عوادم أكثر من ثلاثة ملايين سيارة تتحرّك في شوارع العاصمة والتي يحتاج أكثر من نصفها إلى فحوصات فنيّة دوريّة، بالإضافة إلى الدراجات الناريّة التي يعادل عددها عدد السيارات تقريباً والتي تطلق تقريباً 50% من المواد الملوّثة التي تسبّبها المركبات.
إجراءات للمواجهة
وتحاول الحكومة الإيرانيّة اتخاذ قرارات تساعد في حل هذه المسألة. فهي تشدّد على تطبيق قانون تقسيم مرور المركبات وفق أرقام لوحاتها الزوجيّة والفرديّة على أيام الأسبوع، في مناطق محدّدة من العاصمة ولا سيّما جنوب طهران الأكثر ازدحاماً وتلوثاً.
وتقول رئيسة مؤسسة البيئة ومستشارة الرئيس لشؤون البيئة، معصومة ابتكار، إنه تمّ الاتفاق مع وزارة البترول على توزيع بنزين بجودة أعلى للمستهلكين في ثماني مدن رئيسيّة، أوّلها العاصمة طهران، ما سيساهم في خفض نسبة التلوّث بشكل أو بآخر.
وبعد تشديد العقوبات على إيران في خلال السنوات الأربع الماضية، وأبرزها حظر استيراد البنزين، قامت إيران بإنتاجه محلياً. لكن خبراء أكدوا على أنه لا يراعي الجودة المطلوبة وله تأثيره السلبي على محرّكات السيارات، ما يجعلها تبعث كميات أكبر من الدخان. وهذا النوع من البنزين ينتج مادة البينزول وبعض جزيئيات المركبات العطريّة التي تتسبّب بمرض السرطان.
وقد شدّدت ابتكار، التي نشر تصريحها في وكالة أنباء "إرنا" عقب مشاركتها في جلسة مع لجنة الصحة في البرلمان الإيراني أخيراً، على ضرورة أن يساهم المواطنون في الأمر كذلك. فالتقليل من استخدام السيارات الشخصيّة وركوب الحافلات وقطار الأنفاق ووسائل النقل العامة الأخرى، من شأنهما أن يساعدا بالتأكيد.
لكن هذا الاقتراح يتطلب توسيع شبكة المواصلات العامة لتصل إلى كل مناطق العاصمة، وزيادة عدد وسائل النقل العامة، وهو ما يتطلّب ميزانيات ومشاريع ضخمة يتمّ العمل على بعضها بالفعل في العاصمة. وهذه المشاريع تعدّ ضروريّة للغاية، كي تلبّي حاجة نحو 14 مليون نسمة، أي سكان طهران الذين يتأثرون سلباً وبشكل يومي من جرّاء تلوّث الهواء.