مضى شهر كامل على وجود السوري تحسين في مشفى الجامعة في مدينة غازي عنتاب التركية، القريبة من الحدود السورية، إذ ما يزال يخضع للعلاج بالمضادات الحيوية، بعد العمليات الجراحية التي أفضت إلى إزالة أجزاء من رئته التي تلفت نتيجة استنشاقه المستمر ولعدة أشهر، للغازات السامة المنبعثة عن احتراق النفط الخام، أثناء عمله في تكريره في ريف الرقة شرق سورية.
آلاف من محطات تكرير النفط البدائية الصغيرة ما زالت تعمل، للعام الثالث على التوالي، شرق وشمال سورية على تكرير النفط المستخرج من الآبار التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وقوات "حماية الشعب" الكردية شرق سورية، تواصل بث سمومها في البيئة السورية.
صناعة ضخمة بأدوات بدائية
بلغ إنتاج سورية من النفط عام 2010 ما يزيد على 385 ألف برميل يوميا، بحسب التقرير الإحصائي السنوي للطاقة العالمية الذي تصدره دورياً شركة "بي بي" المعنية بشؤون الطاقة، ويتوزع إنتاج النفط في سورية على ثلاث مناطق رئيسية، الأولى في محافظة الحسكة (شمال شرق)، والتي كانت الحقول النفطية فيها تنتج ما يزيد على 220 ألف برميل يوميا من النفط الثقيل والثانية في محافظة دير الزور (شرق)، والتي كانت تنتج نحو 140 ألف برميل يومياً معظمها من النفط الخفيف، فيما يتوزع باقي الإنتاج السوري على حقول صغيرة موجودة في ريفي حمص وحماة الشرقيين تنتج بمجموعها نحو 15 ألف برميل يوميا فقط.
خسر النظام السوري السيطرة على معظم حقول النفط الكبرى الواقعة في محافظتي الحسكة ودير الزور منذ عام 2012 لصالح قوات المعارضة السورية وقوات "حماية الشعب" الكردية، في مقابل احتفاظه بالسيطرة على الحقول قليلة الإنتاج في ريف حمص الشرقي، كما احتفظ النظام السوري بالسيطرة على مصفاتي حمص وبانياس الوحيدتين في سورية حتى الآن، ما دفع القوى التي سيطرت على آبار النفط الكبرى إلى تكريره بطرق بدائية، تقوم جميعها على مبدأ التسخين بالحرق لتبخير المشتقات النفطية، ومن ثم تكثيفها بالتبريد لتعبئتها وبيعها أو استعمالها.
وفقدت قوات المعارضة مع بداية العام الماضي سيطرتها على آبار دير الزور وريف الحسكة الجنوبي والشرقي لصالح "داعش"، في الوقت الذي احتفظت فيه قوات "حماية الشعب" الكردية بالسيطرة على حقول الرميلان والسويدية أقصى شرق محافظة الحسكة؛ والتي يبلغ مجموع آبارها 1322 بئراً بينها مجموع حقول السويدية التي كان يطلق عليها لقب "درّة الحقول السورية" بسبب وصول حجم إنتاجها عام 2010 لنحو 112 ألف برميل نفط يومياً.
جلال الحزواني مهندس متخصص في البترول، أكد لـ "العربي الجديد" أن السلطات الكردية في الجزيرة السورية وقوات المعارضة السورية ومن ثم "داعش"، قامت جميعا منذ سيطرتها على معظم حقول النفط السورية باستخراج النفط بطرق بدائية دون إخراج الماء والغاز منه، قبل تركه في أحواض ترابية ضخمة ليرقد الماء أسفل الحوض قبل تشغيل مضخات مركبة على هذه الأحواض لتعبئة الصهاريج المخصصة لنقل النفط إلى محطات التكرير البدائية.
ويلفت الحزواني إلى حقيقة عدم وجود إحصاءات دقيقة تحدد حجم استخراج النفط شرق وشمالي سورية في الوقت الحالي، إلا أنه يقدر نسبة إنتاج النفط في مناطق سيطرة داعش بنحو نصف الطاقة الكلية للآبار أي نحو 100 ألف برميل يوميا، ونحو ثلثي الطاقة الكلية للآبار في مناطق سيطرة القوات الكردية أي نحو 90 ألف برميل يومياً.
ويوضح الحزواني أن تكرير النفط في مناطق سيطرة القوات الكردية وقوات داعش وقوات المعارضة السورية يتم في محطات صغيرة بدائية الصنع يُطلق عليها اسم "الحراقات"، إذ يتم وضع النفط الخام في خزانات معدنية صغيرة نسبيا سعة الواحد منها تتراوح بين 20 و100 برميل، يتم تسخينها عن طريق إشعال النيران تحتها باستخدام النفط الخام أو إطارات السيارات المستعملة أو غيرها، لتبدأ المشتقات بالتبخر نتيجة التسخين لتمر بعدها عبر أنبوب معدني مغمور بحوض مائي ما يسبب التبريد وبالتالي تكثيف الديزل أو البنزين أو الكاز ويتم تقطيره، لتصب هذه المشتقات في براميل مخصصة لتعبئتها، ويميز عمال محطات التكرير بين المشتقات بناء على لونها ورائحتها؛ ما يزيد المخاطر الصحية الخطيرة التي ترافق عملهم نتيجة استنشاقهم الدائم للغازات المنبعثة عن تسخين النفط الخام وعن عمليات الاحتراق بهدف التسخين، كما أن هذا الاحتراق يخلف سحبا دخانية سوداء ضخمة تغطي المناطق التي توجد فيها الحراقات وتسبب تلوثاً شديداً، وتزيد مخلفات وبقايا النفط بعد استخراج المشتقات، والتي ترمى في الأراضي الزراعية أو الأنهار، من المخاطر البيئية.
كارثة صحية
ينتج عن تكرير النفط عن طريق عملية الاحتراق الهادفة للتسخين، انبعاث غازات خانقة وسامة بعضها خطير جدا ويؤدي لوفاة من يتعرض لها، في الوقت الذي تسبب فيه الغازات المنبعثة عن عمليات التكرير أمراضاً كثيرة للعاملين في محطات التكرير البدائية وللسكان المقيمين في محيطها.
الدكتور محمد محمود يقطن في محافظة الحسكة (شمال شرق سورية)، أوضح لـ "العربي الجديد": "أن عملية تكرير النفط باستخدام الحراقات ينتج عنها انبعاث غازات الميتان وثاني أوكسيد الكربون والهيدروجين التي تلوث الهواء، وغازات الفلور والكلور التي تسبب الأمراض والانتانات الجلدية والتنفسية لمن يستنشقها، بالإضافة إلى أن عملية التكرير البدائية تسبب انبعاث كميات من الرصاص والنيكل والزئبق التي تسبب الالتهابات والتسمم الذي قد يؤدي إلى شلل عصبي ومشاكل في الكلى والرئتين.
ويشير الدكتور، محمد محمود، إلى أن أخطر الغازات التي تنتج عن عملية التكرير البدائية هي غازا الكبريت وأول أوكسيد الكربون عاليا السميّة اللذين قد يؤديان إلى وفاة من يستنشق أحدهما، مع وصول تركيزهما في الدم إلى حد معين، وتأتي خطورة هذين الغازين من أنهما عديما الرائحة، ويكفي استنشاق كمية قليلة منهما إلى إحداث تسمم مميت.
ويلفت محمود إلى أن التلوث الكبير الذي خلفه استخدام الحراقات في التكرير صنع أرضية لانتشار أمراض انقرضت في وقت سابق في شرق سورية، كمرض السل، الذي وصلت عدد حالات الإصابة فيه إلى أكثر من 500 حالة في محافظة الحسكة وحدها، ومرض اللشمانيا الذي سجلت أكثر من 15 ألف إصابة في محافظة الحسكة وحدها به، ومرض الجرب الذي أصيب به أكثر من 18 ألفاً في محافظة الحسكة بينهم نحو ستة آلاف طفل.
وإذا كانت الأمراض التنفسية والجلدية على رأس قائمة الأخطار الصحية التي داهمت عمال محطات التكرير وسكان المناطق المحيطة بها، فإن أخطارا صحية أكبر بدأت بالظهور مع مرور ما يقارب ثلاث سنوات على بدء عمليات التكرير باستخدام الحراقات.
هنادي يعرب المحسن، طبيبة توليد من دير الزور أكدت لـ "العربي الجديد": "معاينتها لأكثر من حالة تشوه لمواليد في مدينة الميادين بريف دير الزور في الأشهر الأخيرة، وأرجعت المحسن سبب التشوهات الخلقية في المواليد الجدد في ريف دير الزور إلى انتشار مئات الحراقات في مناطق الريف، والتي جعلت النساء الحوامل في مناطق وجود الحراقات يستنشقن غازات سامة ناتجة عن عمليات حرق النفط، وتسخينه يومياً ما أدى إلى تشوه في أجنتهن.
ولفتت المحسن إلى أن الغازات المنبعثة عن عمليات التكرير البدائية هي في نفس الوقت مواد مسرطنة، وقد بدأت تظهر إصابات بسرطانات جلدية وتنفسية بشكل واضح وبنسب غير معهودة في مناطق وجود الحراقات، بالإضافة إلى ظهور بعض الإصابات بسرطانات اللوكيميا (ابيضاض الدم) والجليوبلاستوما (سرطان الدبق العصبي).
البيئة السورية في خطر
يتركز السكان في محافظتي الحسكة ودير الزور السوريتين على أطراف الأنهار، نهري الخابور والفرات وروافدهما، أدى ذلك إلى استخدام أصحاب الحراقات، سواء كانوا من المليشيات المسيطرة على مناطق شرق سورية أو من السكان الذين يستثمرون أموالهم في صناعة التكرير البدائية، للممرات المائية كمكب لمخلفات عمليات التكرير، شكل ذلك بحسب المهندس الزراعي ياسر شاهين ضرراً كبيرا على الأحياء المائية في نهر الفرات، كما سبب تلوث مياه النهر ضرراً كبيرا للسكان الذين باتوا يعتمدون على مياهه للشرب مباشرة بدون أي تعقيم، مع توقف معظم محطات تعقيم المياه عن العمل، خصوصا في ريف دير الزور الغربي.
ويوضح شاهين لـ "العربي الجديد" أن خطر عمليات التكرير البدائية لا يقتصر على ذلك، إذ يتحد غاز الكبريت المنبعث من النفط مع الأوكسجين الموجود في الهواء في ظروف الرطوبة العالية ليشكل أوكسيد الكبريت الذي يصيب النباتات والتربة بأضرار كارثية.
حلول مفقودة
قوات المعارضة السورية كانت قد استوردت مصافي صغيرة للنفط، تعمل على مبدأ تسخينه، بهدف تكريره باستخدام الغاز أو الكهرباء عام 2013 عن طريق تركيا، صنعت في تركيا أو الصين، إلا أنها لم تقدم بديلاً حقيقيا عن الحراقات، بسبب ضعف إنتاجها وقلة عددها وكثرة أعطالها، لتأتي سيطرة داعش والقوات الكردية على شرق سورية بشكل شبه كامل مطلع العام الماضي، وتنهي استيراد هذه المصافي الصغيرة، بسبب عدم إمكانية توريدها من تركيا؛ ما فاقم من أضرار البيئة السورية.
--------
اقرأ أيضا :
برد الزنازين 3..الالتصاق طريقة المعتقلين السوريين لمقاومة الصقيع
آلاف من محطات تكرير النفط البدائية الصغيرة ما زالت تعمل، للعام الثالث على التوالي، شرق وشمال سورية على تكرير النفط المستخرج من الآبار التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وقوات "حماية الشعب" الكردية شرق سورية، تواصل بث سمومها في البيئة السورية.
صناعة ضخمة بأدوات بدائية
بلغ إنتاج سورية من النفط عام 2010 ما يزيد على 385 ألف برميل يوميا، بحسب التقرير الإحصائي السنوي للطاقة العالمية الذي تصدره دورياً شركة "بي بي" المعنية بشؤون الطاقة، ويتوزع إنتاج النفط في سورية على ثلاث مناطق رئيسية، الأولى في محافظة الحسكة (شمال شرق)، والتي كانت الحقول النفطية فيها تنتج ما يزيد على 220 ألف برميل يوميا من النفط الثقيل والثانية في محافظة دير الزور (شرق)، والتي كانت تنتج نحو 140 ألف برميل يومياً معظمها من النفط الخفيف، فيما يتوزع باقي الإنتاج السوري على حقول صغيرة موجودة في ريفي حمص وحماة الشرقيين تنتج بمجموعها نحو 15 ألف برميل يوميا فقط.
خسر النظام السوري السيطرة على معظم حقول النفط الكبرى الواقعة في محافظتي الحسكة ودير الزور منذ عام 2012 لصالح قوات المعارضة السورية وقوات "حماية الشعب" الكردية، في مقابل احتفاظه بالسيطرة على الحقول قليلة الإنتاج في ريف حمص الشرقي، كما احتفظ النظام السوري بالسيطرة على مصفاتي حمص وبانياس الوحيدتين في سورية حتى الآن، ما دفع القوى التي سيطرت على آبار النفط الكبرى إلى تكريره بطرق بدائية، تقوم جميعها على مبدأ التسخين بالحرق لتبخير المشتقات النفطية، ومن ثم تكثيفها بالتبريد لتعبئتها وبيعها أو استعمالها.
جلال الحزواني مهندس متخصص في البترول، أكد لـ "العربي الجديد" أن السلطات الكردية في الجزيرة السورية وقوات المعارضة السورية ومن ثم "داعش"، قامت جميعا منذ سيطرتها على معظم حقول النفط السورية باستخراج النفط بطرق بدائية دون إخراج الماء والغاز منه، قبل تركه في أحواض ترابية ضخمة ليرقد الماء أسفل الحوض قبل تشغيل مضخات مركبة على هذه الأحواض لتعبئة الصهاريج المخصصة لنقل النفط إلى محطات التكرير البدائية.
ويلفت الحزواني إلى حقيقة عدم وجود إحصاءات دقيقة تحدد حجم استخراج النفط شرق وشمالي سورية في الوقت الحالي، إلا أنه يقدر نسبة إنتاج النفط في مناطق سيطرة داعش بنحو نصف الطاقة الكلية للآبار أي نحو 100 ألف برميل يوميا، ونحو ثلثي الطاقة الكلية للآبار في مناطق سيطرة القوات الكردية أي نحو 90 ألف برميل يومياً.
ويوضح الحزواني أن تكرير النفط في مناطق سيطرة القوات الكردية وقوات داعش وقوات المعارضة السورية يتم في محطات صغيرة بدائية الصنع يُطلق عليها اسم "الحراقات"، إذ يتم وضع النفط الخام في خزانات معدنية صغيرة نسبيا سعة الواحد منها تتراوح بين 20 و100 برميل، يتم تسخينها عن طريق إشعال النيران تحتها باستخدام النفط الخام أو إطارات السيارات المستعملة أو غيرها، لتبدأ المشتقات بالتبخر نتيجة التسخين لتمر بعدها عبر أنبوب معدني مغمور بحوض مائي ما يسبب التبريد وبالتالي تكثيف الديزل أو البنزين أو الكاز ويتم تقطيره، لتصب هذه المشتقات في براميل مخصصة لتعبئتها، ويميز عمال محطات التكرير بين المشتقات بناء على لونها ورائحتها؛ ما يزيد المخاطر الصحية الخطيرة التي ترافق عملهم نتيجة استنشاقهم الدائم للغازات المنبعثة عن تسخين النفط الخام وعن عمليات الاحتراق بهدف التسخين، كما أن هذا الاحتراق يخلف سحبا دخانية سوداء ضخمة تغطي المناطق التي توجد فيها الحراقات وتسبب تلوثاً شديداً، وتزيد مخلفات وبقايا النفط بعد استخراج المشتقات، والتي ترمى في الأراضي الزراعية أو الأنهار، من المخاطر البيئية.
كارثة صحية
ينتج عن تكرير النفط عن طريق عملية الاحتراق الهادفة للتسخين، انبعاث غازات خانقة وسامة بعضها خطير جدا ويؤدي لوفاة من يتعرض لها، في الوقت الذي تسبب فيه الغازات المنبعثة عن عمليات التكرير أمراضاً كثيرة للعاملين في محطات التكرير البدائية وللسكان المقيمين في محيطها.
الدكتور محمد محمود يقطن في محافظة الحسكة (شمال شرق سورية)، أوضح لـ "العربي الجديد": "أن عملية تكرير النفط باستخدام الحراقات ينتج عنها انبعاث غازات الميتان وثاني أوكسيد الكربون والهيدروجين التي تلوث الهواء، وغازات الفلور والكلور التي تسبب الأمراض والانتانات الجلدية والتنفسية لمن يستنشقها، بالإضافة إلى أن عملية التكرير البدائية تسبب انبعاث كميات من الرصاص والنيكل والزئبق التي تسبب الالتهابات والتسمم الذي قد يؤدي إلى شلل عصبي ومشاكل في الكلى والرئتين.
ويشير الدكتور، محمد محمود، إلى أن أخطر الغازات التي تنتج عن عملية التكرير البدائية هي غازا الكبريت وأول أوكسيد الكربون عاليا السميّة اللذين قد يؤديان إلى وفاة من يستنشق أحدهما، مع وصول تركيزهما في الدم إلى حد معين، وتأتي خطورة هذين الغازين من أنهما عديما الرائحة، ويكفي استنشاق كمية قليلة منهما إلى إحداث تسمم مميت.
وإذا كانت الأمراض التنفسية والجلدية على رأس قائمة الأخطار الصحية التي داهمت عمال محطات التكرير وسكان المناطق المحيطة بها، فإن أخطارا صحية أكبر بدأت بالظهور مع مرور ما يقارب ثلاث سنوات على بدء عمليات التكرير باستخدام الحراقات.
هنادي يعرب المحسن، طبيبة توليد من دير الزور أكدت لـ "العربي الجديد": "معاينتها لأكثر من حالة تشوه لمواليد في مدينة الميادين بريف دير الزور في الأشهر الأخيرة، وأرجعت المحسن سبب التشوهات الخلقية في المواليد الجدد في ريف دير الزور إلى انتشار مئات الحراقات في مناطق الريف، والتي جعلت النساء الحوامل في مناطق وجود الحراقات يستنشقن غازات سامة ناتجة عن عمليات حرق النفط، وتسخينه يومياً ما أدى إلى تشوه في أجنتهن.
ولفتت المحسن إلى أن الغازات المنبعثة عن عمليات التكرير البدائية هي في نفس الوقت مواد مسرطنة، وقد بدأت تظهر إصابات بسرطانات جلدية وتنفسية بشكل واضح وبنسب غير معهودة في مناطق وجود الحراقات، بالإضافة إلى ظهور بعض الإصابات بسرطانات اللوكيميا (ابيضاض الدم) والجليوبلاستوما (سرطان الدبق العصبي).
البيئة السورية في خطر
يتركز السكان في محافظتي الحسكة ودير الزور السوريتين على أطراف الأنهار، نهري الخابور والفرات وروافدهما، أدى ذلك إلى استخدام أصحاب الحراقات، سواء كانوا من المليشيات المسيطرة على مناطق شرق سورية أو من السكان الذين يستثمرون أموالهم في صناعة التكرير البدائية، للممرات المائية كمكب لمخلفات عمليات التكرير، شكل ذلك بحسب المهندس الزراعي ياسر شاهين ضرراً كبيرا على الأحياء المائية في نهر الفرات، كما سبب تلوث مياه النهر ضرراً كبيرا للسكان الذين باتوا يعتمدون على مياهه للشرب مباشرة بدون أي تعقيم، مع توقف معظم محطات تعقيم المياه عن العمل، خصوصا في ريف دير الزور الغربي.
ويوضح شاهين لـ "العربي الجديد" أن خطر عمليات التكرير البدائية لا يقتصر على ذلك، إذ يتحد غاز الكبريت المنبعث من النفط مع الأوكسجين الموجود في الهواء في ظروف الرطوبة العالية ليشكل أوكسيد الكبريت الذي يصيب النباتات والتربة بأضرار كارثية.
حلول مفقودة
قوات المعارضة السورية كانت قد استوردت مصافي صغيرة للنفط، تعمل على مبدأ تسخينه، بهدف تكريره باستخدام الغاز أو الكهرباء عام 2013 عن طريق تركيا، صنعت في تركيا أو الصين، إلا أنها لم تقدم بديلاً حقيقيا عن الحراقات، بسبب ضعف إنتاجها وقلة عددها وكثرة أعطالها، لتأتي سيطرة داعش والقوات الكردية على شرق سورية بشكل شبه كامل مطلع العام الماضي، وتنهي استيراد هذه المصافي الصغيرة، بسبب عدم إمكانية توريدها من تركيا؛ ما فاقم من أضرار البيئة السورية.
--------
اقرأ أيضا :
برد الزنازين 3..الالتصاق طريقة المعتقلين السوريين لمقاومة الصقيع