تلك الثورة المكبوتة في جنوب العراق

18 ابريل 2017
+ الخط -
يبدو أن السنوات الأربع عشرة الماضية كانت كافيةً ليتعرف العراقيون على صديقهم من عدوهم. أربعة عشر عاما وضحت فيها صورة المشهد العراقي، كما لم تتضح من قبل، وصار في وسع أي عراقي، مهما كان بسيطا، أن يدرك من أين جاءه الخطر، ومن يقف وراء تدهور أوضاع بلدهم، حتى بات من أفشل الدول.
في مدن الجنوب العراقي، ذات الأغلبية الشيعية، بات ابن الجنوب، وقد كان ذات يوم معجباً بإيران أيما إعجاب، بات يدرك، وإن متأخرا، أن إيران لم تكن شيعية وهي تدعمهم، وانما كانت فارسية حد النخاع، استعملت بخبث ودهاء شيعة العراق، فقراءهم وبسطاءهم، من أجل تنفيذ مشروعها الامبراطوري، بدءًا من العراق وصولا إلى لبنان، مرروا بسورية وحتى اليمن.
استعملت إيران، طوال السنوات التي سبقت غزو العراق والتي أعقبته، شيعة العراق، أقنعتهم بأنها ستكون إلى جانبهم، ستخلصهم من ظلم النظام الذي صوّرته لهم سنياً، ولم يكن هو كذلك، فوجدت في مطامح بوش الصغير بإثبات وجوده على أنه مميز في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة، وتخطيطه لغزو العراق، فرصتها ليس في نصرة شيعة العراق، كما يعتقد السذّج، وإنما لتحقيق مطامحها التي سبق وأن اصطدمت بالعراق طوال ثمانينيات القرن الماضي.
جاء الخميني على دبابة أميركية، كان واضحا ذلك، ولكن من جاءوا على ظهر الدبابة نفسها من العراقيين قالوا غير ذلك: جاءت إيران لتقف إلى جانبنا، تساعدنا في استرداد حكم العراق بعد 1400 سنة من حكم السنة.. هكذا قالوا، وصدّقهم كُثر من أبناء الجنوب المغلوبين على أمرهم، ممن صدّقوا أن مدنهم ستتحول إلى مدن عالمية، قالوا لهم إن دبياتٍ (أكثر من دبي) أخرى ستقوم في الجنوب العراقي.
مضت السنوات، كانت إيران رديف الاحتلال الأميركي، بل ربما أقوى، فرضت سيطرتها على مفاصل دولةٍ عراقيةٍ أقيمت على أنقاض الدولة السابقة، أسستها أميركا التي دعمت عملية سياسية جاءت بشخوصٍ قدموا تسهيلات لها لاحتلال بلدهم، بل قل كانوا أدواتٍ استعملتها أميركا لاحتلال العراق، لأنهم أصلا لا يملكون ما يقدّمونه لأميركا أو غيرها، سوى أكاذيب، وكانت أميركا تعرف ذلك.

في هذه الشخوص، وجدت إيران ضالتها أيضا، كيف لا وهي من أسهم في تكوينهم وتدريبهم، فكان الغزو للعراق مركبا، أميركيا في الظاهر إيرانيا في الباطن، وطبعا الباطن دوما يكسب، فكسبت إيران وانسحبت أميركا، فتحول العراق حديقة خلفية لإيران، بل إن شئت الدقة إلى ملعب للتدريب والتخريب، تستعمله إيران متى شاءت، وضد من تشاء.
لم تتحول مدن الجنوب نسخاً عراقية من دبي، والفقر ضرب أطنابه جنوبا وشمالا، شرقا وغربا، في أغنى بلدان العالم، والفساد تحوّل غولا التهم كل مقدّرات العراق وخيراته، ونال العراق بسببه مركزا بين العشرة الأوائل في أكثر دول العالم فساداً.
يدرك العراقيون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أنهم وقعوا في فخ إيران، بعد أن وقعوا في فخ أميركا، وأن عراقهم الذي حلموا به قد تبدّد، ولا مجال لأن يعود، وبالتالي لا بد مما ليس منه بد، الانتفاضة.
في مدن الجنوب العراقي اليوم هناك نار تغلي تحت ركام الفساد الذي غطى المشهد، تحت ركام القوة المليشياوية المسيطرة، هناك شعب عراقي بدأ يستشعر أنه يجب أن يثور، وأن ثورته، هذه المرة، لن تكون إلا ضد رأس الأفعى، إيران.
قبل نحو أسبوعين، كان قيس الخزعلي، زعيم مليشيا عصائب أهل الحق، ذراع إيران القوي في العراق الذي لا يجرؤ حتى رئيس الحكومة، حيدر العبادي، أن يرفع وجهه بحضرته. كان الخزعلي في زيارة إلى جامعة القادسية جنوب العراق، في إطار مسعى إيراني جديد للسيطرة على شباب الجامعات. هناك سمع الخزعلي هتافاتٍ اهتزّت لها أركان طهران "إيران برّا برّا وبغداد تبقى حرة".
فاجأت الهتافات الخزعلي ومرافقيه، الأمر الذي اضطرهم إلى إطلاق النار فوق رؤوس الطلاب، وكادت أن تقع كارثة، لولا لطف الله، فلم يكن يتوقع الخزعلي أن يكون بهذا الموقف، وأين؟ في واحدة من جامعات مدن الجنوب الشيعية.
تفيد تقارير صحافية بأن هناك ما يشبه الثورة المكبوتة في جنوب العراق ضد إيران، والتي لا يمنعها من أن تظهر للعلن إلا القوة الغاشمة التي تسيطر على الجنوب، أي مليشيات إيران العراقية.
لن تتأخّر ثورة الجنوب العراقي على إيران أكثر من ذلك، خصوصا إذا ما بدأت بغداد الحكومية إجراءات فك ارتباطها مع إيران، بضغط أميركي طبعا، والتي ستبدأ أولا بعملية حل المليشيات التي ترى أميركا أنها ستشكل عائقا بوجه عودتها الجديدة إلى العراق، والتي بدأت بوادرها تُرى بالعين المجرّدة، ممثلة في مئات، بل قل آلاف الجنود الأميركيين الذين وصلوا إلى عدة قواعد عراقية.
سينتظر الجميع ما سيقوله أبناء الجنوب العراقي، بوجه إيران ونفوذها وغطرستها، الجميع سينتظر عراقا آخر ينبثق ربما، هذه المرة، من جنوبه.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...