حين تكون واحداً من أبناء البلدات والقرى السورية الهامشيّة، تلك البعيدة عن مراكز المدن، حيث تخفّ القيود العائلية الصارمة، لا يسهل عليك الحصول على أماكن عامة ومفتوحة للسهر، كما في المدن، حيث تكثر فرص الاختلاط والتعارف.
فقبل أن تمسح الميديا الجديدة الحدود وتتخطّى سيادات الدول، لم يكن ممكناً أن تجد وسيلة مسلّية غير التلفزيون. فقد كان التلفزيون فرصة للخروج الواهم، لا سيّما إذا كانت العائلة لا تسمح لأبنائها بالسهر خارج المنزل، وهو ما كان حال عموم جيلنا.
اعتدنا الوهم حتّى صدقناه، وتحوّل الصدق المخدوع إلى إدمان ممل. ولكثرة ما تكرر وتقادم به الوقت صار من القوة بحيث غدا إيجاد بديل له فكرة شبه مستحيلة، إلا إذا كنّا محظوظين واستطعنا مشاهدة التلفزيون العراقي، أيام الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الفائت!
حينها كانت فرصة مشاهدة أفلام كاوبوي على الطريقة الصداميّة، إذ يرتدي القبعة ويحمل مسدساً، وهو يقود سيارته بنفسه، ويدخل بيوت العراقيين المرتعدين خوفاً، حتى يصل إلى المطبخ، ويطمئن على صحتهم الغذائية! ستكون تعيس الحظّ إذا كان خيارك محكوماً بقناة واحدة، وسيزداد الحظ سوءاً عندما تقضي معظم وقتك أثناء الليل أمام شاشة التلفزيون السوري الحكوميّ، خصوصاً أنه الخيار الوحيد المتاح، النافذة الوحيدة التي يمكنك من خلالها البقاء وحيداً كما لو كنت محكوماً بالإقامة الجبرية!
كان التلفزيون بالمعنى الأسريّ عائلة شمولية كابحة. سنتقبل الأمر على نحو أسهل عندما ندرك أن العائلة الصغيرة كانت تخشى على أبنائها وبناتها الخروج ليلاً.
كان الخروج على العائلة الصغيرة دخولاً في كنف عائلة التلفزيون، التي بدت للوهلة الأولى أليفة وجذابة. غير أنّ هذه الألفة سرعان ما غدت ثقلاً وعبئاً مزدوجاً. كنا نقضي وقتاً طويلاً قبل الانتقال إلى مسلسل السهرة. كان المسلسل يعقب نشرة الأخبار التي تبتدئ عادة بصور (السيد الرئيس)، مستقبلاً أو مودّعاً، ومناقشاً القضايا ذات الاهتمام المشترك مع ضيوفه، من دون أن نعرف أي شيء عنها، إذ ظلت هذه القضايا ذات الاهتمام المشترك لغزاً حتى يومنا هذا. وعندما تقدّم الحال بالتلفزيون السوري صار يقدم نشرة الأخبار الجوية، قبل أن يظهر فجأة برنامج لتعليم اللغة العربية! كان توقيت البرنامج غريباً، إذ إنّ برنامجاً آخر مخصصاً للطلاب والتلاميذ كان يعرض في فترة ما بعد الظهيرة، فما الداعي لدرس آخر في الليل!
كان الأستاذ يوسف الصيداوي مقدّم البرنامج، يبالغ في الحشو والإطالة حتى أننا كنا نحسّ أن الحلقة لن تنتهي، وكيف سيكون حالنا إذا انقطعت الكهرباء فجأة، وخسرنا مشاهدة المسلسل المأمول!
الصبر إذن، ها قد انتهت حلقة اليوم من برنامج "لغة الضاد". جاء وقت عرض المسلسل أخيراً. تلك كانت الفرصة الوحيدة، غير أنّها كانت تأخذنا إلى مصر، لا دمشق ولا حلب، إذ إنّ "تسونامي" المسلسلات السورية لم يكن قد ظهر بعد.
فقبل أن تمسح الميديا الجديدة الحدود وتتخطّى سيادات الدول، لم يكن ممكناً أن تجد وسيلة مسلّية غير التلفزيون. فقد كان التلفزيون فرصة للخروج الواهم، لا سيّما إذا كانت العائلة لا تسمح لأبنائها بالسهر خارج المنزل، وهو ما كان حال عموم جيلنا.
اعتدنا الوهم حتّى صدقناه، وتحوّل الصدق المخدوع إلى إدمان ممل. ولكثرة ما تكرر وتقادم به الوقت صار من القوة بحيث غدا إيجاد بديل له فكرة شبه مستحيلة، إلا إذا كنّا محظوظين واستطعنا مشاهدة التلفزيون العراقي، أيام الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن الفائت!
حينها كانت فرصة مشاهدة أفلام كاوبوي على الطريقة الصداميّة، إذ يرتدي القبعة ويحمل مسدساً، وهو يقود سيارته بنفسه، ويدخل بيوت العراقيين المرتعدين خوفاً، حتى يصل إلى المطبخ، ويطمئن على صحتهم الغذائية! ستكون تعيس الحظّ إذا كان خيارك محكوماً بقناة واحدة، وسيزداد الحظ سوءاً عندما تقضي معظم وقتك أثناء الليل أمام شاشة التلفزيون السوري الحكوميّ، خصوصاً أنه الخيار الوحيد المتاح، النافذة الوحيدة التي يمكنك من خلالها البقاء وحيداً كما لو كنت محكوماً بالإقامة الجبرية!
كان التلفزيون بالمعنى الأسريّ عائلة شمولية كابحة. سنتقبل الأمر على نحو أسهل عندما ندرك أن العائلة الصغيرة كانت تخشى على أبنائها وبناتها الخروج ليلاً.
كان الخروج على العائلة الصغيرة دخولاً في كنف عائلة التلفزيون، التي بدت للوهلة الأولى أليفة وجذابة. غير أنّ هذه الألفة سرعان ما غدت ثقلاً وعبئاً مزدوجاً. كنا نقضي وقتاً طويلاً قبل الانتقال إلى مسلسل السهرة. كان المسلسل يعقب نشرة الأخبار التي تبتدئ عادة بصور (السيد الرئيس)، مستقبلاً أو مودّعاً، ومناقشاً القضايا ذات الاهتمام المشترك مع ضيوفه، من دون أن نعرف أي شيء عنها، إذ ظلت هذه القضايا ذات الاهتمام المشترك لغزاً حتى يومنا هذا. وعندما تقدّم الحال بالتلفزيون السوري صار يقدم نشرة الأخبار الجوية، قبل أن يظهر فجأة برنامج لتعليم اللغة العربية! كان توقيت البرنامج غريباً، إذ إنّ برنامجاً آخر مخصصاً للطلاب والتلاميذ كان يعرض في فترة ما بعد الظهيرة، فما الداعي لدرس آخر في الليل!
كان الأستاذ يوسف الصيداوي مقدّم البرنامج، يبالغ في الحشو والإطالة حتى أننا كنا نحسّ أن الحلقة لن تنتهي، وكيف سيكون حالنا إذا انقطعت الكهرباء فجأة، وخسرنا مشاهدة المسلسل المأمول!
الصبر إذن، ها قد انتهت حلقة اليوم من برنامج "لغة الضاد". جاء وقت عرض المسلسل أخيراً. تلك كانت الفرصة الوحيدة، غير أنّها كانت تأخذنا إلى مصر، لا دمشق ولا حلب، إذ إنّ "تسونامي" المسلسلات السورية لم يكن قد ظهر بعد.