فجأة، تحولت النغمات الخارجة من البيئة الشعبية المصرية إلى موسيقى تجتاح العالم. موسيقى "المهرجانات" المولودة في "مدينة السلام"؛ هذه المنطقة العشوائية على تخوم القاهرة بأبطالها الأوائل: عمرو حاحا والسادات وفيفتي، الذين أقاموا حفلات ناجحة وصلت لندن.
خمس سنوات تقريباً عمر هذه "التجربة" التي صارت فقرة أساسية في أي حفل في مصر، وحتى الآن ما زال تعامل النخبة الثقافية معها متعالياً في كثير من تفاصيله؛ سواء رفضها بوصفها عنوان الابتذال الموسيقي، أو الاحتفاء بها بوصفها تعبيراً عن طبقة اجتماعية ومنتج فني خارج من هامش المدينة العشوائي. بعبارة أخرى، هو تلصُّص على "آخر" ثقافي واجتماعي فوجئ الجميع بوجوده في بدايات الثورة.
المفارقة الدالّة في تلّقي منتج فني إشكالي مثل "المهرجانات"، تكمن في هيمنة أفكار ما بعد حداثية - أو هذا ما يبدو ـ في الوقت الذي يحصر أصحاب هذه الأفكار تعاملهم مع "المهرجانات" بوصفها نوعاً مرفوضاً من الفن، استناداً إلى تصورات غائمة عن "القيمة" و"الفن الرفيع".
"القيمة" التي وصفها عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو بأنها "محمية من طرف مشروعيتها نفسها ضد النظرة العلمية وضد عملية نزع صفة القدسية التي تفترضها كل دراسة علمية للموضوعات التي أضيفت عليها صبغة قدسية".
ربما آن الأوان لنقد موسيقي متخلّص من الأسباب الخارجية في فهم "المهرجانات" وتحليلها، طالما أن وجودها لم يعد هامشياً.