أمورٌ كثيرة تغيّرت على تلامذة قطاع غزة. صحيح أن المدارس فتحت أبوابها بعد نحو أسبوعين من انتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير. إلا أن إقامة بعضهم داخل مدارس الأونروا أو الكرفانات، تمنعهم من الدراسة. يفتقد أحمد الزعانين (12 عاماً) غرفته كثيراً. فيها، كانت والدته تؤمّن له جواً مناسباً للدراسة، أقله الهدوء. يقطن اليوم في إحدى المدارس في بيت حانون. تراجعت معدلاته في المدرسة بشكل كبير. تقول والدته لـ "العربي الجديد": "أجد صعوبة في إقناع أحمد بالدراسة. لا أستطيع الضغط عليه. فمن غير المنطقي أن يدرس داخل صف مدرسي نقيم فيه".
وجد أحمد حلاً مؤقتاً لمشكلته. صار يذهب إلى منزل صديقه المدمّر جزئيّاً في حي المصريين في بيت حانون لمدة ساعة، من دون أن يتمكن من التحضير لليوم التالي كما اعتاد. يقول: "كيف لي أن أدرس في مدرسة وأنام في مدرسة؟ لا أشعر بالراحة حتى في النوم داخل الصف مع عائلتي. من الطبيعي ألا أتابع دروسي على الرغم من ضغوط وإصرار أهلي".
المعاناة عينها تطال طلال أبو جامع (14 عاماً)، الذي يقيم في كرفان في شرق مدينة خانيوس جنوبي القطاع. يسكن هذه الغرفة أيضاً أشقاؤه الخمسة ووالداه. لا يوجد مساحة كافية للقيام بشيء. بالكاد يستطيعون وضع ملابسهم. كثيراً ما يضطر للبقاء في المدرسة لحل واجباته المدرسية. تقول والدته إن "الكرفانات تكاد تكون أسوأ من الإقامة في المدارس. لا يوجد مساحة لأية نشاط منزلي. بالتالي، لا تشجع الإقامة هنا طلال على الدراسة".
العام الماضي، حصل طلال الذي كان في الصف الثاني إعدادي على معدل 92 في المائة. لكن منذ بداية العام الدراسي، تراجع معدله نحو 5 درجات في كل مادة. يقول طلال لـ "العربي الجديد": "لا أشعر برغبة في الدراسة في كثير من الأحيان. كما أنني لا أجد تشجيعاً من أحد. الجميع منشغل بإعادة إعمار المنازل. حتى أن كثيراً من التلاميذ الذين يدرسون في الكرفانات لا يتابعون دروسهم، كما اعتادوا خلال الأعوام الماضية".
لكن الإقامة في المدارس والكرفانات تُقلق تلاميذ الثانوية العامة بشكل خاص. حتى اللحظة، لم تبدأ آلاء صوان (17 عاماً) الدراسة، خصوصاً أنها تقيم في مدرسة الفالوجا في معسكر جباليا (شمال القطاع). تقول لـ "العربي الجديد": "أفكر أحياناً في تأجيل الدراسة هذا العام، في ظل عدم وجود مكان مهيأ. كما أن المدارس لا تراعي أوضاعنا، وما زال المنهاج على حاله". تشير إلى أن كثيراً من زميلاتها يسكنون المدرسة معها، بعدما دمر حيّهم في مدينة بيت حانون بالكامل. وتعمل وزارة التربية والتعليم على مراعاة التلاميذ الذين دمرت منازلهم، واضطروا للإقامة في المدارس أو الكرفانات.
في السياق، يقول محمد عمر من دائرة المتابعة والنشاطات في وزارة التربية والتعليم إن "الوزارة عملت على تقليل الحصص الدراسية في القطاع، وأوعزت إلى الأساتذة مراعاة ظروف التلاميذ". يضيف "نجد صعوبة في الوقت الحالي لوضع خطة ممنهجة بالنسبة للطلاب في المدارس والكرفانات. حتى أن الأساتذة عاجزون عن إنهاء المنهج، ما قد يؤدي إلى تفاقم المشاكل"، لافتاً إلى أننا "سندرس حالات التلاميذ، والظروف الصعبة التي يعيشون فيها".
وترى أستاذة علم النفس، جليلة القدرة، أن "إقامة التلاميذ خارج بيوتهم تشكّل خطراً على صحتهم النفسية، ما ينعكس على مستواهم الدراسي". تقول إن "التغييرات النفسية والجغرافية تخلق جواً سلبيّاً في كثير من الأحيان، ما يجعل التلاميذ غير راغبين في متابعة دروسهم". تشير أيضاً إلى أن "ضيق المكان، وعدم وجود فسحة للأطفال، يؤدي إلى زيادة همومهم. مع الوقت، يشعرون بعزلة كبيرة، ويفقدون الإحساس بالأمان".