تلاميذ بلا تعليم في باكستان

18 اغسطس 2017
مستقبل الأطفال في خطر (بسيط شاه/ فرانس برس)
+ الخط -

تُعرف مناطق الشمال الغربي في باكستان منذ القدم بالتخلف في كلّ مجالات الحياة بالمقارنة مع مناطق أخرى من البلاد. سكانها فقراء في الجملة مقارنة بسكان الأقاليم الأخرى الذين يعيشون في رفاهية إلى حد ما، ولا يماثلهم في الفقر إلاّ أهل المناطق القبلية المحاذية لهم.

في الآونة الأخيرة عندما تعالت الأصوات الرسمية وغير الرسمية لأجل انضمام المناطق القبلية إلى إقليم خيبر بختونخوا أو جعلها إقليماً مستقلاً، تسلطت الأضواء على الوضع السيئ الذي تعيشه معظم مناطق الشمال الغربي في جميع مجالات الحياة، وحاجتها إلى اهتمام حكومي كبير.

بالإضافة إلى عدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بتلك المناطق الحساسة التي أضحت مركزاً لتفشّي العنف في باكستان، والتي تعد حالياً مركز نفوذ الجماعات المسلحة، تعتبر العادات القبلية المتبعة هناك ومظاهر التسلح والموقع الجغرافي من أهم أسباب تخلّف تلك المناطق، لا سيما في التعليم والأمن.

يعتقد قبليون أنّ الحكومة الباكستانية الحالية كسابقاتها لم تعمل كثيراً لتلك المناطق ولم تفِ بوعودها، خصوصاً في مجال التعليم الذي بات من أكثر المجالات تضرراً إزاء الوضع الأمني الراهن، بل إنّ سياساتها ألحقت وما زالت أضراراً كبيرة بهذا القطاع. من أحدث سياسات الحكومة إغلاق كلّ المدارس التي يكون عدد التلاميذ فيها ضئيلاً، سواء في منطقة القبائل أو باقي مناطق الشمال الغربي، بحجة وقف الهدر.

تبعاً لهذه السياسة، أغلقت الحكومة 49 مدرسة حكومية في الأيام الأخيرة في مديرية تشارسده الواقعة بين المناطق القبلية ومدينة بشاور عاصمة إقليم خيبر بختونخوا بذريعة أنّ عدد التلاميذ فيها أقل من الحدّ المطلوب، وأنّ إدارة التعليم المحلية قررت ذلك بسبب عدم الخروج بنتائج جيدة من المدارس.

في هذا الخصوص، يقول جمدر خان، وهو أحد سكان منطقة تشارسده: "أستغرب جداً هذا القرار، ليس لأنّه غير منطقي فقط بل لأنّه يمثل تلاعباً بقطاع التعليم الذي يستدعي عملاً أكثر فيه. الحلّ ليس في إغلاق المدارس بل في اتباع طرق من شأنها أن تستقطب التلاميذ". يشير خان إلى أنّ الخطط الآنية لن تحلّ الوضع، خصوصاً مع ما يشهده قطاع التعليم من تدهور، وأنّ الأمر في حاجة ماسة إلى خطط بديلة طويلة المدى بموجبها تملأ المدارس بالتلاميذ قبل كلّ شيء. ويتساءل خان: "لماذا لا تعمل الحكومة على إقناع الآباء وتُحسن الوضع كي يأتي أطفال هذه المناطق إلى المدارس وكي يساهموا في مستقبل البلاد، وفي مستقبل المنطقة على الخصوص؟ من دون ذلك ستستمر مظاهر التسلح وسيبقى مستقبلنا مظلماً".




لم تتحدث السلطات عن الخطط البديلة لتلاميذ تلك المدارس، عدا أمرهم بالذهاب إلى مدارس أخرى قريبة من مناطقهم، لكنّ ندرة المدارس هناك توقع التلاميذ وآباءهم في أزمة أخرى. يقول التلميذ سنوبر، وهو من مدرسة أغلقت: "نواجه مشكلة كبيرة بعد إغلاق السلطات مدرستنا، فالمدرسة الأقرب إلى حيّنا بعيدة جداً، ونصل إليها بعد ساعة من المشي". لا يخشى الآباء تعب أبنائهم للوصول إلى تلك المدارس البعيدة، بل احتمال أن يؤدي ذلك إلى حرمانهم من التعليم شيئاً فشيئاً.

على صعيد متصل، جاء في بيان الحكومة الذي يبرر الإغلاق، أنّ المدرّسين في المدارس المغلقة سيجري تعيينهم في مدارس أخرى، لكنّ الغموض في العملية يقلقهم. يقول ولي زار خان أحد هؤلاء المدرسين: "لا نعرف أين سيجري تعييننا ومتى ذلك، لأنّ الشفافية في الدوائر الحكومية شبه معدومة، ولأنّنا لا نعرف إلى الآن آلية التعامل مع مدرّسي المدارس التي أغلقت". يعرب خان عن خشيته إزاء مستقبله ويخشى أن تقول له الإدارة المعنية في يوم من الأيام أن لا ضرورة لهم، وهو ما يحدث دائماً في باكستان، وقد سبق لكثيرين اللجوء إلى المحاكم كي يحصلوا على حقهم.

ليس هذا فحسب بل كذلك يخشى هؤلاء المدرسون من تعيينهم في مناطق نائية، بالإضافة إلى قلقهم من ضياع مستقبل تلاميذهم المؤثر بدوره سلباً على مستقبل المنطقة. ويشهد قطاع التعليم في المناطق القبلية وفي مناطق الشمال الغربي تدهوراً متواصلاً بعد إدخال تلك المناطق في حرب، وتوسّع رقعة نفوذ المسلحين فيها الذين دمروا بدورهم عشرات المدارس، بالإضافة إلى ما دمرته الحرب.

تفجير مدارس البنات

في منطقة تشارسده (شمال غرب) التي بدأت الحكومة الباكستانية منها تطبيق خطة إغلاق المدارس، سبق للمسلحين المتمردين تفجير عشرات المدارس بذريعة أنّها مخصصة للبنات، أو أنّها حكومية. وبذلك، فإنّ معظم مدارس البنات الرئيسية في المنطقة إما دمرت بشكل كلي أو تضررت جزئياً في السنوات الأخيرة.

دلالات