هواجس كثيرة تدور في أذهان اللاجئين الأفغان في باكستان الذين ينتظرون قرار إسلام آباد بتجديد إقاماتهم نهاية العام من عدمه. هم يخافون أولاً وأخيراً على مستقبل أولادهم الذين يتلقون تعليمهم في دولة اللجوء
يعيش اللاجئون الأفغان في باكستان، اليوم، هاجس الخوف على مستقبل أطفالهم قبل الاهتمام بصعوبة الحياة اليومية بعيداً عن قراهم ومنازلهم. ويتساءل هؤلاء بالدرجة الأولى، إن كانت السلطات الباكستانية ستجدد فترة إقامتهم أم لا، نهاية العام الجاري.. وماذا عساهم أن يفعلوا بخصوص مستقبل أطفالهم؟ هل للمدارس نفسها أن تنتقل بدورها مع اللاجئين إلى أفغانستان وتواصل تعليم أطفالهم في حال تم ترحيلهم؟
من جهتهم، يبدو القائمون على عشرات المدارس الخاصة بأبناء وبنات اللاجئين الأفغان في باكستان حائرين أيضاً. هم معلقون بين مصيرين.. فالحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي لا يظهران مبالاتهما بهذه المدارس من جهة، ومصير اللاجئين مجهول بالكامل حتى اللحظة من جهة أخرى.
وبينما يرى كثيرون أنّ إغلاق هذه المدارس سيتسبب في ضياع مستقبل آلاف الأطفال والشباب، يرى آخرون أنّ عدم اهتمام الحكومة الأفغانية بمواطنيها، وتضييق الحكومة الباكستانية الخناق على اللاجئين، يجعل إغلاق المدارس الحلّ الأنسب، خصوصاً أنّ معظمها يعاني من أزمة مالية.
محمد حسان يدرس مع ثلاثة من أشقائه في مدرسة "خوشحال" في مدينة بيشاور، عاصمة إقليم خيبربختونخوا، في شمال غرب باكستان، المجاور لأفغانستان. هم وأهلهم حائرون بخصوص حالتهم المدرسية. الوالدة تفضل أن يواصل الأطفال الدراسة في بيشاور، حتى يحسم القرار بشأن مستقبل اللاجئين. لكنّ الوالد يفضل أن يذهب الولدان الكبيران، حسان وعابد، إلى أفغانستان ليواصلا دراستهما هناك، ويعيشا مع عمه، وذلك خوفاً من ضياع وقتهم إذا أغلقت مدارس اللاجئين أبوابها في باكستان.
لم تختلف حالة المدرسين ومديري المدارس عن أبناء اللاجئين وبناتهم. ففي إقليم خيبربختونخوا وحده 59 مدرسة أفغانية. المدرسون لا يخشون فقط على مستقبل التلاميذ بل، أيضاً، على وظائفهم، وسط بطالة مستشرية في أفغانستان. هم يخشون من عدم السماح لهم بالبقاء في باكستان بعد انتهاء فترة إقامتهم مع نهاية ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
يقول المدرس في إحدى ثانويات اللاجئين في مدينة بيشاور محمد أفضل: "نحن معلقون بين السماء والأرض، بسبب ما نسمعه عن نية الحكومة الباكستانية عدم تمديد فترة إقامتنا. كثيرون من بيننا ليس لديهم مصدر دخل في أفغانستان، وبالتالي لا ندري كيف نتعامل مع القضية، وكيف نخرج من هذه الأزمة".
خلال الأيام القليلة الماضية، عقد عدد كبير من مديري ومسؤولي مدارس اللاجئين الأفغان اجتماعات عديدة في مدينة بيشاور. طلبوا من الحكومة الأفغانية إيلاء عناية خاصة بملف اللاجئين عموماً، وبأزمة المدارس على وجه الخصوص. وحجة هؤلاء أنّ مستقبل آلاف التلاميذ الأفغان مرهون بتلك المدارس. كما لفتوا إلى أنّ الأفغان ليس بإمكانهم الالتحاق بالمدارس الباكستانية بسبب حالتهم المعيشية الصعبة، بالإضافة إلى أنّ كثيرين من بينهم غير مسموح لهم بذلك.
شدد المشاركون في الاجتماعات على الصعوبات الكثيرة التي تعوق عملهم في باكستان، في الوقت الذي لا تهتم الحكومة الأفغانية بهم. فهم محرومون من كافة التسهيلات والحقوق التي توفرها الحكومة للمدرسين والمدرسات داخل البلاد.
إلى ذلك، قرر الاجتماع الأخير إرسال وفد إلى العاصمة الأفغانية كابول لمناقشة القضية مع المسؤولين في الحكومة، وبالتحديد مع المعنيين في وزارة التعليم. ويعتقد هؤلاء أنّ الحكومة إذا لم تهتم بالقضية، فمن الصعب جداً أن تواصل تلك المدارس أعمالها، وهو ما سيؤدي إلى حرمان آلاف التلاميذ اللاجئين من التعليم.
يشير بعضهم إلى أنّ أيّ تغير في موقف باكستان إزاء اللاجئين، لن يؤثر فقط على التلاميذ، بل على أهلهم أيضاً. لذا فإنّ أكثر من خمسين ألف أسرة عادت إلى أفغانستان في الأشهر الستة الماضية. وكثيرة الأسر الأخرى التي تعتزم العودة إلى البلاد. يفضلون ذلك على المصير المعلق بقرار الحكومة الباكستانية المنتظر، وهو القرار المعرض للتغير في أيّ لحظة.
من هؤلاء اللاجئ، محمد شهاب، الذي كان يسكن في مدينة بيشاور. هو يفضل البقاء في باكستان على الذهاب إلى بلاده. لكن بسبب سوء تعامل الشرطة الباكستانية، والتغيير في مواقف هذا البلد، بالإضافة إلى الخشية على مستقبل أولاده، فقد اتخذ قراراً بالعودة إلى أفغانستان، على الرغم من بدء موسم البرد الشديد.
يقول شهاب لـ"العربي الجديد": "كلّ يوم يزداد قلقنا بشأن مستقبل أولادنا في باكستان. لا ندري كيف سيواصلون التعليم. نحن لسنا على يقين أنّ الحكومة الباكستانية ستسمح لنا بالعيش هنا بعد انتهاء فترة إقامتنا نهاية العام. حتى لو سمحت لنا بالبقاء، فالأمور قد تغيرت وازدادت سوءاً".
يذكر شهاب قصة اعتقال الشرطة الباكستانية عشرات اللاجئين الأفغان، ليلة عيد الأضحى الأخير. يقول إنّ "عدداً كبيراً من الدوريات حاصرت منطقة بورد في بيشاور وجوارها، وهي المنطقة التي يقطنها اللاجئون الأفغان. وحتى منتصف الليل استمرت مداهمات منازل اللاجئين وتم اعتقال عشرات منهم بذريعة أو أخرى، وزجوا في مراكز الاحتجاز.
الجدير بالذكر، أنّ الحكومتين الأفغانية والباكستانية ومفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة عقدت اجتماعات عدة بخصوص مستقبل اللاجئين الأفغان في باكستان، كان آخرها قبل شهرين في كابول. اتفق على تمديد فترة إقامة اللاجئين في باكستان لعامين مقبلين، على أن يتم ترحيلهم بعد هذه الفترة. لكن بعد عودة الوفد الباكستاني إلى إسلام أباد وقعت خلافات بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم خيبربختونخوا، التي يترأسها حزب حركة الإنصاف بزعامة، عمران خان، أحد أشد المعارضين لرئيس الوزراء نواز شريف. ورفضت الحكومة الإقليمية تمديد فترة إقامة اللاجئين في الإقليم. وبالتالي أعلنت الحكومة المركزية التراجع عن القرار، منوهة إلى أنّ القضية ما زالت تحت البحث والدراسة.
إقرأ أيضاً: تلاميذ أفغانستان بلا مدارس