تعتبر الثورة تغييرا شاملا لمنظومة اجتماعية، فهي ذاك الفعل الناجم عن مجموعة من العوامل المحفزة والخالقة لإرادة تبحث عن تحقيق رغبات وتطلعات شعبية تخدم غالبية فئات المجتمع. ولطالما وصفت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على أنها ثورة كبيرة، كان ومازال لها الوقع الكبير على الحياة الاجتماعية وتداعيات مباشرة على الاقتصاد العالمي، كما تفاعلت مع الشأن السياسي بشكل مثير.
وفي هذا السياق، هناك العديد من الشواهد على تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في السلوكيات البشرية من حيث اتخاذ القرار، سرعة التفاعل مع الأحداث وسهولة الاتصال، أما اقتصادياً، فتبرز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كمحرك للاقتصاد الجديد القائم على الرقمنة والمعرفة في إطار شبكات من العلاقات، ومصالح تنافسية بين كل الفاعلين، علاوة على الدور المهم لهذه التكنولوجيا في الحشد الشعبي للتغيير السياسي وصناعة الرأي العام عبر الإعلام.
تغييرات جذرية
ومما يجب التوقف عنده في فكرة الثورة، أن النقاش حول ثورية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومدى إسهامها في إجراء تغييرات جذرية، يعد نتاج ثورات عديدة كانت ممهدة لها ووقودها في حصد نتائج هائلة وفي مدة زمنية قصيرة، حيث إنه كان للثورة الديمغرافية أثر واضح على الاستهلاك، فقد عرف العالم زيادة سكانية مطردة، فعدد سكان العالم في العام 1970 كان يبلغ ثلاثة مليارات ونصف مليار نسمة، بينما تعدى ثمانية مليارات نسمة في العام 2012 بحسب تقرير الأمم المتحدة الخاص بالشؤون الاجتماعية والسكان، وهي زيادة بمعدل يتجاوز المليار نسمة كل عشر سنوات.
بالإضافة إلى أن هناك ثورة علمية ومعرفية، فقد انخفضت نسبة الأمية بحوالي النصف خلال الفترة نفسها مع غزارة في الإنتاج العلمي، تجلت في ارتفاع عدد المنشورات العلمية مما يقارب 350 ألف منشور في العام 1980 إلى مليون ونصف مليون منشور في العام 2014، وكذلك الحال بالنسبة لبراءات الاختراع التي لم تكن تتعدى 100 ألف في العام 1990 في حين وصلت إلى ما يجاور 300 ألف براءة في العام 2014.
إلى جانب ذلك، عرف العالم تطوراً اقتصادياً ملحوظاً خلال الأربعة عقود الأخيرة، فالرأسمالية بلغت ذروتها وتربعت على عرش الحكم الاقتصادي، ورسخت انفتاحاً تجارياً وانتشاراً واسعاً للشركات المتعددة الجنسيات وللاستهلاك المادي مع توغل جلي للخدمات المالية في هيئة مصارف، تأمينات، مؤسسات تمويلية وبورصات تباع وتشترى فيها العديد من المنتجات المالية. وتظهر هذه القفزة الاقتصادية في تضاعف الناتج المحلي الإجمالي بالعالم ثلاث مرات في الفترة ما بين 1980 و2014 ليصل إلى حوالي 76 ألف مليار دولار.
وبوجه عام، يبدو أن امتداد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مازال مستمراً سواء كان في شكل أجهزة، نظم معلوماتية، أنظمة محوسبة، تكنولوجيا متعددة الوسائط، برامج وتطبيقات ذكية أو شبكات ووسائل للتواصل، وسيحدث المزيد من التغييرات على المستقبل الاقتصادي في جوانبه المختلفة من التخطيط والمالية إلى الإدارة الاستراتيجية للموارد مروراً بالتشغيل، المديونية والمبادلات التجارية.
وبذلك، تتعدد مستويات هذا التغيير، فنجد أولاً أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات خفضت الحاجة إلى العمل، حيث تشير عدة تقارير دولية إلى أن نصف الوظائف العالمية معرضة للخطر خلال العقدين المقبلين. وثانياً أن المفهوم التاريخي للاقتصاد كان يقوم على ندرة الموارد بينما مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أصبح الاقتصاد معتمداً على المعلومة كمورد أساسي وهي متوفرة بكثرة تصعّب التحكم فيها، وبذلك قضت سلع المعلومات على قدرة السوق على تحديد الأسعار بالشكل اللازم.
وعلى المستوى الثالث، تغير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من القواعد التقليدية للاقتصاد وتثور على منطق العرض والطلب، فالمنتجات من سلع وخدمات لم تعد تستجيب لمخرجات السوق والتسلسل الهرمي الإداري، في ظل تحول التصرف البشري القائم على المصلحة الذاتية إلى انتشار ثقافة التطوع والتدوين على الإنترنت في مشاريع تطوعية لو استعملت لأغراض تجارية لحققت أرباح طائلة.
وختاماً، تعزز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من مسارها الثوري بجعل العالم الافتراضي حقيقيّ الفعلِ والحركة ومتداخلا مع أساسيات الحياة التي تهم كل الإنسان، كما أنها مولدة للثروة والرفاهية.
(باحث وأكاديمي مغربي)
وفي هذا السياق، هناك العديد من الشواهد على تأثير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في السلوكيات البشرية من حيث اتخاذ القرار، سرعة التفاعل مع الأحداث وسهولة الاتصال، أما اقتصادياً، فتبرز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كمحرك للاقتصاد الجديد القائم على الرقمنة والمعرفة في إطار شبكات من العلاقات، ومصالح تنافسية بين كل الفاعلين، علاوة على الدور المهم لهذه التكنولوجيا في الحشد الشعبي للتغيير السياسي وصناعة الرأي العام عبر الإعلام.
تغييرات جذرية
ومما يجب التوقف عنده في فكرة الثورة، أن النقاش حول ثورية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومدى إسهامها في إجراء تغييرات جذرية، يعد نتاج ثورات عديدة كانت ممهدة لها ووقودها في حصد نتائج هائلة وفي مدة زمنية قصيرة، حيث إنه كان للثورة الديمغرافية أثر واضح على الاستهلاك، فقد عرف العالم زيادة سكانية مطردة، فعدد سكان العالم في العام 1970 كان يبلغ ثلاثة مليارات ونصف مليار نسمة، بينما تعدى ثمانية مليارات نسمة في العام 2012 بحسب تقرير الأمم المتحدة الخاص بالشؤون الاجتماعية والسكان، وهي زيادة بمعدل يتجاوز المليار نسمة كل عشر سنوات.
بالإضافة إلى أن هناك ثورة علمية ومعرفية، فقد انخفضت نسبة الأمية بحوالي النصف خلال الفترة نفسها مع غزارة في الإنتاج العلمي، تجلت في ارتفاع عدد المنشورات العلمية مما يقارب 350 ألف منشور في العام 1980 إلى مليون ونصف مليون منشور في العام 2014، وكذلك الحال بالنسبة لبراءات الاختراع التي لم تكن تتعدى 100 ألف في العام 1990 في حين وصلت إلى ما يجاور 300 ألف براءة في العام 2014.
إلى جانب ذلك، عرف العالم تطوراً اقتصادياً ملحوظاً خلال الأربعة عقود الأخيرة، فالرأسمالية بلغت ذروتها وتربعت على عرش الحكم الاقتصادي، ورسخت انفتاحاً تجارياً وانتشاراً واسعاً للشركات المتعددة الجنسيات وللاستهلاك المادي مع توغل جلي للخدمات المالية في هيئة مصارف، تأمينات، مؤسسات تمويلية وبورصات تباع وتشترى فيها العديد من المنتجات المالية. وتظهر هذه القفزة الاقتصادية في تضاعف الناتج المحلي الإجمالي بالعالم ثلاث مرات في الفترة ما بين 1980 و2014 ليصل إلى حوالي 76 ألف مليار دولار.
وبوجه عام، يبدو أن امتداد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مازال مستمراً سواء كان في شكل أجهزة، نظم معلوماتية، أنظمة محوسبة، تكنولوجيا متعددة الوسائط، برامج وتطبيقات ذكية أو شبكات ووسائل للتواصل، وسيحدث المزيد من التغييرات على المستقبل الاقتصادي في جوانبه المختلفة من التخطيط والمالية إلى الإدارة الاستراتيجية للموارد مروراً بالتشغيل، المديونية والمبادلات التجارية.
وبذلك، تتعدد مستويات هذا التغيير، فنجد أولاً أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات خفضت الحاجة إلى العمل، حيث تشير عدة تقارير دولية إلى أن نصف الوظائف العالمية معرضة للخطر خلال العقدين المقبلين. وثانياً أن المفهوم التاريخي للاقتصاد كان يقوم على ندرة الموارد بينما مع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، أصبح الاقتصاد معتمداً على المعلومة كمورد أساسي وهي متوفرة بكثرة تصعّب التحكم فيها، وبذلك قضت سلع المعلومات على قدرة السوق على تحديد الأسعار بالشكل اللازم.
وعلى المستوى الثالث، تغير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من القواعد التقليدية للاقتصاد وتثور على منطق العرض والطلب، فالمنتجات من سلع وخدمات لم تعد تستجيب لمخرجات السوق والتسلسل الهرمي الإداري، في ظل تحول التصرف البشري القائم على المصلحة الذاتية إلى انتشار ثقافة التطوع والتدوين على الإنترنت في مشاريع تطوعية لو استعملت لأغراض تجارية لحققت أرباح طائلة.
وختاماً، تعزز تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من مسارها الثوري بجعل العالم الافتراضي حقيقيّ الفعلِ والحركة ومتداخلا مع أساسيات الحياة التي تهم كل الإنسان، كما أنها مولدة للثروة والرفاهية.
(باحث وأكاديمي مغربي)