15 مايو 2024
تكرار المكرّر في الانتخابات العراقية
لم تفرز الأسماء التي أعلنت عن نفسها زعاماتٍ لكتل سياسية، سجلت نفسها رسمياً لخوض الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في العراق في 12 مايو/ أيار المقبل، عن جديد، فمنذ أول انتخابات مماثلة، دعي الشعب العراقي إلى ممارستها في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2005، وما تلاها في العامين، 2010 و2014، كان المتقدمون للتنافس على مقاعد مجلس النواب العراقي مرشحين عن القيادات نفسها التي ربما كانت معظمها برفقة قوات الاحتلال الأميركي عام 2003، أو مكّنتها لاحقاً الدول الإقليمية، وخصوصاً الجمهورية الإسلامية في إيران والعربية السعودية وغيرهما.
السؤال الذي يدور في أذهان أغلبية العراقيين، وربما مراقبين عرب كثيرين، وغيرهم في المحيط الإقليمي للعراق، هو لماذا يذهب الشعب العراقي في كل مرة ليشارك ويساهم في إنجاح عملية انتخابية تنصّب من لا يؤمن به هذا الشعب "قائداً" يمكن الركون إلى حكمته وقدرته ونزاهته، لإخراجهم من حالة القنوط والتخلف، فيما هو الشعب نفسه الذي يعبرّ سراً وعلناً عن كفره بالمنظومة السياسية الحاكمة في البلد، ويشير، بما لا يقبل الشك، إلى مواطن الفساد والمحسوبية والتبعية للأجنبي والتغاضي عن جرائم الاختطاف والقتل والشحن الطائفي والعرقي لكل طرف من أطراف المنخرطين في حكم البلاد وإدارتها.
تؤكد مراجعة الأسماء والتصريحات، وأيضاً "البرامج الانتخابية" للكتل جميعاً، تؤكد أن كل
المنضوين تحت راية ما سمي "العراق الجديد" من أحزاب وأفراد، هم، في الحقيقة، أحجارٌ على رقعة شطرنج، أحكم ترتيبها، وكل بيدق من بيادقها، إنما يعمل على تكريس البعد الطائفي والعرقي للمبرمج، وقد بدا ذلك واضحاً عبر ما ظهر من تسميات وبرامج، أفرزت كل طائفة أو قومية بما يقابلها من هواجس، تم زرعها في نفوس عامة الناس، وأبسطهم قدرة على فهم المعترك السياسي الأعمق لما وراءها.
المضحك، وليس غريباً، في ما قدمته الكتل العراقية المتنافسة على مقاعد مجلس النواب العراقي من توصيف لنفسها، باعتبارها كتلاً "عابرة للطائفية" أو "العرقية"، في حين أنها حشدت كل ما يمكن من طاقات المذهب لصالح كسب أصوات أتباعه، شيعة كانوا أم سنّة، وكذلك فعل الأكراد، فلا الطائفية تم أو سيتم عبورها، ولا الهوية العراقية تم تثبيتها أو إبرازها، ولا حتى برز للجمهور ما يشير إلى سعي الجميع إلى اجتثاث الفساد، والذي يؤمن الشعب العراقي برمته أنهم جميعاً متورّطون فيه.
تغيير القوائم وترتيب الأسماء فيها، أو تقدم الأحزاب الكبيرة بأكثر من كتلة، كما فعل حزب الدعوة، لن يغير من أمر العراق شيئاً، وإن إعادة تدوير الأسماء والقيادات نفسها، لتكون حديث الناس وتأففهم أربع أو خمس سنوات مقبلة، ليس إلا مؤشراً على ضعف الإرادة الشعبية، وقدرتها على التغيير في ظل ممارسةٍ يفترض أنها "ديمقراطية"، وأن فوز أية مجموعة أو كتلة تعني عودة كل المشتركين في هذه الانتخابات إلى الواجهة نفسها، وسيبقى سكان المنطقة الخضراء على وتيرة التعامل نفسها فيما بينهم، وفق فرضية المركب الواحد.. المصير الواحد.
يعيش شعب العراق الذي ربما يكون من شعوب العالم الفطنة سياسياً مرحلة من الضبابية، ساهم فيها من تبجح بالشعارات الدينية، أو اتكأ على فتاوى المرجعية وآرائها، وآخرون راهنوا على بعض العبارات (الرنانة) وطنياً، فيما يشكك عراقيون كثيرون بقواها العقلية، أو بدرجة ارتباطها بمصالح أجنبية، ومنهم من ما زال يحلم بـ"وطن حر وشعب سعيد"، لكن تحت عباءة الصدريين أو المجلس الأعلى، وكذلك حال من صور نفسه مدافعاً عن شيعة العراق ضد أي "يزيد" ممكن أو قادم، أو من انتشى برفاهية المناصب الرئاسية، ولسان حاله يتحدث عن الملايين الذين يفترشون الخيام من أبناء محافظته، أو سنّة العراق، على حد وصفهم.
ربما تتفرد التجربة العراقية على مستوى العالم بخاصية "تكرار المكرّر"، وبحسب مراقبين
ومحللين، فإن هذا الأمر سيستمر إلى ما لا نهاية، مادام شعب العراق لم يفرز قوىً يمكن أن تستثمر ما أطلق عليها "الديمقراطية"، وما دام يخرج مع شقيقه إلى ساحات الاحتجاجات والاعتصامات، من دون أن يخطر بباله كون هذا الشقيق شيعياً أم سنيّاً، كردياً أم عربياً أو تركمانياً، لكنه حين يكون موسم الانتخابات يقدم نفسه بسهولة ويسر لأبواق الطائفية والعرقية، فيجد نفسه ضمن ناخبي من خرج مطالباً باجتثاثهم، على أمل أن يخرج بعد فوزهم بالانتخابات ليطالب باجتثاثهم مرة أخرى.
توضح متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، والمقالات التي تعبر عن آراء أصحابها، وكذلك بعض مراكز الدراسات والمتابعة، أن الظروف المحيطة بشعب العراق اليوم هي ظروف قاهرة، وأنه لا يملك من الخيارات الكثير للتصدي للفساد، ولعمليات تدمير الذات والهوية العراقية بماضيها وحاضرها ومستقبلها، لكن يتفق هؤلاء جميعاً أن لدى هذا الشعب سلاحاً واحداً يربك كل ما أعدته دوائر الأحزاب والأشخاص المتقدمين لخوض الانتخابات، وقد يفرز بسببها قوىً قد تكون قادرةً على التغيير، وهذا السلاح هو مقاطعة الانتخابات، وبالتالي وضع الجميع أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية تجاه الرأي العام الدولي، وتجاه المنظمات الدولية المسؤولة، فهل يمتلك شعب العراق هذه القدرة فعلاً أم لا؟ ذاك ما سيفرزه يوم 12 من مايو/ أيار المقبل.
السؤال الذي يدور في أذهان أغلبية العراقيين، وربما مراقبين عرب كثيرين، وغيرهم في المحيط الإقليمي للعراق، هو لماذا يذهب الشعب العراقي في كل مرة ليشارك ويساهم في إنجاح عملية انتخابية تنصّب من لا يؤمن به هذا الشعب "قائداً" يمكن الركون إلى حكمته وقدرته ونزاهته، لإخراجهم من حالة القنوط والتخلف، فيما هو الشعب نفسه الذي يعبرّ سراً وعلناً عن كفره بالمنظومة السياسية الحاكمة في البلد، ويشير، بما لا يقبل الشك، إلى مواطن الفساد والمحسوبية والتبعية للأجنبي والتغاضي عن جرائم الاختطاف والقتل والشحن الطائفي والعرقي لكل طرف من أطراف المنخرطين في حكم البلاد وإدارتها.
تؤكد مراجعة الأسماء والتصريحات، وأيضاً "البرامج الانتخابية" للكتل جميعاً، تؤكد أن كل
المضحك، وليس غريباً، في ما قدمته الكتل العراقية المتنافسة على مقاعد مجلس النواب العراقي من توصيف لنفسها، باعتبارها كتلاً "عابرة للطائفية" أو "العرقية"، في حين أنها حشدت كل ما يمكن من طاقات المذهب لصالح كسب أصوات أتباعه، شيعة كانوا أم سنّة، وكذلك فعل الأكراد، فلا الطائفية تم أو سيتم عبورها، ولا الهوية العراقية تم تثبيتها أو إبرازها، ولا حتى برز للجمهور ما يشير إلى سعي الجميع إلى اجتثاث الفساد، والذي يؤمن الشعب العراقي برمته أنهم جميعاً متورّطون فيه.
تغيير القوائم وترتيب الأسماء فيها، أو تقدم الأحزاب الكبيرة بأكثر من كتلة، كما فعل حزب الدعوة، لن يغير من أمر العراق شيئاً، وإن إعادة تدوير الأسماء والقيادات نفسها، لتكون حديث الناس وتأففهم أربع أو خمس سنوات مقبلة، ليس إلا مؤشراً على ضعف الإرادة الشعبية، وقدرتها على التغيير في ظل ممارسةٍ يفترض أنها "ديمقراطية"، وأن فوز أية مجموعة أو كتلة تعني عودة كل المشتركين في هذه الانتخابات إلى الواجهة نفسها، وسيبقى سكان المنطقة الخضراء على وتيرة التعامل نفسها فيما بينهم، وفق فرضية المركب الواحد.. المصير الواحد.
يعيش شعب العراق الذي ربما يكون من شعوب العالم الفطنة سياسياً مرحلة من الضبابية، ساهم فيها من تبجح بالشعارات الدينية، أو اتكأ على فتاوى المرجعية وآرائها، وآخرون راهنوا على بعض العبارات (الرنانة) وطنياً، فيما يشكك عراقيون كثيرون بقواها العقلية، أو بدرجة ارتباطها بمصالح أجنبية، ومنهم من ما زال يحلم بـ"وطن حر وشعب سعيد"، لكن تحت عباءة الصدريين أو المجلس الأعلى، وكذلك حال من صور نفسه مدافعاً عن شيعة العراق ضد أي "يزيد" ممكن أو قادم، أو من انتشى برفاهية المناصب الرئاسية، ولسان حاله يتحدث عن الملايين الذين يفترشون الخيام من أبناء محافظته، أو سنّة العراق، على حد وصفهم.
ربما تتفرد التجربة العراقية على مستوى العالم بخاصية "تكرار المكرّر"، وبحسب مراقبين
توضح متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، والمقالات التي تعبر عن آراء أصحابها، وكذلك بعض مراكز الدراسات والمتابعة، أن الظروف المحيطة بشعب العراق اليوم هي ظروف قاهرة، وأنه لا يملك من الخيارات الكثير للتصدي للفساد، ولعمليات تدمير الذات والهوية العراقية بماضيها وحاضرها ومستقبلها، لكن يتفق هؤلاء جميعاً أن لدى هذا الشعب سلاحاً واحداً يربك كل ما أعدته دوائر الأحزاب والأشخاص المتقدمين لخوض الانتخابات، وقد يفرز بسببها قوىً قد تكون قادرةً على التغيير، وهذا السلاح هو مقاطعة الانتخابات، وبالتالي وضع الجميع أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية تجاه الرأي العام الدولي، وتجاه المنظمات الدولية المسؤولة، فهل يمتلك شعب العراق هذه القدرة فعلاً أم لا؟ ذاك ما سيفرزه يوم 12 من مايو/ أيار المقبل.