ذكر تقرير بتكليف من الأمم المتحدة، أن شبكة الأمان الاجتماعي في المملكة المتحدة "تمت إزالتها عن عمد واستبدالها بأخلاقيات قاسية وغير مبالية"، بحسب ما أوردت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، اليوم الأربعاء.
وقال المقرر الخاص المعني بالفقر المدقع، فيليب ألستون، إن "الخفض الإيديولوجي للخدمات العامة منذ عام 2010 أدّى إلى عواقب مأساوية".
ويأتي هذا التقرير بعدما زار البروفيسور الأسترالي، ألستون، البلدات والمدن في المملكة المتحدة وقدّم نتائج أوليّة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. بيد أنّ النتائج جاءت صادمة، حتى أن الحكومة قالت إن تقريره النهائي "بالكاد يمكن تصديقه".
وردّا على هذا التقرير، قال متحدث باسم وزارة العمل والمعاشات (DWP)، إن مبلغ الـ95 مليار جنيه إسترليني الذي أنفق على الرعاية الاجتماعية والحفاظ على معاشات الدولة، أظهر أن الحكومة تعاملت مع الفقر "بجدية بالغة".
البروفيسور ألستون هو خبير مستقل في قانون حقوق الإنسان وعُيّن في دور غير مدفوع الأجر من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يونيو/حزيران 2014.
قضى البروفيسور ألستون ما يقرب من أسبوعين في السفر إلى بريطانيا وأيرلندا الشمالية كما تلقى أكثر من 300 رسالة مكتوبة لتقريره. وممّا جاء فيه أن سياسات الحكومة أدّت إلى "التحيز الممنهج" لجزء كبير من سكان المملكة المتحدة، وهو ما يعني أنها قد وضعت الناس باستمرار في براثن الفقر. وأضاف أن بعض المراقبين قد يستنتجون أن برنامج عمل وزارة العمل والمعاشات، قد كُلف "بتصميم نسخة رقمية ومعقّمة من ورشة العمل التي أنجزت في القرن التاسع عشر، التي اشتهر بها تشارلز ديكنز".
ويشير التقرير أيضاً، إلى أنّ خبراء مستقلين يقولون إنّ 14 مليون شخص في المملكة المتحدة، أي خمس السكان، يعيشون في فقر، وفقًا لإجراء جديد يأخذ بالاعتبار تكاليف مثل الإسكان ورعاية الأطفال.
وفي عام 2017، عانى 1.5 مليون شخص من العوز، ما يعني أنهم حصلوا على أقل من 10 جنيهات إسترلينية في اليوم بعد دفع تكاليف السكن، أو اضطروا للتخلّي عن وجود عنصرين أساسيين على الأقل في حياتهم، مثل المأوى أو الطعام أو التدفئة أو الإضاءة أو الملابس أو مستلزمات النظافة لمدة شهر واحد.
وعلى الرغم من النفي الرسمي، قال البروفيسور ألستون إنه سمع روايات عن أشخاص يختارون بين تدفئة منازلهم أو تناول الطعام، فضلاً عن معاناة الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة من الجوع، وزيادة التشرد واللجوء إلى بنك الطعام، وهناك قصص عن أشخاص فكّروا أو حاولوا الانتحار.
وقال إن السبب هو قرار الحكومة "الإيديولوجي" بتفكيك شبكة الأمان الاجتماعي والتركيز على العمل كحل للفقر، مضيفا: "إن معايير الرفاهية في المملكة المتحدة قد انحدرت بشكل سريع في فترة زمنية قصيرة بشكل ملحوظ، كنتيجة لخيارات السياسة المتعمدة التي أتيحت عند توفر العديد من الخيارات الأخرى".
في المقابل، قالت وزارة العمل والمعاشات إنّ بيانات الأمم المتحدة الخاصة وضعت المملكة المتحدة في المرتبة الـ15 على قائمة الأماكن الأكثر سعادة للإقامة فيها.
وقال متحدث باسمها: "هذه وثائق بالكاد تصدقها بريطانيا وتستند إلى قضاء فترة قصيرة هنا. إنها ترسم صورة غير دقيقة تماما لنهجنا في معالجة الفقر".
وأضاف المتحدث "تشير جميع الأدلة إلى أن العمل بدوام كامل هو أفضل وسيلة لزيادة دخلك ونوعية حياتك".
"أعمل بدوام كامل ومرتبي يزيد عن الثلاثين ألف جنيه إسترليني في السنة"، تقول غابرييلا (اسم مستعار) التي تجاوزت الأربعين من العمر، وتقيم مع ابنتها في شقة متواضعة في ضواحي لندن.
تكمل غابرييلا (التي فضلت عدم الإفصاح عن إسمها، تجنباً لأي نظرات دونية من زملاء العمل): "أعجز عن تأمين أبسط متطلبات الحياة اليومية بعد دفع إيجار المنزل وجميع الفواتير. وأعيش في دوامة من القلق والتوتر كل شهر. منذ سنين وأنا أستدين المال من الأصدقاء والأهل، حتى أنّني حاولت الانتحار ذات مرّة، لكن ابنتي أبلغت الشرطة التي خلعت باب المنزل ودخلوا مع الإسعاف وأنقذوني". تبدّل نظام المساعدات جعل الأمور أكثر صعوبة، خاصة حين يتعلّق الأمر بأم عزباء أو مطلّقة أو أرملة، تتكفّل بإعالة عائلتها مهما كانت صغيرة.